موقع الاقتصاد السياسي في أزمة أوكرانيا
ملاحظة: ربما من المفيد توفر مرونة في هذه المحاورات بمعنى الذهاب تطبيقيا لمعالجة أحداث جارية وليس الانحصار في مسائل نظرية رغم اهميتها.
يدور اسخن الحديث عن الأزمة الأوكرانية على مستويات الإرهاب والسياسية عامة والسلاح والثقافة ...الخ ولكن يدور القليل من الحديث العلني عن ما اسماه ماركس العامل الحاسم أو المقرر في التحليل النهائي، اي الاقتصاد.
هناك مبرر كبير لبداية الحراك الأوكراني رغم انه دار في جزئها الغربي (جغرافياً وهوىً) مبرر ناجم عن إيغال الرئيس الأوكراني يانكوفيتش في الفساد (تقدر ثروته ب 4.5 مليار دولار)، وتحالفه مع الطغمة الفاسدة هناك ومنها قسم كبير من اليهود الروس الذين هربوا بعد وصول بوتين للسلطة وقيامه بلجم وحبس الغول النفطي خوردوفيسكي. وقسم من هؤلاء يزور الكيان الصهيوني ويحمل جنسيته كذلك وهؤلاء بخشون وصول يد بوتين إليهم بما هم نهبوا ثروات روسيا مما يضعهم في صف المعادين لروسيا. هذا الفساد جند الكثير من الأوكرانيين لصالح الأحداث بمعزل عن معرفة من يقودها ويغذيها. لذا في تنازله للإنقلابيين كان يانكوفيتش ضائعا بين حماية ثروته من جهة وحماية البلد من أن تبتلعها أوروبا في حدود اتخاذها جارية فقط ، لا زوجة ولا تبني من جهة ثانية.
خلال الأشهر الثلاث من مقدمات الاضطرابات، وصل الاحتياطي الأوكراني او هبط من 20 إلى 17 مليار دولار وهي كحالة مصر في فترة مرسي قبل الحقنة المالية الوهابية بينما في الحالة الأوكرانية الحقنة متوفرة لدى روسيا الأرثوذكسية!!، هذا إلى جانب مديونية على البلد تصل 100 مليار دولار، لا يوجد ما يدل لا على قدرة سهلة لتسديدها ولا دلائل على استعداد الغرب للمساعدة في سدادها او مثلا شرائها. وجزء كبير من هذه الديون لروسيا.
فحينما نعرف ان شركة غازبروم الروسية لوحدها لها ديون مستحقة على اوكرانيا(على شكل فواتير) بقيمة 1.5 مليار دولار، وبان روسيا كانت قد قررت مساعدة أوكرانيا بقرض قيمته 15 مليار دولار مغطاة بسندات خزينة الدولة الأوكرانية، وبأن 3.3 مليون أوكراني يعملون في روسيا الكثير منهم من غرب اوكرانيا إضافة لمساعدات أخرى (كما قال بوتين في مؤتمره الصحفي يوم 4 آذار 2014) ، وبأن معظم صناعات اوكرانيا هي في جزئها الشرقي وسوق هذه الصناعات هي روسيا، حين نعرف هذا ندرك بأن مشاكسات أوكرانيا ضد روسيا لها حدودها المؤكدة أن الغرب لن يحمل عبئها الاقتصادي.لا سيما على ضوء عدم توفر اي استعداد اوروبي او امريكي بمساعدات اقتصادية لأوكرانيا ولا حتى عسكرية. (سنرى ان دور صندوق النقد الدولي مختلف).
هذا لا يعني عدم وجود ماكينة حربية غربية قوية بل هي الأقوى. ولكن وجود الدبابة او الطائرة شيء ونفقات تحريكها في حرب شيىء آخر ولصالح مَنْ، هو شي آخر آخر!!!. وفقط مقارنة مع سوريا في هذا الموقف، فإن الإنفاق المالي والبشري على العدوان على سوريا هو من دول الخليج وخاصة السعودية وقطر، وهو إنفاق في جانبه التسليحي واللوجستي يشكل استثمارا ( Business )للغرب لأنه يستورد من صناعاتها العسكرية واللوجستية وحتى الغذائية ناهيك عن رواتب خبراء التدريب على الإرهاب بأشكاله المتعددة. وهنا الغرب رابح وحسب والكيان الصهيوني رابح مضاعفا من خراب سوريا.
