العمل المعارض... معاييره وفعاليته!
ظهرت على ساحة الصراع السورية منذ انفجار الأزمة وحتى الآن أشكال ونماذج مختلفة من المعارضات، ولفهم الفوارق الأساسية بين هذه المعارضات، لا بد من معرفة الأسس والمنطلقات التي تبني عليها الشخصيات والقوى السياسية موقفها المعارض، وما المواقف التي تترتب عن ذلك بشأن حل الأزمة السورية.
المعارضة والإعلام..
دأبت وسائل الإعلام المختلفة - والممثلة بطبيعة الحال لسياسات محددة، سواء لصالح النظام أم المعارضة- على إظهار نموذج للشخص المعارض، فحصرته وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية تارة بصورة المسلح الملتحي الذي يشهر سلاحه بوجه الدولة السورية ويقوم بأعمال التخريب مدعوماً من تركيا ودول الخليج، وتارة أخرى بصورة المعارض الذي يقرّ بوجود «بعض الأخطاء» التي قام بها النظام السوري، والتي لا زال بوسعنا - حسب وجهة النظر هذه- أن «نحلها حبية» عبر حوارٍ داخلي، وأن نتجاهل تدويل الأزمة السورية.
على المقلب الآخر، وعلى شاشات الإعلام «المعارض»، لا يمكنك أن تكون معارضاً إلا إذا انهلت بسيل من الشتائم – البعيدة عن منطق العمل السياسي أصلاً- على النظام السوري، ولا يمكنك أن تكون معارضاً إلا إذا طالبت برحيل الرئيس السوري كشرط مسبق لبدء المفاوضات، وأتبعت ذلك بسيل من الشتائم على الدور الروسي في سورية الذي منع انهيار جهاز الدولة في عام 2015.
على أي أساس يبني أولئك معارضتهم؟ فهل المطلوب من أن تكون معارضاً هو أن تكون معارضاً فحسب؟ وأن ترفض كل ما يحصل، وأن تضع العصي في العجلات متمتعاً بلقب «الثوريّ» الذي تحصده من وراء ذلك؟ هذا اللقب الذي يجري تشويهه والتنكيل به على نحوٍ حثيث. وهل الواجب الثوري في سورية يعني حقاً السّباب والشتائم والاستمرار في التباكي على دماء السوريين والإصرار على مطلب «الإسقاط» بعد محاولات شتى فاشلة لتنفيذه؟
ومن جهة أخرى، عندما نقف أمام تقييمٍ جديّ لطروحات الأغلبية العظمى من قوى المعارضة الطافية على سطح الأزمة السورية، نجد أنها – ومن حيث البرامج السياسية- لا تختلف بالكثير عن النظام السوري وسياساته الاقتصادية الاجتماعية، فكلاهما مؤيدٌ للسياسات الليبرالية ولإفقار الشريحة الواسعة من الشعب السوري تبعاً لذلك، فإلى أي مدى نستطيع اعتبار هذه المعارضة معارضة؟ مهما زاودت على غيرها بالكلام حول «صلابة» موقفها، و«رخاوة» المواقف المغايرة!
لماذا نحن معارضون؟
تكمن المغالطات الكبرى في توصيف المعارضة السورية، في حصرها بإحدى هذين الشكلين ، بمحاولة مقصودة لتغييب أطراف معارضة جدية، تستند في موقفها إلى واقع اقتصادي اجتماعي عانى ويعاني منه السوريون منذ اللحظة الأولى لتبني السياسات الاقتصادية الليبرالية، وما نتج عنها من معدلات نمو حقيقي منخفضة وارتفاع في نسب الفقر والبطالة، وما رافق ذلك من قمع للحريات السياسية.
هذه المحاولات التي تبوء بالفشل يوماً بعد يوم، ما زالت تحاول جاهدة التقاط أنفاسها الأخيرة عبر تهجمات ساذجة وشخصنة تهدف بالعمق إلى تصويب السهام نحو ما تتبناه هذه القوى الجدية وتحمله من برامج وطنية تتعارض مع مصلحة المتشددين والراغبين باستمرار نزيف الدم السوري سواء في المعارضة أم في النظام.
حقيقة فشل هذه المحاولات باتت تؤكدها الوقائع الجارية، ففي الوقت الذي كانت فيه أطراف الصراع تتنازع بين «حسم» و«إسقاط»، كانت هذه القوى الجدية تناشد بحوار سلمي يمكننا عبره تقليص الوقت وتوفير المزيد من الدم السوري. واليوم وبعد مرور سبعة أعوام، أثبت الواقع أنه لا حل للأزمة السورية سوى الحل السياسي والقرار الدولي 2254، وأن جميع القوى التي كانت تتشدق بأنه «لا حوار مع القاتل» أو «لا حوار مع الإرهاب» ذهبت إلى الحل السياسي – صاغرة- سواء كانت مضطرة أم راغبة.
ألا تشكّل هذه الحقائق رصيداً إضافياً يصب في مصلحة أصحاب هذا الطرح الوطني منذ البداية؟ وهل يظن المتشددون أن الشعب السوري ينسى و«يعفو عما مضى»؟ فهذه الطروحات وإن لم تتماشى مع مزاج الناس آنذاك إلا أنها كانت تتطابق مع مصلحتها، وهذا رصيد إضافي أيضاً يكشف جدية هذه القوة من تلك.
حال المعارضة اليوم... وغداً
إن ورقة عباد الشمس اليوم تكمن في الموقف الجدي والفعلي من التغيير الديمقراطي الجذري والشامل والذي يُعدّ تطبيق القرار 2254 أحد أهم حوامله، هذه الورقة العابرة للانتماءات السياسية بين موال ومعارض، والمحددِّة بشكل أساسي للمواقف الوطنية التي تسعى جاهدةً إلى تثمير كل التقدمات التي حصلت وأدّت إلى نضوج الحل.
فالفرز الحقيقي اليوم بين الجميع «موالاة ومعارضة» هو على أساس «وطني- غير وطني»، بناءً على مدى الجدية في المضي قدماً في مسار الحل، دون السماح بالتعطيل أو التلويح به، سواء كان شكله شروط مسبقة أو عرقلة تشكيل الوفد الواحد للمعارضة أو غير ذلك...
أمّا مصير هذه القوة السياسية أو تلك فسيحدده الشعب السوري بنفسه، بناءً على البرامج السياسية التي تحملها، ومدى تطابق هذه البرامج مع مصلحته، ومدى تعارض هذه البرامج مع مسببات الأزمة، «فلا يمكننا حل مشكلة ما باستخدام نفس العقلية التي أنشأتها سابقاً»، وهذا يتطلب من كافة القوى السورية الوطنية الجادّة العمل جاهدة من أجل إيصال برامجها إلى الناس، حتى يغدو الصراع صراعاً حول البرامج السياسية، لا صراعاً بالدم والرصاص والحرب.