الأزمة السورية وعلاقتها بالنفط والغاز الطبيعي
هل للأزمة السورية علاقة بالاكتشافات النفطية الضخمة في الكيان الصهيوني؟ وما دور وعلاقة قطر وتركيا وإيران وروسيا ودول الغرب الأوروبي والولايات المتحدة ولبنان بهذه الاكتشافات والأزمة السورية؟ وبالتالي هل احتمالية هذا الصراع العسكري والسياسي في سورية الذي يتابعه العالم ظاهرياً وراءه المخفي مصالح اقتصادية ضخمة؟
يحاول هذا المقال أن يكشف ذلك عبر متابعة التحليلات والتصريحات المتوافرة التي تكشف بعض جبل الجليد المخفي لغاية الآن في أعماق مؤسسات وأروقة الحكم في هذه الدول. ففي تقرير أعده الفريق الاقتصادي بجمعية «وعد» عن هذه الاكتشافات نسرد ملخصه:
تشير معظم المقالات الإنجليزية إلى أن اكتشاف الحقل الصهيوني «لفيثان» البحري للغاز الطبيعي يعد أحد أهم اكتشافات الغاز في 2010، إن لم يكن أكبرها في العالم لغاية الآن، إلا أنه ليس بجديد على الكيان الصهيوني أن يكتشف مثل هذه الحقول في مياه البحر المتوسط. فكان أول اكتشاف له في 1999 لحقل «ماري- بي» الذي استمد منه نحو 2.8 مليار متر مكعب سنوياً لمدة 10 سنوات حتى نضب احتياطيه في أغلب الظن. تلاه اكتشاف حقل تامار البحري الذي يعد قريباً من حيفا، وقُدّر احتياطيه بحسب بعض الجهات الصهيونية الرسمية أنه قد يفي باحتياجات هذا الكيان للغاز الطبيعي لمدة 20 عاماً. وهنا تأتي أهمية حقل «لفيثان»، حيث صرح البعض في الحكومة الصهيونية بأنه، إن تمت إدارته بحكمة، فيمكن للكيان الصهيوني أن يُصدر الغاز لأول مرة في تاريخه، وخمّن البعض أن تكون الأردن ودول أوروبا أول المستوردين له.
وقدرت بعض الجهات احتياطي لفيثان بنحو 16 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي (أي نحو 450 مليون متر مكعب) في الطبقة الأولى (لفيثان 1) على عمق نحو 5.170 متراً من البحر التي تعد سهلة التنقيب نسبياً. أما في الطبقة الثانية، على عمق 7.500 متر، فقد قدر البعض أن هناك احتياطياً إضافياً لـ 9 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي (270 مليون متر مكعب)، إضافة إلى 600 مليون برميل من البترول، وهو احتياطي كبير بالنسبة للكيان الصهيوني والعديد من الدول على رغم صغره مقارنة باحتياطي السعودية على سبيل المثال (والمقدر بنحو 262 مليار برميل). وقد حاولت شركة «Noble Energy» التي اكتشفت هذا الحقل وتعد أحد المساهمين في الشركة التي تديره حالياً، التنقيب في الطبقة الثانية، إلا أنها لم تنجح نظراً لعمقها وعدم امتلاك التكنولوجيا المناسبة.
إن اكتشاف هذه الحقول في حوض البحر المتوسط من شأنه أن يخفف على الكيان الصهيوني استيراد الغاز الطبيعي من الخارج واستيراد الفحم الحجري اللذين يوفران الطاقة لمستهلكيه «الإسرائيليين» والشركات، حيث يستخدم الكيان في توليد ثلثي الطاقة التي يحتاجها من الفحم الحجري، ونحو 26 في المئة من الغاز الطبيعي.
وقدرت دراسة لقسم خدمات الأبحاث بالكونغرس الأميركي، للكاتب مايكل راتنر أن «حقول داليت وتامار ولفيثان يمكنها أن تؤمن احتياجات إسرائيل من الغاز لمدة 100 سنة». ويقدّر البعض الآخر أن إجمالي الاحتياطات في هذه الحقول نحو 26 مرةً أعلى من استهلاك الكيان الصهيوني الحالي الذي يصل إلى نحو 330 مليون قدم مكعب في اليوم.