ماذا يريد الغرب؟
بل كيف ولماذ مهد الغرب لما حصل؟
منذ عهد القياصرة واوروبا الغربية تعتبر أوروبا الشرقية ذات مستوى دوني ومتخلفة وتخشى قوة روسيا. قوي هذا الخوف خلال الحقبة السوفييتية، وتلاشى إثر تفكك الكتلة الاشتراكية الذي كان الهدف الأساس للغرب بل انتقلت أوروبا الغربية وأمريكا إلى الهجوم حيث ألحقت بها العديد من دول اوروبا الشرقية على شكل سوق/مخزن. سوق لتصريف منتحات الغرب ومخزن ليد عاملة مؤهلة ولكن زائدة عن الحاجة. وتم تقديم مقابل ذلك ديمقراطية سياسية لهذه البلدان. وحتى دول اوروبا الشرقية التي دخلت الاتحاد الأووبي لم تدخل كشركاء حقيقيين يكفي ان نرى ان بولندا كانت اكثر المتحمسين للانضمام للاتحاد الأوروبي، لكن واقع شعبها المعيشي لم يتحسن قط مع ان ثلاثين سنة يجب ان تعني ولو تقدم بحكم الزمن، ومع ذلك فحكومتها داعم قوي للانقلابيين!
هذا الشكل من التوسع الغربي على حدود روسيا نحو السوق بدون عضوية الاتحاد الأوروبي له ابعاده الجيوسياسية وليس فقط الاقتصادية. وهو الذي اخذ شكلا مختلفا بعد نهوض روسيا إثر التخلص من يلتسين. وكان الشكل المختلف بداية في جورجيا في 8-8-2008، وهو التحرك الذي سحقته روسيا بقساوة تهدف تلقين درس واستعراض قوة. وبالمناسبة كان للكيان الصهيوني إصبعا في ازمة جورجيا.
لعل الشكل الخطر في تدخل او عدوان الغرب، هو شكل جديد، هو ضرب البلد بيد أهل البلد عبر الهيمنة على قطاعات محلية فيها متضررة من السلطة وهو ما حصل في سوريا ويتم تطبيقه في اوكرانيا. ولكن في اوكرانيا كان للمنظمات غير الحكومية دورها البارز، ففي حالة أوكرانيا حيث اعلنت المسؤولة الأميركية فيكتوريا نولاند أن بلادها انفقت 5 مليار دولار على هذه المنظمات بحجة مساعدة أوكرانيا، في حين لا توجد سجلات تبين كيف أُنفقت.
وعليه، فإن الاضطرابات التي حصلت في أوكرانيا كانت مزيجا من قوى شعبية تعاني اقتصادياً، ومن قوى نازية فاشية مضادة لروسيا دون ان تأخذ بالاعتبار حاجة البلد لروسيا ومن قطاع من البرجوازية هي الكمبرادور ومن جماعات مرتبطة بالكيان الصهيوني. والطريف ان النازيين والصهاينة وقفوا في معسكر واحد. (لهذا نقاش آخر).
أما ممارسو الإرهاب المباشر، فتدربوا في لتوانيا وبولونيا بتمويل الملياردير اليهودي البلغاري جورج شورش الذي مول الثورات البرتقالية في اوروبا الشرقية كمساهمة في تفكيك الاتحاد السوفييتي. . ومنهم قناصة ممن تدربوا على قتل الشعب العربي في سوريا. وكما تم تدريب عرب (أولاد هيلاري كما اسميتهم) على تويتر والفيس بوك وصنع ومن ثم ترويج الاضطرابات من خلالها للميدان مسبقا قاموا بذلك في اوكرانيا.
