الشدائد تتطلب عقولاً واعية وقلوباً كبيرة!
أسهل ما يمكن القيام به في اللحظات العصيبة التي تعيشها البلاد هو أن يصطف المرء إلى جانب هذا الطرف أو ذاك من الأطراف المتصارعة، وأن يبرر للطرف الذي يصطف معه أي سلوك يقوم به بحجة المظلومية، وأن يبرر مزيداً من الدماء وسيلانها بذريعة الانتقام للدم الذي سال، وأن ينخرط في التحريض وفي قطع الطريق على أي إمكانية للحلول السلمية، بل وفي الدفع نحو مزيد من الاقتتال والاضطراب والفوضى؛ وهذا الطريق السهل هو في الوقت نفسه الطريق الأفضل بالنسبة لتجار الحروب والمتسلطين على أرض الواقع من مختلف الأطراف، لأنه يحول الناس إلى عساكر في جيوشهم على أسس طائفية وقومية ودينية، يقتلون بعضهم بعضاً من أجل مصالح المتنفذين داخلياً، ومصالح الراغبين بإنهاء سورية وتفتيتها خارجياً.
بالمقابل، فإن الطريق الصعب هو رؤية المشهد كما هو حقيقة، بكل ما فيه من دماء وظلم وقهر، والبحث عن مخرج حقيقي منه، ليس عبر مزيد من الدماء والقهر والظلم، بل عبر توحيد السوريين والاستناد إلى قوتهم الجماعية لتغيير الأوضاع القائمة تغييراً جذرياً بكل إحداثياتها.
هذا النوع من المهام يتطلب رجالاً ونساءً من نوع خاص، عاقلين وبقلوب كبيرة لا يعميها الحقد ولا يفقدها مشهد الدم صوابها واتزانها، بل يدفعها نحو التفكُّر والعمل لتهدئة الخواطر، وتحييد التحريض والبحث عن حلول ومخارج... يتطلب رجالاً وطنيين من مستوى سلطان باشا الأطرش ويوسف العظمة وإبراهيم هنانو وصالح العلي وعبد الرحمن الشهبندر ورفاقهم، الذين تعالوا عن الانتماءات الضيقة، وفكروا كأبناء بلد واحد موحد، رغم أن الاستعمار في حينه كان قد فرض شكلاً من أشكال تقسيم الأمر الواقع.
هؤلاء موجودون، وفي كل بقاع الأرض السورية، وينبغي أن يكون لهم دور أساسي في إنهاء الجنون القائم حالياً، والباب الأساسي هو الضغط العام من أجل المؤتمر الوطني العام، الذي يجمع السوريين ويعمل بيدهم كأداة في إنفاذ حقهم في تقرير مصيرهم ومصير بلادهم بأنفسهم.
كل محاولة للاستئثار أو لفرض السيطرة بالقوة أو للاستعانة بالأجنبي أو لتكريس الفصل الطائفي والقومي والديني بين الناس، منتهاها خسارة جميع الأطراف؛ حتى أمراء الحرب الداخليون الذين قد يربحون مؤقتاً من معركة هنا ومعركة هناك، مصيرهم الخسارة الشاملة في نهاية المطاف، وبشار الأسد كتاجر حرب كبير، مثال واضح على المصير النهائي لتجار الحرب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1238