يذكر أن الخلاف على الحدود الإقليمية للمياه هي بين الكيان الصهيوني ولبنان وجمهورية قبرص (اليونانية) وشمال قبرص (التركية)، ولم تكن سورية طرفاً رئيسياً في الموضوع، كما لم يكن قطاع غزة جزءاً من الجدال أيضاً. إلا أنه يبدو أن هذا الحقل يقع بشكل عام في مياه فلسطين المحتلة، ولم تحتج قبرص واليونان بتاتاً على الحدود حيث تعد علاقة الكيان الصهيوني مع اليونان بشكل عام علاقات ودية، وتبع اكتشاف الحقل زيارات متعددة بين ممثلي حكومات البلدين، منها زيارة نتنياهو لرئيس اليونان حينها، باباندريو، ومعه وزير الطاقة. وقدر البعض أن الجزء الذي قد يكون تحت حدود قبرص الإقليمية هو جزء بسيط جداً من الحقل. ولا يبدو حقيقة أن ما يزعمه لبنان بوقوع الحقل في مياهه الإقليمية أقنع الأمم المتحدة أو دول العالم، كما هو من المتوقع، وخصوصاً أن لبنان والكيان الصهيوني لم يوقعا على اتفاقيات حول حدود مياههما الإقليمية.
وقد حلّل البعض أولاً أن الكيان الصهيوني لن يتمكن من تصدير أي من غاز حقل لفيثان من دون موافقة الدول المجاورة التي حتماً سيحتاج إليها لنقل الغاز المسال من الحقل، إلا أن أخباراً جديدة على شبكة «رويترز» تشير إلى أن الشركات التي تدير الحقل تبحث عن مساهمين جدد في الشركة لتوفير المال الكافي لعمليات التنقيب العميقة، وإحدى الشركات التي عبرت عن اهتمامها شركة «غازبروم» (Gazprom) الروسية العملاقة، التي يمكن أن تسهل عملية النقل حتماً، إضافة إلى شركات أخرى كـ «جي دي إف سويس» (GDF Suez) التي تدير جزءاً كبيراً من غاز مصر.
بيد أن تقريراً صدر في ديسمبر 2012 عن قناة «الجزيرة» أوضح وجود تفاهمات بين الكيان الصهيوني ولبنان وبإشراف الولايات المتحدة الأميركية على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، حيث أشار التقرير نقلاً عن صحيفة «هارتس» إلى أن مسئولاً أميركياً وصفته بالكبير قال: «إن الولايات الأميركية المتحدة نقلت إلى (إسرائيل) ولبنان مؤخراً خريطةً تتضمن صيغة حل وسط لاقتسام مخزون الغاز الطبيعي في شرقي البحر المتوسط». وجاءت هذه الوساطة الأميركية بهدف ترسيم حدود المياه الاقتصادية بينهما. ووفق الصحيفة فإن الحدود البحرية بين الكيان ولبنان تنقسم إلى قسمين، خط 12 ميلاً عن الشاطئ لكل دولة على جانبيه سيادة كاملة، وخط آخر بطول نحو مئة ميل فأكثر يسمى «منطقة اقتصادية حصرية» أو «مياهاً اقتصادية»، وفيها لكل دولة حقوق اقتصادية وبحثية على المقدرات الطبيعية.
وكشفت الصحيفة أن نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشئون الطاقة عاموس هوكشتاين، كشف عن تفاصيل الوساطة في مؤتمر عقد في معهد «إسبن» بواشنطن في 29 نوفمبر 2012 حين أشار إلى أن الخطة تستند إلى القانون والاتفاقيات الدولية، وقال: «إن الولايات المتحدة معنيةٌ بالوصول إلى اتفاق بين لبنان و(إسرائيل) وقبرص بشأن ترسيم الحدود في المياه الاقتصادية لكل دولة، والهدف من الوساطة هو «خلق أجواء تسمح للشركات الأجنبية بالوصول واستثمار الأموال في التنقيب عن الغاز الطبيعي في المنطقة (التي تعمل بها حالياً شركة «نوفيل إنيرجي» الأميركية) من دون خوف أمني».