كما اشرنا ارتكز الغرب على فساد الرئيس المنتخب. وهو الذي سقط في حساباته بمعنى ان كونه منتخبا فلن يُعزل بسهولة، وحينما لاحت بوادر العزل قدم تنازلات للمعارضة ولممثلي فرنسا وألمانيا وبولندا توقع أن تحمي ثروته عبر الاتفاق معهم وخاصة على تعديل الدستور لصالح البرلمان وإجراء انتخابات. ولكن الأوروبيين والمعارضة مزقوا الاتفاق وذهبوا إلى الانقلاب. في هذا السياق علينا ان نتذكر أن أوروبا حاضنة تاريخية لكل ما يضر أمم العالم هي الخبير الاستعماري العريق. والمهم هنا أن معظم الأموال المسروقة من الكرة الأرضية وخاصة من سرقها الحكام هي في المصارف الأوروبية بما فيها فلوس يانكوفيتش وفلوس قيادات روسية ايضاً.
الصندوق يقتل نيابة عن الأنظمة
كما اشرنا أعلاه فإن راس المال الغربي وتحديداً المصرفي هو الكاسب الأساسي من الأزمة حيث يعتمد جملة من الوصفات لمختلف الأمم التي أوصلتها تعاستها إلى ابوابه لأن هذه الوصفات مخصصة لتحقيق هدف الصندوق وهو طوي كل الدول تحت إبط النظام العالمي الجديد.
كتب بالاست (للأسف اضعت المرجع) بانه إطلع عام 2001 من وثائق مسربة على 4 طرق للبنك الدولي (وطبعا قرينه صندوق النقد الدولي) تبين كيف تُجرد الأمم من ثرواتها وبناها التحتية وتفرض سيطرة على الموارد لصالح النخبة البنكية.
"...الخطوة النهائية هي مؤامرة البنك الدولي هي " الإضطرابات المصرفية" وتهدف إلى تفصيل كيف تخطط النخبة لعدم استقرار عام بشكل مسبق ومقصود وهذا بدوره يخيف المستثمرين ويتسبب بإفلاس الحكومة"
يذكرنا هذا بما حصل في دول النمور الأربع في أواخر القرن العشرين عندما طالبت المصارف الغربية المقترضين الكوريين بدفع الديون المستحقة عليهم على شكل قروض ساخنة وقيام هذه المصارف بشراء موجودات البلد بأسعار رخيصة وخرق قانون التملك الأجنبي الذي كان اقل من 49 بالمئة. طبعاً يحتاج الحديث عن سياسة العلاج بالصدمة Shock Therapy لنهب روسيا لصفحات كثيرة.
يضيف بالاس بأن: " هذه الفوضى الاقتصادية تتضمن جانبها البراق والجذاب للأجانب الذين يلتقطون الموجودات المتبقية باسعار لحظة ما قبل الحريق...وعليه يكون هناك الكثير من الخاسرين اي اكثرية الشعب مقابل الرابحين وهم المصارف الغربية والخزينة الأميركية. بكلمات اخرى فإن النخبة البنكية تخلق الظروف الاقتصادية الضرورية –رفع معدلات الفائدة، رفع اسعار الغذاء بشكل حلزوني ، فقر وتدني مستوى معيشة وهذه كلها وصفات عدم استقرار اجتماعي وكلها قفزة في حضن نهب الموجودات ببلاش."
في حالة اوكرانيا، وحسب وكالة الأشوسيتدبرس، بدأ الخبراء في صندوق النقد الدولي بمناقشة سياسات الإصلاح المطلوبة لتطبيقها على يد السلطات الانقلابية الجديدة وهي الإصلاحات المالوفة في تاريخ الصندوق. هي إصلاحات اسمياُ، ولكنها روشيتة نهب بلا مواربة يدفعها اي بلد يتبع وصفات هذا الصندوق والتي جوهرها: تمكين المصارف الدولية (وهي تقريبا غربية صرفة) من نهب موجودات البلد ومواردها الطبيعية، بفرض معايير تقشف هائلة على السكان (رفع سنّ التقاعد، رفع أسعار الكهرباء والتدفئة وخدمات المرافق العامة، إلغاء دعم أجور النقل في المواصلات العامة، تقليص أو إلغاء معاشات التقاعد «الخاصّة» التي يتقاضاها متقاعدو الجيش وموظفو الحكومة... إلخ.) لضمان استرداد قرض الصندوق ( في حالة اوكرانيا 35 بليون دولار) الذي وافقت إدارته فورا على صرفها للسلطة الجديدة وخاصة ضمان عدم عجز اوكرانيا عن تسديد القرض.
