الاحتلال يستولي على 90% من مصادرها... أرقامٌ عن المياه من الضفّة وغزّة: نعيد حالياً بناء الخزّان
بات مستوى عدم التكافؤ بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين في المشاركة بالأحواض المائية الجبلية في الضفّة الغربية بالغ الوضوح. فمتوسط نصيب الفرد من استخدام المياه بالنسبة إلى المستوطنين في الضفة أعلى بنحو سبع مرات عن مثيله بالنسبة إلى الفلسطينيين، بحسب آخر بيان مشترك صادر عن "جهاز الإحصاء" و "سلطة المياه الفلسطينية".
وفي هذا السياق، أكد رئيس سلطة المياه مازن غنيم لـ "السفير" أن "إسرائيل تسيطر على نسبة 90 في المئة من المصادر المائية بشكل كامل".
وشرح غنيم أن كميات المياه التي يتم شراؤها من دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تزد منذ العام 1995، ما يفترض أن كميات الاستهلاك بقيت هي ذاتها منذ 20 عاماً.. ما لا يناسب النمو في المجتمع الفلسطيني وازدياد حجم السكن والزراعة والصناعة.
ووفقاً لـ غنيم، فإن اجتماعات اللجنة الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة المختصة بالمياه توقفت منذ أربعة أعوام، علماً أنها كانت قد تشكّلت تبعاً لاتفاق أوسلو. ولذلك، لم يتم توقيع اتفاق ثنائي بين الطرفين حتى الآن. وقال: "الضفة الغربية تحتاج سنوياً إلى 100 مليون متر مكعب للشرب يتم شراء نصفها تقريباً من دولة الاحتلال".
ووصف غنيم الوضع في قطاع غزة بــ "الكارثي"، إذ "وافقت سلطة الاحتلال على ضخّ خمسة ملايين متر مكعب لغزة، اتفق عليها منذ العام 2011، إلا أن الجانب الإسرائيلي ظل يماطل. وبعدما تم إنشاء الخطوط وخزان المنطار، قامت قوات الاحتلال في العام 2014 بتدمير الخزان، ولم يتم ضخ المياه حتى اللحظة".. ويكمل: "نعيد حالياً بناء الخزان".
"أنا مواطن بدي إشرب ميّ"
في الضفة، يحكي غنيم عن مشكلة بالنسبة إلى مجموعة من القرى الفلسطينية تعاني من نقص المياه، بسبب أن "الخط الذي تأخذ منه المياه يذهب بمعظمه للمستوطنات، كخط شركة "مكروت" قرب بلدة النبي صالح. الأولوية دائمًا للمستوطنات، ويضخ ما يتبقى للفلسطينيين".
ولتوضيح صعوبة ما تعانيه الأسر الفلسطينية على مستوى شحّ المياه في قرية النبي صالح الواقعة غرب رام الله، يشرح المواطن أحمد عواد لـ السفير" ما يسمّيه بـ "المضحك المبكي". يقول: "لقد طلبت مني زوجتي أن تكون هديتها لهذا العام بمناسبة يوم المرأة العالمي خزان مياه جديداً للاستعمال المنزلي! أنا مواطن بدي إشرب ميّ، منذ خمسة أسابيع ونحن ننتظر أن يأتي دورنا في المياه".
وفي ما يتعلق بنوعية المياه، فقد أفاد البيان بأن نصف الأسر في فلسطين يعتبر أن مياه الشرب التي تصل الى بيوتهم غير جيدة. وتسجّل النسبة الكبرى من عدم الرضا في قطاع غزة، ويعزى ذلك إلى ارتفاع نسبة الملوحة في المياه بسبب تسرّب مياه البحر إلى الخزّان الجوفي نتيجة الضخّ الجائر، ناهيك عن مشكلة تسرّب المياه العادمة إلى المياه الجوفية.
ويضيف الخبير في "مجموعة الهيدرولوجيين" الدكتور عبد الرحمن التميمي: "إسرائيل حدّدت الاستهلاك الفلسطيني للمياه من خلال العديد من الإجراءات، إذ وضعت سقفاً لكمية المياه المستخرجة من الآبار الفلسطينية بحيث لا تزيد عن 100 متر مكعب في الساعة. ومنعت الفلسطينيين من حفر آبار جديدة بعد مصادرتها للآبار القديمة والأراضي التي بنت عليها المستوطنات. وفي حالة الموافقة على حفر آبار للفلسطينيين فإنها تلزمهم بأن لا يزيد عمقها عن 140 متراً، وتُحرم إسرائيل الفلسطينيين من استخدام مياه نهر الأردن، كما تعرقل إمدادات المياه إلى البلديات الفلسطينية".
التناقص في غزّة
إن الاستهلاك الإسرائيلي المفرِط للمياه الفلسطينية أدّى إلى تعرّضها لتناقصٍ حادٍ واختلالٍ بين كمية التغذية للخزان الجوفي السنوية والاستعمال اليومي. فتؤكد أرقام "سلطة المياه الفلسطينية" أن مياه المخزون الجوفي في قطاع غزة تناقصت إلى 800 مليون متر مكعب، بعدما كان المخزون يبلغ 1200 مليون متر مكعب في العام 1975. حلّ هذا التناقص بسبب انعدام التوازن المائي، وزيادة كمية المياه المُضَخّة من الخزان الجوفي إلى 130 مليون متر مكعب، في مقابل 80 مليوناً هي كمية مياه التغذية السنوية. ويبلغ معدل التناقص السنوي نسبة 2,5 في المئة.