وأشارت الصحيفة إلى أن لبنان كان قد تقدّم في أغسطس 2010 إلى الأمم المتحدة بحدود للمياه الاقتصادية، وإن هذه الحدود لم تتضمن مخزوني الغاز الكبيرين في الحقلين «تمار» و «لفيثان» اللذين تشغلها شركتان إسرائيلية وأميركية، وإن حكومة الكيان اتخذت قراراً في يوليو 2011 بتحديد مجال حدوده الاقتصادية، وعلى أساس المقترحين الصهيوني واللبناني بلور الأميركان خريطة حل وسط.
وكما ذكرت العديد من المقالات والأبحاث عن أهمية هذه الحقول لأمن الكيان الصهيوني وتطوره الاقتصادي، وخصوصاً في ظل الشكوك حول استمرار إمدادات الغاز من مصر وإمكانيته في تصدير النفط لتعزيز موقعه الاقتصادي، وخصوصاً مع الأردن والدول الأوروبية.
وقد أشار تقرير الولايات المتحدة للمسح الجيولوجي إلى أن حوض البحر المتوسط يمتلك احتياطي نفط يصل إلى 1.7 مليار برميل من النفط، إضافة إلى 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي الذي يسهل التنقيب عنهما.
والشركة الأميركية Noble Energy هي التي اكتشفت حقل لفيثان، ومكاتبها الرئيسية في مدينة هيوستن، تكساس، وهي التي تدير حقلي تامار وداليت في الكيان، ولديها عمليات تنقيب كثيرة حول العالم، منها في خليج المكسيك وقبرص وغرب إفريقيا. أما عن الشركات الأخرى التي تدير الحقل فأغلبها شركات صهيونية.
بُنيت أنابيب نابوكو حتى تتمكن الشركات في الكيان من تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وخصوصاً في ظل ارتفاع الطلب عليه في أوروبا وشح الموارد الطبيعية فيها. وتبدأ هذه الأنابيب من الحدود التركية - الجيورجية والتركية - العراقية، إلى داخل تركيا وبلغاريا وهنغاريا لتنتهي في النمسا على طول 3.900 كيلومتر، وقد وقعت كل من هذه الدول اتفاقيات حول بناء هذه الأنابيب على أراضيها. ويستطيع الكيان الارتباط بهذه الأنابيب مباشرة من حقوله البحرية.
وتبلغ قدرة هذه الأنابيب الاستيعابية نحو 31 مليار متر مكعب في العام، ومن المزمع أن يبدأ استخدام هذه الأنابيب في العام 2017. وقد تأسست شركة نابوكو في النمسا، وتملك 6 شركات فيها أسهماً متساوية، إحداها شركة (BOTAS) التركية، و (Bulgargaz) البلغارية، و (Tranzgaz) الرومانية و (MOL) الهنغارية، والنمساوية (OMV) والأخيرة ألمانية (RWEST).
وفي تقرير لسايمون هندرسون (مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن) نشر في 3 ديسمبر 2012، يكشف بعض المعلومات عن الشركات المتصارعة، حيث أعلنت شركة «وودسايد للبترول» أنها ستشتري حصة قدرها 30 في المئة من حقل الغاز الطبيعي (لفثيان) في الكيان بقيمة تصل إلى 2.5 مليار دولار. هذه الشركة يعود نجاحها في حقول الغاز المكتشفة قبالة ساحل أستراليا الشمالي الغربي، وكذلك تكنولوجيا «الغاز الطبيعي المسال». وحصة ملكية (وودسايد) تكون من المساهمين الحاليين وهم «نوبل إنيرجي» و «مجموعة ديليك» وشركة «ريشيو أويل اكسبلوريشن». وقد نجحت «نوبل إنيرجي» بصورة كبيرة في قيادة أعمال الحفر الاستكشافية قبالة سواحل قبرص والكيان، لكنها تفتقر للمؤهلات الخاصة بـ «الغاز الطبيعي المسال» الذي يمكن شحنه بواسطة الناقلات لجميع أنحاء العالم.