لنلاحظ هنا ان التعهد من الصندوق وليس من الاتحاد الأوروبي او الولايات المتحدة، ربما لأن الصندوق يشتغل كمضارب مالي لا توجد شروطا عليه بالالتزام بمعايير اخلاقية او اجتماعية وهي معايير تُدان عليها الأنظمة في حال تقصيرها. يزعم الصندوق بأنه مرسسة تقنية وحسب وهذا غطاء لأعفائه من التبعات السياسية والاجتماعية الناتجة عن تطبيق وصفاته. فلا أحد يسأل الصندوق مثلا عن مراعاة حقوق الإنسان وزيادة افقر بسبب الضرائب القاسية...الخ عند صياغة وصفاته القاتلة. من هنا فإن ضم أوكرانيا المنهكة اقتصاديا للاتحاد الأوروبي شديد الكلفة، بينما دور الصندوق هو نهب اوكرانيا لصالح المصارف الغربية دون التزام دول الغرب باحتضان أوكرانيا، أي نهب دون ضم. يصح هنا المثل الشعبي :" كطبع الإوزة: حِنيَّة بلا بِزْ – اي بلا رضاعة".
قد اتذكر هنا مقارنة طريفة، فالكيان الصهيوني لا يضم الضفة الغربية وقطاع غزة بسكانها لأنه أولاً يريدها بلا سكان، وهو ينهب منها دون ان ينفق عليها . وهذا طبعا يطعن حلم كثير من عشاق الانضمام للكيان في دولة ديمقراطية وعلمانية...واحدة. كما انه في الوقت نفسه يطيل عمر مصالح الفلسطينيين دعاة الدولة "المستقلة بلا استقلال"!. طبعا لا دعاة الانضمام للكيان نازيون كدعاة انضمام أوكرانيا لأوروبا لكنهم طابور سادس ثقافي، ولا دعاة الدولة "غير المستقلة" ثوريون!
وهكذا خُدع الكثير من المتظاهرين الأوكرانيين بهدف التكنوقراط المعينين كبديل للرئيس المنتخب بينما وهم لا يبحثون سوى عن مصالحهم ومصالح من عينوهم حيث سينهبوا البلد عبر ضرائب هائلة وبيع البنية التحتية وتقشف مؤلم بشكل فاشي ، وهي شروط لا يخفيها الصندوق الدولي.
وبيما كان ينكوفيتش مكتف بفساده ومن حوله، اي الحصول على جزء كبير من الفائض نقداً، فإن الصندوق سيقوم برهن البلد بسلاسل ديون العولمة لعقود ولمؤسسات أجنبية.
إذن على ارضية خلق هذا المناخ الاقتصادي المضطرب، وإنفاق المليارات على فرق الأنجزة المتخصصة لاستغلال هذه الأجواء والتعبئة النازية ضد روسيا، والدعاية الرهيبة عن جنات اوروبا الغربية، تمكنت النخبة من التقاط حراك القاعدة باتجاه تغيير النظام لا سيما وأن عدد المتضررين عالي وكبير، ليس فقط بسبب الأزمة ألاقتصادية الموضوعية بل اساسا بسبب صياغة ظروف تزيد من الأزمة وتفجر الحراك.
لعل الفارق بين العلاقة الاقتصادية مع روسيا واستبدالها بعلاقة قوية مع الغرب كامنة في أن روسيا تفتح اسواقها للمنتجات الأوكرانية وتزود البلد وصناعاته بالطاقة بسعر تفضيلي يصل 33 بالمئة اقل من السعر الدولي. بينما الارتباط بالغرب يخلق ازمة اسعار تطال كي شيىء وأزمة كساد للإنتاج المحلي لأن الغرب يريد وضع اليد على موجودات البلد وغمر أوساقها بمنتجاته يريدها سوق استهلاك وليس موقع انتاج وتصدير إلى اسواقه. ومن هنا تصطف البرجوازية الإنتاجية إلى جانب الطبقات الفقيرة ولا يستفيد سوى المصارف الدولية والكمبرادور المحلي.
