إختراقات متبادلة.. وفتح معركة ضد «الدولة الإسلامية» في القلمون
حرب سرية بين «داعش» و«غرفة عمليات الموك»
تدور فوق الأراضي السورية رحى حرب استخبارية شديدة التعقيد والتشابك والجرأة. أحد جوانب هذه الحرب يدور بين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـــ «داعش» من جهة وبين «غرفة عمليات الموك»، التي تشرف عليها الولايات المتحدة، من جهة ثانية، وهي حرب لا يمكن معرفة الفائز فيها، ليس بسبب السرية والتكتم وحسب، بل لأن مدتها مفتوحة ولا تبدو نهايتها وشيكة.
وتأسست «غرفة عمليات الموك» باتفاق وتنسيق بين بعض دول «مجموعة أصدقاء سوريا»، على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأردن، وبمشاركة من السعودية والإمارات وتركيا.
وتهدف هذه الغرفة إلى الإمساك بزمام قيادة العمل العسكري في سوريا تدريجياً، عبر دعم بعض فصائل «الجيش الحر» وتزويدها بالأسلحة المتطورة، مثل صواريخ «تاو» المضادة للدبابات، وبالمال اللازم لدفع رواتب المسلحين. والغاية من ذلك هي توجيه العمل العسكري على نحو مركزي، يخرج به من إطار الفوضى والعبثية ويدخله في سياق منظم يهدف إلى تحقيق أجندات الدول المشرفة عليه والداعمة له.
ويعود تأسيس هذه الغرفة إلى بداية العام الحالي، وكان أول قراراتها النوعية تزويد «حركة حزم» بصواريخ «تاو» الأميركية في نيسان الماضي، لتكون نواة القوة «المعتدلة» التي يراهن عليها الغرب. ولهذه الغرفة فرعان أساسيان، الأول في الأردن لدعم الجبهات الجنوبية، والثاني في تركيا لدعم الجبهات الشمالية. ويشير تمدد عمل «غرفة عمليات الموك» إلى القلمون السوري مؤخراً إلى أنها قد تكون أنشأت فرعاً ثالثاً في لبنان، ولكن ذلك غير مؤكد حتى الآن.
وقد فرض الهدف المركزي المتمثل بإنشاء «جيش معتدل»، أن تصطدم «غرفة الموك» بالعديد من الجماعات الإسلامية المتشددة التي تعتبر إنشاء هذا «الجيش» تهديداً مباشراً لها ولنفوذها. وكان على رأس هذه الجماعات التي استشعرت بالخطر تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي وجد نفسه، نتيجة التطورات الميدانية، وجهاً لوجه أمام «غرفة الموك» وإستراتيجيتها القاتلة بالنسبة إليه.
ورغم قلة المعلومات من جهة وعدم إمكانية التثبت من صحة بعضها من جهة ثانية، إلا أن المؤشرات تدل على أن المواجهات الاستخبارية بين الطرفين بدأت بشكل فعلي مع احتدام المعارك في دير الزور بين «داعش» من جهة وخصومه «جبهة النصرة» و»أحرار الشام» و»جيش الإسلام» من جهة ثانية، حيث تدخلت «غرفة الموك» في هذه المعارك عبر الإيعاز إلى عملائها بتشكيل ما سمي آنذاك «مجلس شورى مجاهدي الشرقية» (مشمش)، والذي تؤكد المعطيات أن تشكيله لم يكن ممكناً لولا الدور الذي لعبه «المسؤول الشرعي العام أمير الشرقية في جبهة النصرة» السابق أبو ماريا القحطاني، الذي يعتبر من أكثر القيادات «الجهادية» إثارة للجدل، نتيجة الشكوك حول حقيقة ارتباطاته الاستخبارية.
وما يعزز من صحة ذلك، ما أقر به مؤخراً عدد من قيادات «النصرة» المنشقين عنها من تلقيها الدعم المالي من متبرعين من داخل السعودية، على رأسهم الشيخ عدنان العرعور الذي دعمها بمبلغ مليون دولار حسب شهادة «الأمير السابق» سلطان العطوي (أبو الليث التبوكي)، إذ لم يكن ممكناً لهذا الدعم أن يصل إلى جيوب الجبهة لولا الغطاء الذي وفرته «غرفة الموك»، التي تعتبر الرياض أحد المشاركين فيها، خاصة وأن الأموال وصلت إلى «جبهة النصرة» بعد تصنيفها من قبل الرياض على أنها إرهابية، ما يعني أن إرسال الدعم كان يحتاج إلى غطاء سياسي من السلطات السعودية.
ومع بداية ضربات التحالف الدولي ضد «داعش» في أيلول الماضي، برز جانب آخر لهذه المواجهة الاستخبارية، هو زرع الجواسيس بين صفوف مقاتلي «الدولة الإسلامية»، أو بين المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها، بهدف جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن التنظيم وأماكن انتشاره، وكذلك لتحديد الأهداف التي سيجري قصفها، عبر رمي شرائح إلكترونية تساعد الطائرات في تحقيق إصابات دقيقة.
