افتتاحية قاسيون 1246: «فليسقط مشعلو الحروب»!
قدم ترامب قبل أسبوع تقريباً، «مقترحاً جديداً» يتضمن 20 نقطة لإنهاء الحرب على غزة، وافقت عليه الدول العربية قبل أن يُدخِل نتنياهو تعديلاتٍ عليه، وردّت عليه حماس رداً دبلوماسياً حصيفاً، لا يرفضه ولا يقبله، فاتحةً الباب للتفاوض حوله، والوصول إلى اتفاق.
الوضع في فلسطين المحتلة، وفي غزة خاصة، مرتبط ارتباطاً شديداً بوضعنا في سورية وفي المنطقة عموماً، ولذا من الضروري فهمه بأكبر قدرٍ ممكنٍ، وللقيام بذلك، من المفيد وضعه ضمن سياق أعم وأوسع، زمنياً ومكانياً.
فلنحاول النظر في جملة الاتفاقات والمفاوضات والحروب التي خاضها الطرف الأمريكي و«الإسرائيلي» خلال السنوات القليلة الماضية، بأشكال مباشرة أو غير مباشرة، لِنخلُص إلى بعض الاستنتاجات العامة...
- قمة الحوار الاستراتيجي بين أمريكا (بايدن) وروسيا، يوم 16 حزيران 2021، والتي كان أحد أهم مواضيعها هو أوكرانيا، انتهت إلى انفجار الحرب في أوكرانيا في شباط 2022. وكل تفاوضٍ أو اتفاقٍ تلاهُ اندلاع الحرب، من إسطنبول إلى ألاسكا مؤخراً، كان يعقبه ارتفاع وتوسع في مستوى التصعيد، بما يشمل دول أوروبا الغربية أيضاً.
- الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، ثم الانسحاب الأمريكي منه عام 2018، ثم المفاوضات التي «أحرزت تقدماً كبيراً» خلال الأشهر الأولى من هذا العام، انتهت إلى اشتعال حرب الـ 12 يوماً بين «إسرائيل» بدعم واشتراك أمريكي مباشر، وبين إيران، في حزيران الماضي.
- اتفاق كيري لافروف عام 2016 على وقف إطلاق النار في سورية، وإيقاف الحرب والذهاب إلى حل سياسي، انتهى إلى استمرار الحرب بشكل عنيف سنوات إضافية، واستمرار آثارها واحتمالات تفجرها مجدداً حتى اللحظة.
- «اتفاقات أبراهام» التي جرت عامي 2019 و2020، والتي كان من المفترض أن تصل إلى «ناتو عربي ضد إيران» وإلى ما يشبه تحالفاً أمنياً وسياسياً بين الكيان والخليج العربي تحت المظلة الأمريكية، انتهت إلى توجيه الكيان ضربة عسكرية مباشرة في قطر، وإلى تبخرٍ عملي لكل الاتفاقات.
- الهُدن والمفاوضات والاتفاقات المتلاحقة في غزة، خلال السنتين الأخيرتين وقبلهما، انتهت دائماً إلى تجدد الحرب بشكل أكثر شراسة وتوحشاً.
وضع «مقترح ترامب» الأخير ضمن هذا السياق العام، يسمح بالوصول إلى الاستنتاجات التالية:
أولاً: السياسة الثابتة لدى الغرب خلال العقدين الأخيرين، هي الحروب وتوسيع رقعة الحروب، وأما التفاوض والهُدن والاتفاقات، فهي جزءٌ من عدة الحرب نفسها، وليست باباً للحلول الدبلوماسية.
ثانياً: يعبر هذا الاتجاه الثابت عن الصحة المتجددة لمقولة «الحرب هي الرئة الحديدية التي تتنفس منها الرأسمالية»، والمركز الغربي يعيش اليوم أقسى أزماته التاريخية بمركباتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولذا فالطريق أمامه مغلقٌ تماماً، ولا إمكانية لفتحه إلا عبر تصدير الأزمات إلى الخارج، والالتفاف على الحركة الشعبية المتصاعدة في بلدانه، عبر الحروب والمزيد من الحروب.
ثالثاً: المشترك بين كل الأمثلة السابقة، أن كل هُدنة جديدة، وكل حربٍ جديدة، كان الطرف الغربي فيها أضعف من السابق، وأقل قدرة على فرض شروطه. ومع كل حربٍ جديدةٍ وهُدنٍة جديدة، يتقلص معسكره السياسي أكثر، ويتسع حجم الاتفاق والتقارب بين بقية العالم ضده.
رفع ثوريو مطلع القرن العشرين شعار «فلنسقط مشعلي الحروب» في وجه التعطش الاستعماري لحروب طاحنة تخرجه من أزماته في حينه، ولم يتمكنوا من إسقاط مشعلي الحروب إلا في الحرب نفسها مع الانتصار على النازية عام 1945.
اليوم، يتجدد رفع الشعار نفسه، مع انفتاح الأفق التاريخي لإسقاط مشعلي الحروب قبل أن يأخذوا الكوكب بأسره إلى حرب شاملة تدمر الكوكب بمن فيه، ويجري تنفيذ هذا الشعار من خلال تكبيد الغرب الخسائر في ساحات حروب جزئية عديدة، في قارات عدة من العالم.
يبقى أن نقول بما يخص سورية: ليس هنالك أي أفق لأيِّ اتفاقٍ مع الكيان... الأفق الوحيد هو للاتفاق بين السوريين أنفسهم، عبر حل سياسي شامل ومؤتمر وطني عام يوحدهم ويمكنهم حقاً وفعلاً من تقرير مصيرهم بأنفسهم...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1246