ترامب يحتمي بـ«مطارالشعيرات»

ترامب يحتمي بـ«مطارالشعيرات»

بشكل غير مألوف، وببرنامج انتخابي عنوانه العريض «الانكفاء إلى الداخل، والتفاهم مع روسيا» صعد نجم مرشح الانتخابات الأمريكية دونالد ترامب، وأصبح مرشحاً عن الحزب الجمهوري بعد أن أطاح بمنافسيه من الحزب. استنفرت الماكينة الإعلامية التقليدية، ونشرت بشكل متواتر استطلاعات رأي عن استحالة نجاح ترامب، ولكن ترامب نجح!

 

إذاً... (لا بد أنه كان هنالك تزوير في فرز الأصوات وذلك بتأثير الهكر الروسي الذي يشرف عليه بوتين شخصياً، ولذلك تنبغي إعادة الفرز)!

الـ CIA أرسلت إشارات تؤيد ما ذهبت إليه الآلة الدعائية، وحين رد عليها ترامب قامت مظاهرات عارمة تدعو لإسقاط الرئيس الجديد.

بدأ ترامب بتشكيل إدارته، وتم ترويج معلومات عن بعضهم على أنهم عملاء روسيا؛ حتى وزير خارجيته كان قد حصل على وسام من بوتين؟! 

يتراجع ترامب ويقيل مستشاره الأمني، وأحد أكثر المقربين منه في الإدارة الجديدة، يخيم الصمت على الإدارة الأمريكية: نادراً ما يصرح مسؤول أمريكي، يحضر ممثلو الإدارة أستانا وجنيف على طريقة رفع العتب وفي إطار الحضور البروتوكولي فقط، يصاب أتباع واشنطن بالدوار السياسي، تتهافت التحليلات، يلتم «المتعوس على خايب الرجا»... يفجر ترامب قنبلة سياسية: ويصرح مع العديد من أركان إدارته بأن أولوية الولايات المتحدة في سورية هي محاربة داعش، ويؤكد أن الحل السياسي هو الحل الوحيد، وأولئك الذين يعيشون مرارة انتظار خيارات الإدارة الجديدة في سورية، تمتقع وجوههم... أيتام أمريكا، الصغار والكبار، الدول منهم والأحزاب والشخصيات.

بعد 24 ساعة تقع حادثة خان شيخون. تعلن وسائل الإعلام الغربية حالة الطوارئ وتستنهض نخوة «الأنسنة»، وبعدها بـ 24 ساعة يصدر ترامب قراراً بقصف مطار الشعيرات. 

ما نريد قوله هنا، إن القصف الإعلامي لم يتوقف على الإدارة الجديدة، وخيارها الاستراتيجي «الانكفاء إلى الداخل» منذ الانتخابات التحضيرية الأمريكية، وحتى تاريخه... وبات واضحاً بأن القوى التي تنظم الحملة، وتقودها، تمسك بالكثير من الخيوط في دوائر النفوذ وصنع القرار الأمريكي، وبالدرجة الأولى، المجمع الصناعي العسكري وأذرعه الإعلامية والاستخباراتية، وتستخدم كل أساليب الضغط بالضد من خيار «الانكفاء إلى الداخل»، بحكم طبيعتها الطبقية، حيث إن المصدر الأساسي لنفوذ هذه الشريحة، يكمن في التمدد والتوسع الاستعماري بشكليه القديم والحديث.

ذكرنا في مقال سابق، بأن تطور الوضع الدولي وسرعة تغيره، يتوقف على عاملين اثنين، الأول منهما: عامل أساسي، يكمن في التوازن الدولي الجديد الذي يتجلى في صعود الدور الروسي الصيني، والثاني، عامل ثانوي، وهو، توازن القوى داخل الإدارة الأمريكية نفسها: بين تيار الانكفاء، وتيار المزيد من التمدد والتوسع، والاستفراد بالهيمنة.

واذا كان العامل الأول قد بات خياراً ثابتاً وواضحاً، ويستكمل عناصر إنجازه النهائي بشكل يومي، فإن العامل الثاني، وإن كان هو الآخر خياراً ثابتاً بدلالة نجاح أصحاب برنامج «الانكفاء إلى الداخل»، في الانتخابات الامريكية، إلا أنه ما زال في طور التبلور، وتتوقف سرعة إنجازه على سرعة حسم الصراع داخل الإدارة.

إنّ أكثر اللحظات شراً وخطراً على تطور الوضع الدولي، هي عندما يرتفع صوت تيار الحرب، ويتطابق  مؤقتاً مع خيار الانكفاء إلى الداخل، وهو ما حدث. وسيحدث أيضاً، وبشكل محدد، عندما تشعر النخبة الرأسمالية الأمريكية كلها، بأنها على وشك السقوط في هاوية ما، كما هو حال الولايات المتحدة المتراجعة منذ ما يقارب العقد، والمشلولة منذ نجاح ترامب بحكم تفاقم الصراع الداخلي. بعبارة أخرى، إن توافق القوى المعبرة عن استراتيجية «الانكفاء إلى الداخل» والتي تمارس قيادتها تحت حملة ضغط إعلامي غير مسبوق، مع خيارات بقايا قوى الحرب، يعتبر هروباً إلى الأمام من جانب الإدارة الجديدة، كما حدث في القصف الصاروخي على مطار الشعيرات، ويهدف إلى أمرين:

- امتصاص ضغط قوى الحرب، وتأريض نفوذها الكبير، لتأمين الأجواء المناسبة لاستكمال تنفيذ البرنامج الضروري موضوعياً بحكم التراجع.

- ويعبر بشكل ما، عن قلق النخبة الأمريكية كلها، من التراجع وفقدان المزيد من المواقع.

من أكثر ما يقض مضاجع قوى الحرب في الإدارة الأمريكية، في موضوع تصاعد الدور الروسي، هو الحكمة الروسية، وقدرة روسيا على امتصاص حالة الهيستيريا التي تعيشها قوى الحرب من جراء ذلك، وتمكنّها من تأريض واحتواء كل محاولات الاستفزاز والاستدراج الغربية عموماً، والأمريكية خصوصاً، إلى ميدان المواجهة، ومن الواضح أن هذه الحكمة ليست مجرد تمايز أخلاقي عن الغرب الإمبريالي، بل هي قبل ذلك، وبالإضافة اليه، جزء من معركة فرز القوى داخل المراكز الإمبريالية نفسها. بمعنى آخر، إن التوازن الدولي الجديد يلعب دوراً مركباً، فهو يلجم الاستفراد الأمريكي بالقرار الدولي من جهة، ومن جهة أخرى يسرّع عملية الفرز داخل المركز الإمبريالي الغربي نفسه.

 

آخر تعديل على الإثنين, 10 نيسان/أبريل 2017 15:14