أما بشأن الدور الروسي فيشير التقرير إلى أن موسكو تشعر بخيبة أمل، فقد شاركت شركة «جازبروم» العملاقة للغاز بالمناقصة لشراء حصة في حقل (لفيثان) ولكنها تفتقر إلى المؤهلات الخاصة بالغاز الطبيعي المسال. ويعتقد أن موسكو حذّرت الكيان من أن روسيا هي الطرف الوحيد القادر على إقناع سورية وحزب الله بعدم استهداف أرصفتها البحرية بالصواريخ البحرية من نوع «ياخونت» الموجهة بالرادار التي زودتها روسيا لكل منهما. ويخلص التقرير إلى أنه من غير المرجح أن يتم ضخ غاز «لفيثان» من الشاطئ للاستخدام المحلي الصهيوني حتى العام 2016، إلا أن الغاز من حقل «تمار» الذي تم اكتشافه 2009 سيبدأ بالتدفق في الربع الثاني من 2013. في الجزء الثاني سنتناول السؤال: أين سورية والصراع المحتدم فيها من كل ذلك؟
أين سورية من كل هذه الصراعات الخفية التي يظهر رأس جليدها العلني من خلال الصراع العسكري والسياسي، بينما الأساس هو النفط والغاز الطبيعي، وأن نجاح كل المخططات يبدأ من مدينة حمص السورية.
في تقرير بعنوان «الغاز يرسم خارطة الحرب»، لناصر شرارة، نشرته «الأخبار» اللبنانية، يحلل علاقة الصراع في سورية بهذه الاكتشافات، ويعتبر ملف «الغاز» الجزء الأهم في خلفيات الصراع، حيث يشير إلى وجود مشروع مدعوم من أميركا لإنشاء أنبوب جديد يجرّ غاز قطر إلى حمص، ومنه إلى أوروبا. وتحتل مدينة حمص وريفها موقع القلب الجغرافي، فالمشروع يمنح أيضاً كلاًّ من تركيا و«إسرائيل» مزايا استراتيجية في معادلة تجارة الغاز العالمية. والمشروع مد أنبوب لجر الغاز القطري عبر الأراضي السعودية فالأردنية فحمص السورية، حيث يتفرع ثلاثة أنابيب: باتجاه اللاذقية على الساحل السوري، وطرابلس شمال لبنان، والثالث باتجاه تركيا. والهدف إيصال الغاز القطري والصهيوني للبر الأوروبي، ومنافسة احتكار روسيا تزويد أوروبا بالغاز؛ وتحرير تركيا من الاستمرار في اعتمادها على استيراد غاز إيران؛ وثالثاً منح الكيان فرصةً لتصدير غازه إلى أوروبا برّاً وبكلفة رخيصة.
بحسب التقرير تعتزم قطر شراء ألف ناقلة شحن بحرية لتطوير أسطول غازها، بما يتلاءم مع طموحات انخراطها في مشروع أميركي كبير لإعادة رسم معادلة تجارة الغاز بالعالم، انطلاقاً من تطورين مهمين: اكتشافات الغاز الصهيوني في البحر المتوسط، والثاني عبر الاستثمار في الأحداث السورية عبر خلق وضع سياسي يسمح فيها باعتماد حمص كمركز «العقدة» في تصدير الغاز القطري والصهيوني لأوروبا.
