في يوم الأرض: لنعد قراءة المشهد

في يوم الأرض: لنعد قراءة المشهد

يحمل ربط اسم المناسبة (يوم الأرض) بكلمة «ذكرى» شيئاً من الإجحاف بحق الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، في الداخل المحتل وفي دول العالم. هؤلاء الذين يرفضون، يومياً، تحويل الكفاح الفلسطيني المتواصل إلى احتفالات و«ذكريات» تختزل القضية بـ«فلوكلور» كان قد حدث في وقتٍ ما..

أكدت انتفاضة يوم الأرض في 30/3/1976 (أي في أوج ما درج على تسميته بزمن الهزيمة)، حيث هبت الجماهير الفلسطينية في الجليل والنقب ومناطق الاحتلال 1948 وشاركتها الجماهير الفلسطينية في باقي الأراضي المحتلة عام 1967 والشتات ضد عملية وسياسة المصادرة للأراضي التي يقوم بها الكيان الصهيوني، أكدت تلك الانتفاضة على بطلان وزيف الأسطورة الصهيونية التي روجوا لها لاحتلال فلسطين «أرض بلا شعب, لشعب بلا أرض».

واليوم، إن كان من حقٍ لأولئك القابضين على الجمر في الضفة والقدس وغزة والمناطق المحتلة عام 1948 علينا، فإنه، في الدرجة الأولى، حقهم علينا بإعادة قراءة حركة قضيتهم- التي هي قضية كل أحرار العالم- وتفاعلاتها في زمن تتغير فيه الموازين الدولية، وتنفتح تبعاً لذلك مسارات جديدة تسمح بحل القضايا العالقة منذ سيطرة النهب الإمبريالي الغربي على العالم لمصلحة الشعوب أولاً:

·        بعد الحرب العالمية الثانية، استكملت الولايات المتحدة- بوصفها الإمبريالية حديثة النشأة في ذلك الحين- ما بدأه البريطانيون في بدايات القرن العشرين من دعم منقطع النظير للكيان الصهيوني، وتطوير دوره الوظيفي في المنطقة، كقاعدة متقدمة للإمبريالية.

·        أفضى هذا الدعم إلى إنتاج تفوق ما لهذا الجسم الغريب على حساب دول المنطقة، ابتداءً من الجانب العسكري التقليدي، وصولاً إلى تطوير القدرات النووية. وهو التطور ذاته الذي طرح السؤال الساذج والسطحي حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ومن يحكم من في نهاية المطاف.

·        اليوم، تحتاج الولايات المتحدة، وهي في طور تراجعها الواضح، إلى إعادة ترتيب عدد كبير من التفاصيل الحاكمة لعلاقتها مع حلفائها وأدواتها. في المقابل، يتحسس الكيان الصهيوني المؤشرات الكبرى على انخفاض مستوى التحكم الأمريكي في ملفات العالم: من الاتفاق النووي الإيراني، إلى سير حل الأزمة السورية، بالتزامن مع تطورات الحراك الشعبي في فلسطين المحتلة، مروراً بخلع «الإخوان المسلمين» في مصر على مرأى من الولايات المتحدة.

·        من جهته، يرى كيان الاحتلال أن الحقائق المذكورة آنفاً تشكل محددات ذات وزن عال في رسم مستقبل المنطقة لغير مصلحته. لكن، وعلى الرغم من حالات الاعتراض التي عبر عنها في أكثر من مناسبة وبأكثر من طريقة، إلا أن كيان العدو لا يزال الأشد تناغماً مع سياسات واشنطن الحريصة، حتى الآن، على «تطمين» الكيان بصفقات هنا وهناك يجري إبرامها في لحظات «التنازل» الأمريكي.

·        سمح ريع القوة الأمريكية حتى غزو العراق للولايات المتحدة بتحمل أعباء الكيان الصهيوني وخساراته اللاحقة في جنوب لبنان وقطاع غزة، كون الإدارة الأمريكية «كسبت» في أماكن أخرى بعقلية «شرطي الكوكب». لكن الانكفاء التدريجي للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة, يدفع الأمريكيين إلى إعادة الحسابات في جدوى دعمهم الواسع للكيان الصهيوني، دون قدرة الأخير على تقديم الدرجة الكافية من التثمير التي ترضي التيار الفاشي في الإدارة الأمريكية.

 

تسمح العوامل المذكورة بالوصول إلى استنتاج مفاده أن التناقض بين الولايات المتحدة التي تتراجع على المستوى العالمي، وبين الكيان الصهيوني الذي يستمد وجوده من لحظات تقدم الإمبريالية الأمريكية، من الممكن أن يصل في المرحلة المقبلة إلى حدوده القصوى. ذلك ما يدفع إلى الاعتقاد الراسخ بأن منطق المرحلة الجديدة التي تمر فيها البشرية لا يسمح بالبحث عن سبل مقاومة العدو الصهيوني فحسب، بل بالبحث في إمكانية استمراره ككيان صهيوني أصلاً..!

آخر تعديل على الخميس, 31 آذار/مارس 2016 22:46