بيع سورية بالجملة والمفرق:الخصخصة بوصفها اغتيالاً للمستقبل
لطالما سُوّقت خصخصة القطاع العام في أدبيات الاقتصاد النيوليبرالي على أنها العصا السحرية لانتشال الدول من وحل البيروقراطية والترهل الإداري. حيث يُقال لنا بعبارات زائفة ومنمقة إن الدولة «تاجر فاشل»، وإن القطاع الخاص هو عنوان الكفاءة والجودة. ولكن، خلف هذه الشعارات البراقة، تكمن حقيقة مرعبة، خاصة فيما يعرف بدول العالم الثالث والاقتصادات الناشئة. فالخصخصة في جوهرها ليست سوى عملية «نقل ملكية» ممنهجة لثروات الشعب المتراكمة عبر عقود، لتصب في جيوب قلة قليلة من المنتفعين. إنها عملية سطو مقنن، تنتزع فيها أصول الدولة التي بنيت بعرق ودماء الناس، لتباع بأبخس الأثمان تحت مسمى «الاستثمار» و«التشاركية». من هذا المنطلق، لا يمكن النظر إلى الخصخصة بوصفها إجراء اقتصادي عابر، بل قرار سياسي بامتياز يهدف إلى إعادة هندسة المجتمع طبقياً، وسحب البساط من تحت أقدام الفقراء، وتحويل المواطن من صاحب حق في ثروات بلاده إلى مجرد «زبون» مستهلك، لا قيمة له إن لم يمتلك المال. وهذا التحول ليس مجرد تغيير بسيط في الملكية داخل المجتمع، بل إعلان صريح بأن الدولة تخلت عن مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية تجاه مواطنيها، تاركة إياهم فريسة لحيتان السوق الذين لا يعرفون سوى لغة الربح ومراكمة الثروات.