تموضع الكيان دولياً من خلال عدسة الجمعية العامة للأمم المتحدة
بدأت في 9 أيلول الجاري الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، تحت شعار «معاً أفضل: 80 عاماً وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان». وتم افتتاح النقاش العام للدورة في 23 أيلول، وستستمر حتى 29 أيلول، والتي تُعرف بـ «أسبوع رفيع المستوى»، الذي يُلقي خلاله قادة عدد من الدول الأعضاء كلمات أمام الجمعية العامة.
كانت القضية الفلسطينية من أبرز الموضوعات التي تطرق قادة العالم إليها. وخصوصاً أن الحدث جاء بعد أن صوتت الجمعية العامة في 12 أيلول واعتمدت قراراً بأغلبية 142 دولة، مع 10 اعتراضات، وامتناع 12 دولة عن التصويت، وهو القرار الذي بات يعرف باسم «إعلان نيويورك» حول تنفيذ حل الدولتين. ومن الجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة لم تمنح الوفد الفلسطيني الرسمي التأشيرات اللازمة للحضور، وقامت الجمعية العامة بخطوة استثنائية غير مسبوقة، وذلك السماح لرئيس السلطة الفلسطينية في إلقاء كلمته باستخدام الوسائل الالكترونية– وتمت الاستعانة بهذه الوسيلة سابقاً بحالة استثنائية خلال فترة جائحة «كورونا».
عودة إلى الكلمات التي تم إلقاؤها خلال المناقشات حتى اليوم، تطرقت جميعها إلى القضية الفلسطينية، وبالأخص العدوان المستمر على غزة، وإدانة الكيان وممارساته، كما تطرق البعض إلى دور أمريكا في كل ذلك. فيما يلي بعض الأمثلة:
قد تكون الكلمة الأبرز تلك التي ألقاها الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو يوم الأربعاء الماضي، 24 أيلول، والتي دعا فيها إلى توحيد جيوش الدول التي ترفض الإبادة الجماعية في قطاع غزة، من أجل تحرير فلسطين، وقال: «إن الإنسانية لم تعد تستطع تحمّل يوم واحد إضافي من الإبادة الجماعية في غزة». وأضاف بيترو، «يجب على قوات جيوش جميع البلدان التي ترفض الإبادة الجماعية أن تتوحد من أجل تحرير فلسطين... لا يوجد عرق متفوق ولا شعب مختار من قبل الرب، فالشعب المختار لدى الرب هو كل البشرية، وعلى الأمم المتحدة، وبطريقة مختلفة وإنسانية، أن توقف أولاً وقبل كل شيء الإبادة في غزة». وانتقد بيترو في كلمته السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ودعا إلا ملاحقة الرئيس الأمريكي ترامب ومسؤولين أمريكيين آخرين. وشارك لاحقاً في وقفة احتجاجية في نيويورك داعمة لفلسطين ومنددة بـ «إسرائيل»، ألقى فيها كلمة كرر فيها ما قاله في كلمته أمام الجمعية العامة. وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الجمعة إلغاء تأشيرة الرئيس الكولومبي، متهمة إياه بالقيام بـ «أفعال تحريضية».
وألقى الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، الكلمة الأولى بعد الكلمة الافتتاحية للأمين العام للأمم المتحدة، يوم الثلاثاء الماضي، 23 أيلول، حيث قال فيها: «لا يوجد وضع أكثر رمزية للاستخدام غير المتناسب وغير القانوني للقوة من الوضع في فلسطين... لا شيء، لا شيء على الإطلاق، يبرر الإبادة الجماعية المستمرة في غزة... وهناك، تحت الأنقاض، يدفن أيضاً القانون الإنساني وأسطورة التفوق الأخلاقي للغرب. لم تكن هذه المذبحة لتحدث لولا تواطؤ أولئك الذين كان باستطاعتهم تجنبها». وأضاف لولا، «الشعب الفلسطيني مُعرَّض لخطر الزوال. لن ينجو إلا بدولة مستقلة ومندمجة في المجتمع الدولي. هذا هو الحل الذي دافع عنه أكثر من 150 عضواً في الأمم المتحدة، وأُعيد تأكيده أمس، هنا في هذه الجلسة العامة نفسها، ولكن عرقله فيتو واحد. من المؤسف أن الدولة المضيفة منعت الرئيس محمود عباس من تولي مقعد فلسطين في هذه اللحظة التاريخية». مشيراً في الجملتين الأخيرتين إلى دور الولايات المتحدة السلبي.
