لإطفاء الحريق السوري
أمجد عرار أمجد عرار

لإطفاء الحريق السوري

ما أعلنته مجموعة الأبحاث الدولية أخيراً عن توجّه ما بين 3300 مقاتل و11 ألف مقاتل من أكثر من 70 دولة إلى سوريا للقتال هناك، مؤشّر على الحالة التي وصلت إليها الأوضاع، ليس في سوريا فحسب، إنما الحالة العربية بشكل عام، ذلك أن بذور المستقبل تنمو في رحم الحاضر، ولا أحد بإمكانه التكهّن بطبيعة الولادة القادمة حين يكبر الجنين .

 أن تتحوّل دولة إلى ميدان قتال متعدد الجنسيات إلى هذا الحد، يعني أن حكماً قد صدر بإعدام بلد ومصادرة مستقبله، وإن الكلام عن حرية وديمقراطية يغدو في أحسن الأحوال رومانسية حالمة في عرف التوصيفات البريئة، وغطاءً لتدمير بلد عربي بالكامل، في عرف التحليل السياسي .

المشهد الصراعي الذي يشتبك فيه آلاف المقاتلين متعددي الجنسيات، مع مئات الآلاف من الجنود والقوى المتحالفة معهم، يعني وضع شعب كامل بين الرماح المتقاطعة، ويعني إلقاء ملايين الناس خارج الحدود ليموت من ينجو من القتال، برداً أو جوعاً أو تصفية بيد الإجرام، ويعني أن أطفالاً ينتزعون من أحضان التربية والتعليم، أو من أحضان أسرهم إلى القبور مع كل منخفض جوي، وبين هذا وذاك عشرات المصائر التي يجب أن يندى لها جبين الإنسانية.

فلنقرأ التاريخ كله، لن نجد مشهداً كهذا لا في الأزمنة الغابرة ولا في أي زمن تبعها . لم تكن ثورة أبداً بهذه المشهدية الكارثية، ولم تقم دولة في العصور الحجرية على أكف الفوضى العارمة والأفعال الخارجة عن أية رقابة أو محاسبة أو ضبط، وفي غياب مطلق لأية هيئة قيادة مركزية . عشرات الآلاف قتلوا ومئات الآلاف جرحوا والملايين شرّدوا، ولم يحاسب أحد من النظام ولا من عشرات الجبهات التي تحاربه، ولا من أية جهة تموّل وتغذي الموت العبثي في هذا البلد . 

الأوطان تحرّرها سواعد أبنائها إذا غزاها غازٍ أو استبد بها غاشم، يصلحها شعبها بإرادته الحرة وبقيادات ووسائل تفرزها الظروف المحلية . شتان بين الثورة والفوضى، بين القتال والقتل، بين بندقية الثائر وبندقية الانتقام، بين البناء والهدم، بين هكذا ديمقراطية وحرية وتغيير شكل الظلم وأدواته . من حق الشعوب أن تنتفض وتثور لكرامتها، لكن ليس من حق أحد أن يعمل لاستبدال دكتاتورية النظام ب "ديمقراطية" الفوضى، أو أن يخرّب بلداً عمره آلاف السنين باسم إصلاحه، وأن يستبدل الظلم بالظلام، والقمع بالموت، والبيت المتصدّع بركام بيت .

 مضى وقت طويل على عبارة "آن الأوان"، لكن ما زال في الوقت بعض المتسع لتدارك ما بقي من رمق، وإنقاذ ما سلم من فتك الأطراف جميعاً . من مقتضيات الشجاعة ومقومات الضمير وبقايا الحس العربي والإنساني، أن يهب كل غيور على مستقبل الأمة كلها وأن يقف وقفة مسؤولة إزاء ما يجري في هذا البلد . وما دام في الأفق السياسي لا تلوح سوى مبادرة "جنيف2"، فلتتكاتف الجهود لعقده ودفع الجميع للمشاركة فيه، ورعاية حوار سوري - سوري فوري يبدأ بوقف فوري للنار، وصولاً إلى حل سياسي يحمي أرواح السوريين ويحفظ وحدة سوريا أرضاً وشعباً، ويتيح لأبنائها صياغة نظامهم السياسي بحرية وكرامة وبالاختيار الحر، قبل انتشار حريق مجهول، المدى والحدود .