من القاهرة الى موسكو .. الأزمة السورية.. فرص للحل ؟
من بين التفاصيل الكثيرة التي حملها مؤتمر القاهرة لا يظهر سوى "التباعد" في السياق السياسي، فبينما يحاول المجتمعون في القاهرة تأسيس تجمع مختلف وضاغط على "الائتلاف السوري" المعارض، فإن من يجتمعون في موسكو يحاولون إيجاد آلية مختلفة للعلاقة ما بين "الحكومة السورية" و "أطياف المعارضة"
وما بين موسكو والقاهرة هنا تماس هام يرتبط بصراع سياسي وفق قواعد أخرى، وهذا "التماس" من المفترض أن يؤسس لعلاقة جديدة مع الأزمة السورية، خصوصاً بأن موسكو وواشنطن في هدنة مؤقتة بشأن آليات التعامل مع الحدث السوري، ولكن في المقابل فإن ما سيظهر في موسكو هو أيضاً مشهد سياسي يساعد على فرز القوى السياسية من جديد، فسواء أعطى لقاء موسكو نتائج ملموسة أو بقي ضمن سلسلة الحراك الدبلوماسي الاعتيادي، فهو يعبر عن الانتقال نحو مرحلة مختلفة في إدارة الأزمة السورية.
مناخ متفاوت
في القاهرة ظهر الإصرار على "الشخصيات المستقلة" ابتداءاً من الدعوات وانتهاءاً بالنتائج، ورغم أن لقاء موسكو يملك نفس هذا الإصرار إلّا أن المجتمعون في القاهرة كانت لهم أهداف أخرى، فعملية إخراج التجمعات والكتل السياسية التي ظهرت خلال أربع سنوات من الأزمة السورية حمل معه أربع أمور:
◘ الأول: محاول تحييد الصراعات بين هذه القوى على اكتساب شرعية تمثيل المعارضة، وذلك مع قناعة الأطراف الدولية بأن مسألة "التمثيل" شكلت محور الاقتتال الأساسي بين هذه القوى لما تحمله من ميزات مالية بالدرجة الأولى، وسوية عالية في العلاقات العامة تتيح لمن يحتكر هذا التمثيل قوة أكبر في المحافل الدولية.
◘ الثاني محاولة إبعاد تركيا عن احتكار المعارضة السورية، فالانتخابات الأخيرة لـ"الائتلاف" جاءت بصورة "تركية بالكامل"، فمؤتمر القاهرة يوضح عمق الصراع الإقليمي ما بين أنقرة والرياض على امتلاك أدوار داخل الساحة السورية.
◘ الثالث: إيجاد نواة لما تطلق عليه الولايات المتحدة " المعارضة المعتدلة" ، حيث جرى استبعاد كامل لقوى " الاخوان المسلمين" و "إعلان دمشق"، والمجتمعون سيشكلون غطاءاً سياسياً مستقبلياً لما تريده واشنطن من "مسلحين معتدلين" ينخرطون في محاربة الارهاب.
◘ الرابع: إعادة تأسيس مرجعية جديدة ربما يكون عنوانها "اتفاق القاهرة" أو "مجموعة القاهرة"، وهي ستضيف إلى الطيف السياسي السوري هامشاً جديداً يجمع نشطاء على اتصال عميق مع المؤسسات الدولية أكثر من كونهم ممثليين لسياسات إقليمية أو دولية، وهذا الأمر هو ما دفع "تيار بناء الدولة"، الذي مثّلته منى غانم، لعدم التوقيع على الوثيقة النهائية رغم إعلانها الصريح الموافقة على بنود الوثيقة.
عملياً فإن القاهرة ضَمِنت في المؤتمر الذي انعقد على أراضيها إعادة التواصل مع الأزمة السورية بشكل مختلف عن السابق، فالبنود العشرة لا تحمل "الحدّيِة" التي اتسمت بها مؤتمرات سابقة انعقدت في نفس المكان وبرعاية مصرية زمن حكومة الإخوان المسلمين، وهذا الأمر أمن للقاهرة ورقة رابحة عند موسكو، فعشية لقاء موسكو قام وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، باتصال بنظيره المصري، سامح شكري، ويؤشر هذا الأمر على تنسيق بين دولتين رغم الغايات المختلفة لاجتماع أطراف المعارضة السورية في موسكو والقاهرة.