أما بالنسبة إلى تركيا، فيمنحها المشروع ميزات استراتيجية، فهو يحولها أولاً إلى ممر حيوي تعتمد عليه أوروبا لتنويع مصادر تزوّدها بالغاز من قطر والكيان، ولا تعود تعتمد فقط على الغاز الروسي، وهذا ما تشجعه أميركا. وثانياً يدعم المشروع مطلب أنقرة الاستراتيجي بدخول النادي الأوروبي، ويخفّف اعتمادها شبه الكلي على الغاز الإيراني وهذا يحسن موقعها الإقليمي.. وثالثاً يقلّل فاتورة التدفئة الباهظة على تركيا، إذ ستدفع تل أبيب والدوحة ثمن مرور غازهما في أراضي تركيا لأوروبا.
أما لبنانيّاً، فيشير التقرير إلى أنه خلال زيارة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي قطر؛ تمت طمأنته بتبديل مقاطعة لبنان اقتصاديّاً وسياسيّاً والانفتاح الكامل، وتعهدت قطر بالتوقف عن التهديد بترحيل العمالة اللبنانية من أراضيها، وبإنشاء مشاريع تنموية لدعم الاستقرار الاقتصادي في لبنان، أو استعدادها لتقديم مساعدات مالية لميناء طرابلس كمركز احتياطي للمشروع السالف الذكر. ويكشف التقرير أن موسكو أبلغت لبنان أنها لن توافق على مشروع خطط استثمار الغاز في المتوسط إلا بعد حصولها على ضمانات غربية بعدم تغيير النظام في سورية.
على الصعيد الإيراني يكشف التقرير أن مقابل هذا المشروع القطري يوجد مشروع إيراني سوري قوامه مد أنبوب من إيران يمر عبر العراق إلى حمص، ويتفرّع منها إلى كل من اللاذقية وطرابلس.
الطاقة هدف الشرق الأوسط الكبير
في تقرير منشور في موقع الجمل للكاتب إف إنغدال بعنوان: «سورية ـ تركيا ـ (إسرائيل) وحرب الطاقة في الشرق الأوسط الكبير»، يحلّل علاقة الأزمة السورية باكتشافات الطاقة في الكيان، بأن أحد الجوانب التي لم تنل التقدير الذي تستحقه في التقييمات الجيوسياسية للشرق الأوسط، هو التصاعد الدراماتيكي لأهمية السيطرة على الغاز الطبيعي، حيث يتسارع مدى أهمية الغاز بسرعة للأسباب الآتية:
1 - أنه مصدر نظيف للطاقة، وهو الأمثل لاستبدال محطات توليد الكهرباء العاملة على الفحم والطاقة النووية في الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد القرار الألماني بالتخلص من المحطات النووية بعد كارثة «فوكوشيما».
2 - الغاز مصدر أكثر صداقةً للبيئة، والسبيل الوحيد أمام دول الاتحاد الأوروبي لتلبية شروط تخفيض انبعاث ثاني أكسيد الكربون الإجبارية بحلول 2020، وهو تحوّل كبير نحو استهلاك الغاز بدلاً من الفحم، حيث يقلل من انبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50 - 60 في المئة مقارنة بالفحم.
3 - التكلفة الاقتصادية لاستخدام الغاز بدلاً من طاقة الرياح أو أي مصدر بديل للطاقة هي أقل بكثير. و4 - يرتقي الغاز بشكل متسارع ليصبح مصدر الطاقة الرائج في الاتحاد الأوروبي كأكبر سوق ناشئ ومستهلك للغاز في العالم.
ويوضح التقرير أنه في ذروة عمليات الناتو ودول الخليج في يوليو/ تموز 2011 ضد النظام السوري، قامت حكومات سورية والعراق وإيران بتوقيع اتفاقية تاريخية للطاقة يتم بموجبها مد أنبوب، ومن المتوقع أن يكلف الخط 10 مليارات دولار ويستغرق مدّه 3 أعوام، ويبدأ من ميناء «عسلويه» الإيراني في الخليج، وينتهي في سورية مارّاً بالعراق. وتخطّط إيران مستقبلاً لمد الخط من دمشق إلى مرفأ في لبنان ليتم نقل الغاز للاتحاد الأوروبي. كما يكشف التقرير أن السبب الآخر لجهود قطر في إفشال المشروع الإيراني السوري هو اكتشاف حقل غاز جديد ضخم في منطقة «تارة» في سورية قرب الحدود اللبنانية، وأيضاً قرب القاعدة الروسية المستأجرة في طرطوس على البحر المتوسط.