ويتعامل الجهاز الأمني لـ»الدولة الإسلامية» مع هذه المحاولات بأسلوبين، الأول هو ملاحقة الجواسيس والقبض عليهم وإنزال أقصى العقوبات بحقهم، مع حرصه على تنفيذ العقوبة التي غالباً ما تكون قطع الرأس علناً، وأمام مئات المتفرجين، لزرع الرعب في نفوسهم، والثاني إرسال جواسيس يعملون لمصلحته لتقديم معلومات مغلوطة إلى قوات التحالف، أو رمي الشرائح في أماكن لا تسبب أي ضرر لمقاتليه أو عتاده.
وعموماً تبدو آلية الاختراق والاختراق المضاد من أكثر آليات المواجهة بين الطرفين تعقيداً وخطورة. وفي هذا السياق فإن العديد من «المبايعات» التي يحصل عليها «الدولة الإسلامية» تقف وراءها إيعازات مباشرة صادرة عن «غرفة الموك»، التي تستهدف من ذلك تضخيم ثقة التنظيم بنفسه تمهيداً لتوجيه ضربة صاعقة إليه في الوقت المناسب، عبر الإيعاز إلى الكتائب المبايعة بالانشقاق عنه، كما أن ذلك يتيح لها التأثير، ولو بالحدود الدنيا، في نشاطه العسكري، أو على الأقل الحصول على معلومات مسبقة عن تحركاته.
وقد استفادت قيادة «داعش» من تجربة «الصحوات» في العراق بين العامين 2007 و2010، وابتكرت أساليب لمواجهة هذا الاختراق، قد يكون أخطرها أسلوب الاختراق المضاد، والذي يتمثل في الإيعاز إلى بعض الكتائب الموالية له بإعلان انشقاقها والانضمام إلى صفوف خصومه، لتأدية نفس الدور وتحقيق نفس الأهداف.
ومؤخراً برز معطيان مهمان قد يشيران إلى طبيعة تحرك «غرفة الموك» في مواجهة «الدولة الإسلامية»، الأول تمثل بإيعازها إلى مجموعة من فصائل «الجيش الحر» لفتح معركة جديدة في القلمون الشرقي، مع الإصرار على عدم مشاركة أي فصيل ذي توجه إسلامي فيها، والمقصود معركة «الويل للطغاة» التي تقودها «كتائب الشهيد أحمد العبدو» مع فصائل أخرى. وإذ لم يتضح حتى الآن الهدف الحقيقي من وراء استثناء الفصائل الإسلامية من المشاركة في هذه المعركة، فقد كان لافتاً للاهتمام أن يتزامن إطلاق هذه المعركة مع إعلان بعض الفصائل في القلمون مبايعتها لزعيم «الدولة الإسلامية» أبي بكر البغدادي، مثل «لواء القصير» و»كتائب الفاروق المستقلة»، حيث تشير بعض المعطيات إلى سعي «داعش» لتقوية تواجده في منطقة القلمون.
والثاني يتمثل في محاولة الاستخبارات الأردنية، التي تشارك بفاعلية كبيرة في «غرفة الموك»، بوضع خطوط حمراء على تحرك بعض تيارات «جبهة النصرة»، التي يخشى أن تكون مخترقة من قبل «داعش» فكرياً وأمنياً. وقد يكون الإيقاف المفاجئ لمعركة معبر نصيب الحدودي في ريف درعا مؤشراً مهماً على هذا الصعيد. ورغم أهمية هذا المؤشر إلا أنه ليس الوحيد، فهناك حرب التصفيات والاغتيالات التي تجري بعيداً عن الأضواء، ومن دون اهتمام إعلامي كبير بها، كان آخرها اغتيال أبو محمد السوري ومحاولة لصق التهمة بـ «جبهة النصرة». والغريب أن مقتل أبو محمد مر مرور الكرام، رغم أنه لا يقل أهمية وقدماً في «الجهاد» عن أبي خالد السوري، الذي أحدث مقتله هزة كبيرة وصلت أصداؤها إلى قيادة «القاعدة» في أفغانستان.
وتتزامن هذه الأحداث في المنطقة الجنوبية مع محاولة «الدولة الإسلامية» السيطرة على منطقة بئر القصب، الواقعة بين ريف دمشق وريف درعا والمتصلة بالحدود الأردنية، الأمر الذي يؤهلها أن تكون خط إمداد مهما بعد فقد المسلحين خط العتيبة نتيجة سيطرة الجيش السوري عليه، كما يؤهلها أن تكون أقرب نقطة انطلاق لـ «داعش» باتجاه مدينة درعا التي لا يحظى فيها بأي تواجد حتى الآن. وربما هذا ما يفسر مخاوف الاستخبارات الأردنية من تلاقي حشود «داعش» في بئر القصب مع متعاطفين معه داخل «جبهة النصرة» في درعا.
وما يعزز من ذلك، أن القيادي المثير للجدل أبو ماريا القحطاني اختار درعا ليحط رحاله فيها بعد هروبه من دير الزور، الأمر الذي يشير إلى رهان بعض الجهات عليه ليكون حائط صد يمنع تغلغل «داعش» في المدينة.
المصدر: جريدة السفير