موسكو.. وفرصتين
اللقاءات التي تتم في موسكو يمكن مقاربتها مع مؤتمر القاهرة من خلال الدعوات التي وجهت شخصيا، لكن السياسة الروسية أرادت من هذا الأمر تحرير اللقاء من المواقف السياسية المسبقة، وهي في المقابل لم تجازف باستخدام كلمة "مؤتمر" بل أبقت هذا اللقاء تشاورياً بالدرجة الأولى، ومن اتصالها مع الأزمة السورية حاولت تخفيف أي تصادم مسبق مع الولايات المتحدة، فما يحدث في موسكو لن يغير وفق ما هو معلن من أي معطيات تؤدي لاعتراض واشنطن على اللقاء، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية تتخذ موقفاً محايداً وتنصح "حلفائها" بالذهاب إلى موسكو، ويبقى السؤال: ما الذي ستحققه روسيا من اللقاء؟
بالنظر إلى شروط انعقاده بمن حضر فهو سيبدو اجتماعاً يمكن أن يشابه أي حدث في دمشق بين أطراف المعارضة، ولكنه فرض مناخاً سياسياً دولياً مختلفاً، فبغض النظر عن نتائجه فإن كشف واقعاً نتبين خطوطه في بندين أساسيين:
◘ عدم اعتراض الولايات المتحدة عليه وفي نفس الوقت رفض معظم حلفائها من المعارضة الذهاب إلى موسكو، وإذا كان هذا الأمر يبدو كحنكة سياسية أمريكية، لكنه يكشف أيضا طبيعة العلاقة السائدة بين الإدارة الأمريكية و "الائتلاف السوري" المعارض، فهناك شكل من عدم الاكتراث بالخطوات التي يقدم عليها "الائتلاف"، فتوظيفه من قبل الإدارة الأمريكية أصبح مختلفاً، ولم تعد تعتبره أداة ضغط حقيقية تجاه أي حدث سوري، فلا مؤتمر القاهرة ولا لقاء موسكو أثر عليهما الائتلاف.
◘ تركيز الولايات المتحدة على "العناصر" التي ستدربها من السوريين في محاربة "داعش" ، وهذا التركيز بغض النظر عن فاعليته لكنه يوضح أن المرحلة القادمة تتبلور حول محاصرة الواقع السوري بشكل مختلف، وأبدت الصحف الأمريكية اهتماماً بهذا الأمر من خلال الحديث عن الأولوية الأمريكية تجاه الإرهاب، فهي تبدو مهتمة بسياق سياسي يُنشط تحالفها ضد داعش، بينما تترك تفاصيل الحدث السوري لتتفاعل دون ضغط مباشر منها.
في موسكو هناك فرضة للقاء المعارضة كي تبلور أجنداتها، ثم تلتقي وفد الحكومة للحوار ومعرفة التحفظات وربما نقاط الاتفاق، ومادام اللقاء تشاورياً فلن يخضع أي طرف لضغط تحقيق انجاز مباشر، وفي المقابل فإن الفرصة الثانية هي التحكم بالتفاصيل طالما أن الولايات المتحدة لا تريد اليوم تشتيت التركيز عن مسألة محاربة "داعش" ، والملاحظ أن سياق الحل للأزمة السورية ينطلق في موسكو بشكل مختلف، فهو يربط الأولويات لأنه يبحث في تفاصيل التحول السياسي في ظل ضرورة محاربة الإرهاب، فترابط الأمرين يبدو متماسكا في آليات انعقاده أو حتى في المواقف المعلنة من قبل مختلف الأطراف.
البيئة السياسية الدولية تبدو متباينة وهو ما يعطي اللقاءات بشأن الأزمة السورية مساحة مختلفة، فالصراع السياسي الإقليمي والدولي مازال محتدماً، لكنه على الأقل يملك تصوراً بشأن تماسك الحلول المستقبلية للأزمة، فهو يريد الحفاظ على ما تبقى من بُنى الدول الإقلمية من أجل محاصرة "داعش".
نقلاً عن موقع:
معهد ليفانت للدراسات