أما في شأن الكيان الصهيوني فيقول التقرير ان المتوقع أن يبدأ حقل «تامار» للغاز شمال الكيان بالإنتاج أواخر 2012 في الوقت الذي أعلنت 3 شركات تنقيب صهيونية وهيوستن تكساس نوبل للطاقة تقديرات تصل إلى 16 تريليون قدم مكعب من الغاز في حقل «لفيثان»، ما يجعله أكبر حقل غاز بحري تم اكتشافه منذ عقد. وبالتالي ليس من مصلحة الكيان أن ينافسه النظام السوري والمحور المتحالف معه الإيراني والعراقي على تصدير الغاز للاتحاد الأوروبي.
أما على صعيد روسيا؛ فهي أكبر مصدر غاز للاتحاد الأوروبي، حيث بدأت شركة «غازبروم» الحكومية الروسية هذا العام بتصدير الغاز الروسي إلى شمال ألمانيا عبر أنبوب يمر من بحر البلطيق، وتخطط الشركة لزيادة نسبة التصدير لأوروبا بـ 12 في المئة، وهي تسيطر حاليّاً على 25 في المئة من إجمالي سوق الغاز الأوروبي وتسعى لزيادة حصتها إلى 30 في المئة بعد الانتهاء من الخط الشمالي.
في تقرير بعنوان «ازدياد التوتر بازدياد النفط المكتشف في فلسطين» يبدأ يتردي شيلدز بتذكيرنا بمقولة رئيسة وزراء «إسرائيل» قبل أربعين عاماً غولدا مائير، حين قالت متحسرةً: «لماذا جاء بنا موسى إلى المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي لا نفط فيه»؟، حيث بدأت الآن تباشير الاكتشافات النفطية. ويوضح التقرير أن الكيان اكتشف 1.5 مليار برميل نفط على اليابسة في منطقة «روش هاعيين» التي تبعد عشرة أميال على الشاطئ من تل أبيب، ثم تلاه اكتشاف كبير في حوض «لفيثان» الذي يحتوي على 1.7 مليار برميل من النفط، و700 مليار متر مكعب من الغاز، بحسب المسوحات الجيولوجية الأميركية (VSGS).
يقول الرئيس الأسبق لعلماء شركة «شل» الهولندية هارولد فنفر إن التقديرات تشير إلى وجود احتياطات مؤكدة في «إسرائيل» لـ 260 مليار برميل من النفط، واحتياطات تقديرية تبلغ 250 مليار برميل فقط من الصخر الزيتي، و3.2 مليارات برميل من النفط المعتاد، وهي كمية كافية لتماثل ما لدى السعودية. أضف لذلك أن 50 تريليون قدم مكعب من الغاز يعادل زهاء 10 في المئة من احتياطيات العالم كله من الغاز، كل هذا ولا تزال الأنشطة الاستكشافية الصهيونية في البداية.
إن كل هذه الاكتشافات الإسرائيلية ومنها الاكتشافات على ساحل قبرص، ويتوق لبنان إلى البدء في الاكتشافات أيضاً، تثير كل ذلك الهيجان والتنافس التقليدي بين الكيان ولبنان وبين تركيا واليونان، مع احتمال جر روسيا وسورية ومصر والفلسطينيين في غزة إلى سلسلة من الصدامات.