وعليه ليس التغير الحاد والخطير في اوكرانيا في تغيير في مواد الدستور، ولا الخروج عليه ولا منع اللغة الروسية. بل الخطورة أن الحكومة الانقلابية المكونة غالبا من التكنوقراط الذين لا يسعون سوى لمصالحهم، وهم ليسوا من مناخ إنتاجي لا يهمهم رهن الاقتصاد وموجودات البلد للدول ولا للمصارف الغربية.
نتذكر هنا كيف يؤجج الغرب عواطف الأمازيغ في المغرب العربي الكبير ضد العرب بسبب قيام الدول القُطرية هناك بشكل رجعي بهضم الحقوق الثقافية للأمازيغ، وهذه الأنظمة بالطبع لا تمثل العروبة بل برجوازيات كمبرادورية قطرية، بينما يدعم من يمارسون العنصرية ضد اللغة الروسية.
روسيا تأثر وتاثير لكن المعيار استراتيجي
هل لا تزال الولايات المتحدة في موقع شرطي العالم؟
ربما من حيث القوة العدوانية نعم. ولكن كما اشرنا يحتاج العدوان إلى وقود بمختلف انواعه. اما العقوبات الاقتصادية التي تلوح بها امريكا، فليست بذات تأثير كبير، أو تاثيرها متبادلاً. فمن يقرأ عبارة بوتين بان روسيا في حالة فرض امريكا عقوبات عليها سوف تخفض علاقها الاقتصادية مع امريكا إلى الصفر مما يبين بأن كفة التبادل هي لصالح امريكا.
لا بد أن نتذكر بأن عصر كون الاقتصاد الأمريكي هو "الملاذ الأخير" للاقتصادات العالمية قد انتهى وبأن العقوبات لن تكون ذات تاثير قوي ضد دولة كروسيا تمتد على مساحة قارتين في العالم وتصطف في معسكر البريكس.
فأية عقوبات ستكون ذات اثر متبادل سلبا على البلدين، ولكن ربما تكون قدرة روسيا على الاحتمال اقوى لأنها ترتكز على 500 تريليون فائض نقدي ناهيك عن علاقتها مع البريكس بينما تعاني الولايات المتحدة من مديونية مقدارها 17 ألف تريليون دولار. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن روسيا في اللحظة قادرة على استغلال قدرتها النفطية في تحصيل ريع يزيد فائضها. هذا مع الإشارة إلى أن الأزمة الحالية رفعت اسعار الغاز عالميا مما يعوض انخفاض الروبل. والسؤال هل الاقتصاد الروسي ريعي فقط؟ لا نعتقد هذا.
إذا نجحت امريكا في جر أوروبا لدفع فاتورة الضغط على روسيا تكون قد أوجعت روسيا. ولكن أوروبا التي دفعت معظم فاتورة العدوان الأمريكي على العراق 1991 غير قادرة على هذا، كما أن روسيا القوية اليوم قادرة على إيذاء أوروبا فهي ليست العراق الذي وقف العالم جميعه ضده بمن فيه العرب.
فأوروبا تعرف أن لدى روسيا أوراق ضغط كبيرة. لذا لجأت في الأزمة الأوكرانية إلى التهييج وحاولت الاعتماد على امريكا في التصدي لروسيا. لكن الجانب الخبيث في اوروبا كان تحريكها للصندوق الدولي للتدخل مالياً في الأزمة الأوكرانية، وهذا يؤكد ما بدأناه في هذا المقال.
يبقى السؤال : الأزمة إلى اين؟
في الغالب، فإن أوكرانيا لن تعود لوضعها السابق حتى بعد انتخابات ديمقراطية. فروسيا لن تُعيد الحال في القرم على ما كان عليه، وقد تلجأ في هذا للاستفتاء. وغرب اوكرانيا لم يجد تشجيعا غربيا لاحتضانه مما يضعه في مأزق إما القبول بالحضن الروسي الخشن أو بالمذبحة المالية من صندوق النقد الدولي. أما شرق أوكرانيا فسيكون بين بين. ربما هذا لا يعني تقسيم أوكرانيا، ولكنه يعني أن سياسة الغرب في حقبة العولمة القاضية بخلق أكبر عدد ممكن من الدويلات التابعة له في العالم (أي حقبة الموجة القومية الثالثة التي هي صناعة امبريالية) قد وصلت حدها او تكاد.
نشرة كنعان الالكترونية