وقدرت "سلطة المياه" كمية الاستهلاك المنزلي والصناعي في غزّة بـ 47 مليون متر مكعب سنوياً. في المقابل، بلغت نسبة الأملاح في مياه نهر الأردن خمسة آلاف جزء في المليون، بعدما كانت لا تتعدّى 600 جزء في العام 1925. وزادت نسبة الكلورايد إلى 1365 ملغراماً في اللتر في منطقة أريحا خلال السنوات العشرين الماضية، بعدما كانت 24 ملغراماً قبلها.
وتؤكد أرقام سلطة المياه أن نسبة 85 في المئة من مياه الآبار في قطاع غزّة غير صالحة للشرب بسبب المكوّنات القلوية. كما تسجّل زيادة نسبة الأملاح في المناطق الجنوبية الشرقية وأجزاء من المنطقة الوسطى لتصل إلى ألف ملغرام في اللتر.
أثر إسرائيل العربي في العطش
في سياق البحث المائي، ربما يكون من المفيد استعادة مقال كتبه خبير المياه في "جامعة فيلادلفيا" توماس ناف منذ سنوات، قال فيه إن "إسرائيل تسرق الموارد المائية من الأراضي العربية المحتلة – نتيجة استيعاب المستوطنين الجدد لتوفير ما تحتاجه، وتهديد الأمن المائي العربي وقت الأزمات".
وعلى مستوى تأثيرها العربي، تشير خلاصة تقرير أعدّه "مرصد السياسات الاقتصادية في رام الله" إلى أن الأمن المائي العربي يعاني من تهديدات دولية عدة ذات صلة باستراتيجية إسرائيل في الهيمنة على البحر الأحمر والخليج العربي، وخنق أقطار عربية لها وزنها في النظام الإقليمي العربي، كالعراق وسوريا والأردن ومصر عطشاً، عن طريق التأثير على دول الجوار الإقليمي المعروفة بالضلع الثالث في الصراع العربي الإسرائيلي مثل تركيا – وأثيوبيا.
ويؤكد الخبير في "مجموعة الهيدرولوجيين" الدكتور عبد الرحمن التميمي لـ "السفير" أن العجز المائي للدول العربية سيصل إلى 171 مليار متر مكعب سنوياً في العام 2030.
يشهد البحر الميت تناقصًا في المياه بدأ منذ ما يقارب الأربعين عاماً، نتيجة إقامة ثلاثة مصانع إسرائيلية لاستخراج الأملاح والمواد الطبيعية وضخ ما يزيد عن 400 مليون متر مكعب من المياه. ما أقلق علماء البيئة، والمؤرخين، والسياسيين، الذين عبروا عن قلقهم الشديد إزاء هذا التناقص.
وفي العام 2005، اتفقت حكومات البلدان الثلاثة التي تحيط بالبحر الميت، أي دولة الاحتلال، والأردن، والسلطة الفلسطينية، على محاولة إيقاف النقص المستمر في مستوى مياه البحر الميت، كما هو معلن. وقد تمخض الاتفاق على القيام بحفر قناة بطول 110 أميال، وبناء نفق يتم من خلالهما نقل المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت. وتعرف القناة باسمي "قناة البحر الميت" و "قناة البحرين".
"قناة البحرين/ البحر الميت".. ونقدها
قامت الدول الثلاث بتقديم طلب إلى البنك الدولي للإشراف على عملية تنفيذ دراسة الجدوى، وكذلك عمليات التقييم البيئي والاجتماعي للمشروع، وفقاً لمبادئ وسياسات البنك الدولي. ولا تعتبر عملية إيقاف تقلص مستوى المياه في البحر الميت الهدف الوحيد لهذا المشروع. إذ يهدف أيضاً إلى محاولة استخدام المياه التي يتم نقلها من البحر الأحمر (الذي يرتفع عن مستوى البحر الميت بمقدار 400 متر) إلى البحر الميت في توليد الطاقة الكهرومائية.
كما يهدف المشروع إلى زيادة إمدادات المياه إلى الدول المطلّة على ضفاف هذه القناة، وذلك عن طريق إخضاع المياه المنقولة لعمليات تحلية في أثناء نقلها من البحر الأحمر. فيتم استخراج المياه الصالحة للشرب واستخدامها في كلّ من الأردن، وإسرائيل، ومناطق السلطة الفلسطينية.
يصف الخبير البيئي في المركز التنموي "معا" جورج كرزم مشروع قناة البحرين بالمشروع الصهيوني. ويعلل ذلك لـ "السفير" بالقول: "هذا المشروع تسيطر عليه إسرائيل، ويهدف إلى تشغيل آلاف العمال والخبراء الإسرائيليين، وهو يعزز الاستيطان في الأغوار وصحراء النقب".
ولفت كرزم إلى أن "الدراسة التي أنجزها البنك الدولي لم تنشر بجميع أجزائها حتى الآن، وذلك لأنها مليئة بالمخالفات العلمية. ولا زالت السلطة الفلسطينية تتحفظ على نشر نص الدراسة".
ويخلص إلى اعتبار المشروع "استراتيجية إسرائيلية لتوفير المياه المجانية والطاقة الكهربائية الرخيصة لدولة الاحتلال. وهو، بشكل عملي، يحقق رؤية ثيودور هرتسل في هذا الصدد".
المصدر: السفير