الكيان يتعمد إهمال روسيا، حيث قامت شركة «روز نفت» التي تتلقى دعماً من الحكومة الروسية بإجراء استشارات عن إمكانية المشاركة في تطوير حقول الغاز في المياه الإقليمية لـ «إسرائيل»، لكنها خرجت من المفاوضات بخفي حنين، وهذه الإهانة لن تمر بالنسبة إلى روسيا. كما أن تركيا حذرت حليفتها السابقة (إسرائيل) من السعي لدى الحكومة القبرصية اليونانية (الحليفة الجديدة للكيان) للحصول على ترخيص بالاستكشاف. وكما هو متوقع، استجاب الكيان بإرسال حماية عسكرية لمصالحه النفطية في البحر.
ويشخص التقرير أن المفتاح الحقيقي لفهم النزاع التركي الصهيوني يكمن في القضية القديمة بين تركيا واليونان في قبرص التي قسمتها الحرب إلى منطقتين يونانية وتركية، وذلك حين غزاها الأتراك العام 1974 واحتلوا الثلث الشمالي من الجزيرة والاكتشافات الحديثة للغاز تشجّع تركيا على تجديد حملتها الدبلوماسية باسم «القبارصة الأتراك» أو ما يُسمى «الجمهورية التركية لشمال قبرص»، والسبب يعود إلى النفط والغاز المخزون هناك. وهكذا؛ فإن تركيا ستقوم بتدشين استكشافاتها في قبرص وأكنافها، وأية ضربة كبيرة تقوم بها ستشعل الأزمة، لذلك لا ترتاح كل من تركيا والكيان إحداهما من الأخرى، ويتوقع التقرير أن الصراع الكبير التالي سيتركز بقوة في جزيرة قبرص.
لقد تصاعد التوتر حديثاً حين بدأت الحكومة القبرصية اليونانية (وهي الحكومة الشرعية المعترف بها في الأمم المتحدة) في المضي قدماً في فتح «حقل أفروديت» خارج الشاطئ الجنوبي، وهو حقل ضخم ينافس أكبر حقل صهيوني «لفيثان». والأسوأ أنه قد يكون امتداداً جيولوجيّاً لهذا الحقل، حيث يقدّر مخزون حقل أفروديت بـ 22 تريليون قدم مكعب من الغاز، بالإضافة إلى رواسب نفطية كبيرة أيضاً.
في 19 مايو/ أيار 2012، اتخذت تركيا موقفاً حاسماً عبّر عنه وزير خارجيتها حين قال: «لن تسمح تركيا بأي نشاط في هذه الحقول»، غير أن 15 شركة وتجمعاً، منها «نوفاتك» الروسية، «إيني» الإيطالية، «توتال» الفرنسية، «بتروناس» الماليزية... تسعى كلها إلى أخذ تراخيص بالحفر في حقل الأفروديت، وفي أحد عشر موقعاً في جنوب قبرص (المتحالفة مع الكيان)، ويخطط الصهاينة والقبارصة لتمرير غازهما في خط أنابيب مشترك عبر اليونان إلى أوروبا الغربية للتقليل من اعتماد أوروبا على روسيا في معظم غازها. وحيث إنه - وبناء على التقارير الفنية من الخبراء - سيكون من شبه المستحيل فنيّاً مد مثل هذه الأنابيب عن طريق البحر كونها ستكون على أعماق تزيد على 300 متر تحت سطح الماء، لذلك فالبديل الوحيد لتمريرها إلى أوروبا هو عن طريق البر، وهذا يعني لابد أن تمر عن طريق سورية.
إذن... ومن كل هذه الصراعات الخفية والتي يظهر رأس جليدها العلني من خلال الصراع العسكري والسياسي، تتجلى في أن النفط والغاز الطبيعي هما الأساس، وأن نجاح كل المخططات يبدأ من مدينة حمص السورية! وهذا لا يمنع أن للصراعات الإقليمية السياسية وصراع النفوذ والصراع الإيراني الأميركي وغيرها، دوراً كبيراً في الأزمة السورية، إلا أن الأسباب الاقتصادية دائماً لها الدور الأساس في الصراع العسكري والسياسي، فالسياسة ما هي إلا الشكل المكثف للاقتصاد.
عبدالله جناحي
صحيفة الوسط البحرينية – العددين العدد 3775 و 3778 - يناير 2013