كركوك: من قانون بريمر.. إلى صاعق تفجير
عاد الحديث مجدداً خلال الأيام الماضية، حول مصير مدينة كركوك العراقية، وعائديتها الإدارية، ما بين الحكومة المركزية العراقية، أو حكومة إقليم كردستان، الأمر الذي يعني إحياء الخلاف حول إشكالية مزمنة من الإشكاليات في الدولة العراقية الحديثة، طالما كانت مكان تجاذب وخلاف وصراع بين القوى الكردية، وبين الحكومة المركزية في مراحل تاريخية عديدة..
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003، لم يحسم موضوع كركوك رغم توافق الأمر الواقع الذي فرضته الإدارة الأمريكية بين قوى المعارضة العراقية، تحت عنوان عريض «إسقاط النظام» عبر التدخل العسكري المباشر.. ورغم انخراط أغلب القوى العراقية في المشروع حينه، والعلاقات الحميمة للجميع مع المحتل الامريكي. إلا أن الخلافات بينها حول العديد من القضايا ومنها قضية كركوك.. لم تكن محسومةً، التي سرعان ما برزت على السطح مع انهيار الدولة العراقية،
وأصبح مصير كركوك، والعديد من المناطق «المتنازع عليها» شرط بعض القوى الكردية للمشاركة في العملية السياسية، بعد احتلال العراق وانهيار الدولة العراقية, وكذلك المشاركة في إعادة بنائها من خلال المشاركة في كتابة الدستور والتصويت عليه، وعليه أدرجت المادة 58 ممّا سمي بـ«قانون المرحلة الانتقالية» التي جرى إقرارها في الدستور الدائم تحت عنوان المادة 140 شرط تنفيذها خلال سنتين وبثلاثة مراحل.
وكالعادة في ظل هيمنة النفوذ الأمريكي، لم يحسم الموضوع، وبقي معلقاً كأحد الاحتياطات، وأدوات التفجير اللاحقة أمريكياً.. وإلّا، ما السر في أن تبقى كركوك المدينة الوحيدة في العراق الخاضعة لقانون بريمير حتى تاريخه، وبقائها ميدان تجاذب عراقي، وإقليمي حتى الآن؟
ومع تمدد داعش المريب، في العديد من المناطق العراقية، والانهيار الملتبس للجيش العراقي أمامها، وإعادة التموضع التي حدثت للقوى العسكرية العراقية، وبغض النظر عن الدخول في الجدل حول عائدية كركوك، والظروف التاريخية التي مرت بها هذه المدينة، كأي خط تماس، إلا أن ما يمكن تأكيده في هذا المجال هما أمران أساسيان:
- إن الخرائط التي فرضها الغرب الاستعماري على بلدان وشعوب المنطقة بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، هي خرائط ملغومة، حملت من جملة ما حملت، إمكانية التفجير اللاحق، واستخدامها كأداة للصراع القومي أو الديني، أو أي شكل آخر من الصراعات المشوهة.
- إن اللجوء إلى القوة، أو فرض حلول من طرف واحد في حسم صراعات من هذا النوع، يؤدي إلى إنهاك القوى كلها، ويضر بمصالح الجميع، ويؤدي بالضرورة إلى دوّامة أزمات لا تنتهي، ويخضع القوى جميعها لابتزاز القوى الإقليمية والدولية.
وعليه، فإن الشرط الأول لحل حقيقي للخلاف حول كركوك، وغيرها من القضايا في العراق، يمر حتماً عبر الحوار بين القوى العراقية، بعيداً عن أوهام الاستقواء بالأمريكي، وإشاراته التوريطية، والنفخ في العصبيات القومية أو الطائفية، وبما يضمن حقوق جميع العراقيين عرباً وكرداً وأقليات قوميةً.. لاسيما وإن التجربة العراقية نفسها، تؤكد بأنه لا يمكن حل أية قضية حلاً حقيقياً، في ظل الهيمنة الأمريكية القائمة أصلاً على الـ«لاحل»، ولا يمكن حل أية قضية في ظل الانتقاص من حقوق أية جهة عراقية.
ومما يعزز هذه القناعة، ويوفر الأساس لنجاح حل وطني ديمقراطي عراقي، هو حالة التآلف الشعبي في هذه المدينة، رغم المحاولات المحمومة لتفجير الوضع، فكما تشير المصادر العراقية: يعيش في كركوك اليوم ما يقارب 600 الف نازح عراقي من مختلف المحافظات العراقية المختلفة، وحالة العيش المشترك بين العراقيين، رغم المحاولات العديدة لتفجير الوضع فيها، بالإضافة إلى صعود دور قوى دولية جديدة، تعمل وتساعد على حل الملفات الساخنة وبؤر التوتر عبر التفاوض والحوار.