قال الملك عبد الله، ملك الأردن في كلمته أمام الجمعية العامة، أنه على المجتمع الدولي التوقف عن التمسك بالاعتقاد الواهم بأن «إسرائيل» شريك راغب في السلام، وأشار إلى أنه «على العكس تماماً، فإن أفعالها على أرض الواقع تهدم الأسس التي يمكن أن يرتكز إليها السلام، وتدفن بشكل متعمد فكرة قيام الدولة الفلسطينية». وتساءل: «إلى متى سنكتفي بإصدار الإدانة تلو الأخرى دون أن يتبعها قرار ملموس؟».
في السياق ذاته، ألقى الرئيس التركي أردوغان كلمته وسلط الضوء على ما يحصل في غزة وقال: «تجري أمام أعيننا إبادة جماعية مستمرة منذ أكثر من 700 يوم». وأضاف أن ما يحصل «ليست حرباً على الإرهاب، بل هي احتلال، وتهجير، ونفي، وإبادة جماعية، وتدمير شامل للحياة». وقال: إن «كل من يلتزم الصمت شريك في هذه الوحشية».
رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، ذكّر في كلمته بالقضية التي رفعتها بلاده ضد «إسرائيل» في محكمة العدل الدولية وقال: «تماشياً مع القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، هناك إجماع عالمي متزايد على أن [إسرائيل] ترتكب إبادة جماعية في غزة... وبينما يواصل الفلسطينيون مواجهة الإبادة الجماعية والمجاعة، فإنه يقع على عاتقنا واجب التصرف».
الرئيس البوليفي، لويس آرسي، أيضاً تطرق بنبرة عالية إلى ما يحصل في فلسطين، في كلمته التي ألقاها أمام الجمعية العامة يوم الخميس الماضي، 25 أيلول، والتي وجّه فيها اتهامات إلى الولايات المتحدة و«إسرائيل»، حيث اتهم الولايات المتحدة بالتسبب في «الألم والموت» على مستوى العالم، وأشار على وجه التحديد إلى الولايات المتحدة و«إسرائيل» بسبب «الإبادة الجماعية التي تمارس حالياً» في غزة.
وقد تكون الكلمة التي ألقاها رئيس وزراء الكيان يوم الجمعة الماضي، 26 أيلول، الأكثر دلالة عن وضع الكيان، وليس بسبب مضمونها، ولكن لأن نتنياهو ألقاها لقاعة معظم مقاعدها فارغة بعدما توجهت معظم الوفود إلى خارج القاعة عندما اعتلى نتنياهو المنبر ليلقي كلمته.
هذه فقط بعض الأمثلة خلال أقل من أسبوع مضى، تُظهر مدى تراجع تموضع الكيان دولياً ومعه داعميه، وعلى رأسهم الأمريكي، وهذا ليس مؤشراً على ارتفاع مستوى دعم القضية الفلسطينية والتململ من العنجهية الأمريكية و«الإسرائيلية» فحسب، بل إنه أيضاً مرتبط بالتغييرات الجارية في ميزان القوى الدولي، والانزياح الجاري في المركز العالمي بعيداً عن الغرب. كلما تآكلت الهيمنة الأمريكية أكثر فأكثر، كلما انخفضت قدرتها على الابتزاز والترهيب السياسي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1245