دلالات يوم الأرض
أربعون عاماً مرت على هبة يوم الأرض المجيدة.لم تكن تلك الأيام المتوهجة:غضباً ودماءً، معزولة عن التاريخ البطولي الباسل الذي يسطره أبناء وبنات الجزء المحتل منذ عام 1948 من الوطن الفلسطيني
الذي يتعرض شعبه العربي لعمليات إبادة: تارة بالرصاص وتارة أخرى بالتهجير وبالقمع تحت أنظمة الحكم العسكري،ومن ثم بالقوانين العنصرية التي تبدأ بمصادرة الأراضي ولاتنتهي بتكميم الأفواه وفرض مناهج وخطط تهدف لإلغاء حق الأقلية العربية الفلسطينية بالحياة الكريمة.
في ظل تلك الإبادة المتدحرجة، فإن العرب الذين كانوا يمتلكون ما نسبته 97% من أرض وطنهم حين الإعلان عن إقامة كيان الغزاة المستعمرين، أصبحوا لا يملكون اليوم أكثر من 3,5% منها، من ضمنها 2,5% ضمن نفوذ المجالس العربية المحلية، و1% يخضع لنفوذ المجالس الإقليمية اليهودية، ولهذا فإن 1,5 % فقط، هي احتياطي الأرض الوحيد للعرب.
جاء الإعلان عن مشروع "تطوير الجليل"والترجمة الحقيقة الواقعية على الأرض: تهويده وليس تطويره من أجل تحقيق سيطرة ديموغرافية يهودية عليه،بالرغم من أن غالبية مواطنيه (70 بالمئة) هم من العرب، حيث حاولت حكومة العدو مصادرة حوالي 21 ألف دونم من الأراضي التابعة للبلدات والقرى العربية (عرابة البطوف، سخنين، ديرحنا وعرب السواعد وغيرها)، منهم أكثر من 6 آلاف دونم من الأراضي العربية، وأكثر من 8 آلاف دونم من “أرض الدولة” التي هي أصلاً منتزعة من الفلاحين العرب، بينما كان حصة الأراضي اليهودية حوالي 4 آلاف دونم فقط في منطقة صفد، أي أن المصادرة استهدفت الأراضي العربية في الأساس.
كان الإعلان،الصاعق المفجر لبركان الغضب الفلسطيني.نزلت الجماهير لساحات وشوارع المدن والبلدات والقرى العربية بعشرات الآلاف الذين اشتبكوا مع قوات القمع الإستعمارية الصهيونية، مما أدى لسقوط ستة شهداء ومئات الجرحى. لقد أضاءت دماء الشهداء من أبناء وبنات الشعب (رجا أبو ريا، خضر خلايلة، خديجة شواهنة وجميعهم من “سخنين” و خير أحمد حسن من “عرابة البطوف”، و محسن طه من”كفر كنا”، ورأفت على زهيري من قرية “نور شمس” الذي استشهد في بلدة “طيبة المثلث”) درب الكفاح الوطني، ورسخت الأساس الذي بدأت تبنى عليه وتنطلق منه، قوى سياسية عربية جديدة.
إن العقود الأربعة التي انقضت على هبة يوم الأرض في الثلاثين من آذار/مارس 1947، أكدت أن مساراً جديداً بدأ يتجذر في الوطن الفلسطيني، وهو ماعبرت عنه التحركات الشعبية الواسعة في أكثر من مناسبة وطنية، ومجزرة جديدة يرتكبها جيش الغزاة بحق الشعب الفلسطيني المتواجد على تراب وطنه. وبهذا الخصوص، جاءت هبة أكتوبر/ تشرين الأول عام 2000 التي جاءت تضامنا وتشاركاً بالدماء والشهداء،مع انتفاضة أبناء وبنات الشعب في الجزء المحتل عام 1967، الذي يواجه عدواناً وحشياً واجتياحاً دموياً بقيادة مجرم الحرب "شارون"، لتؤكد على وحدة الشعب في مواجهة مستعمره. كما برزت تلك التحركات الوطنية والمطلبية عند محاولة إقرار قانون "برافر" الذي يشرعن! مصادرة مئات الآلاف من الدونمات في النقب المحتل.
كما أن التحركات في مدن وبلدات الجزء المحتل عام 1948 خلال الأشهر الستة الفائتة من عمر الهبة الشعبية الفلسطينية الراهنة، والتي فجرتها "انتفاضة الشباب" في القدس، تشير إلى تجذر ثقافة ثورية في أوساط الجيل العربي الجديد، وإلى دور لمحركات فاعلة وناشطة في الوسط العربي. والعمليات البطولية الفردية للشهيدين "نشأت ملحم ومهند العقبي" إشارات على ذلك.
اليوم، والشعب العربي الفلسطيني، داخل الوطن وخارجه، يحيي هذه المناسبة الكفاحية في ذكراها الأربعين، إنما يؤكد على أن الصراع مع الغزاة المحتلين لم ولن يتوقف، وأن ثقافة المقاومة بكافة أشكالها، وفي المقدمة منها "الكفاح المسلح" هي التي تعيد الحقوق الوطنية لأصحابها. لقد أسقطت تضحيات هذا الشعب، كل رهان بائس، ومهين لدعاته وأصحابه، على الإذعان لشروط المحتل، من خلال عملية "المفاوضات"، وألقت إلى مزابل التاريخ كل الكلام اللزج والكريه والمشبوه عن الإعتراف المتبادل، وتبادل الأراضي، ))الأسرلة(( و..