الإعلام العبري: ينبغي الاستثمار في هشاشة سورية... لتعميقها أكثر!

الإعلام العبري: ينبغي الاستثمار في هشاشة سورية... لتعميقها أكثر!

تستمر وسائل الإعلام في الكيان بتغطية الشأن السوري بكثافة، مع تركيز خاص على التطورات في محافظة السويداء في الجنوب السوري، والغارات الجوية «الإسرائيلية»، إضافة إلى آراء وتحليلات حول السلطة في دمشق. تعكس هذه التغطية رؤية تعتبر أن البلاد تقف على مفترق طرق بين مزيد من الانهيار الداخلي أو إعادة تشكيل المشهد عبر تدخلات إقليمية ودولية. ومن منظور «الإسرائيلي»، فإن أي تغيّر في المعادلة السورية يحمل في طياته فرصاً ومخاطر، ما يفسر المزج بين لغة التحذير ولغة الحسم العسكري في الخطاب الإعلامي والتحليلات.

يمكن تصنيف تغطية الكيان للشأن السوري خلال الشهر المنصرم ضمن ثلاثة محاور أساسية: سياسي، عسكري وأمني، واقتصادي. لا يمكن فعلياً فصل هذه المحاور عن بعضها البعض، فهي متداخلة ومرتبطة، بشكل أساسي لأن طبيعة الكيان ومقارباته تجعل من المستحيل النظر في أي من هذه الجوانب بمعزل عن الجوانب الأخرى، ولكن يمكن حصر ما يلي حولها على أساس ما ورد في الإعلام «الإسرائيلي» خلال الأسابيع الماضية:

أولاً: الجانب السياسي

معظم التحليلات والآراء تصف الوضع السياسي في سورية بأنه «هش» و«قابل للانفجار» في أي لحظة، وتربط هذا بتصاعد التوترات الداخلية، لا سيما الوضع في السويداء، إضافة إلى التحديات الداخلية الأخرى التي تواجهها سورية، والتي تتمثل في ازدياد الاحتجاجات المحلية والصراعات البينية. كما تحدثت بعض المقالات والتقارير عن غياب استراتيجية واضحة للسلطة في معالجة المشاكل الداخلية، وعلى رأسها التوترات الطائفية المتصاعدة والتحديات الاقتصادية. وفق بعض التحليلات، ذلك كله يعطي فرصة للكيان لتعزيز نفوذه في سورية، ما يعني ضمناً أن لدى الكيان من خلال كل ذلك فرصة لتعزيز قدرته على الاستمرار بنشر الفوضى في المنطقة واستدامة عدم الاستقرار، بالأخص في الدول المجاورة للكيان. تشير الآراء حول الأحداث الأخيرة في السويداء، وعلى الرغم من محاولة ربط التدخل «الإسرائيلي» بالدروز، إلى أن التدخل كان بسبب عدم الاستقرار الذي خلقته هذه الأحداث، وليس لأن «إسرائيل» تريد أن يكون هناك استقراراً في سورية، ولكن لأنها تريد أن يكون عدم الاستقرار ضمن الأطر التي تضعها هي، فيما يخدم مصالحها، عدا عن أن تذرعها بحماية الدروز بحد ذاته يصب في تعميق الأزمات الداخلية في سورية.

ورغم أن عدداً من المقالات يتغطى بالحديث عن حماية الأقليات تارة و«الدفاع عن النفس» تارة أخرى، إلا أن الاتجاه العام في المقالات والأبحاث في الصحافة العبرية يؤكد على ضرورة الاستثمار في هشاشة سورية باتجاه تعميق تلك الهشاشة، وباتجاه العمل العلني من أجل التقسيم ومن أجل تعميق الفوضى الداخلية والاقتتال الداخلي؛ أي أن ما يجري الكلام عنه بوصفه حماية للأقليات، يتبين في الواقع العملي وحتى في الكلام السياسي العلني بأنه وصفة باتجاه إدماء كل السوريين بمختلف طوائفهم وأديانهم وقومياتهم. 

ثانياً: الجانب العسكري والأمني

لا يمكن فصل الجانب العسكري والأمني عن الجانب السياسي، ولكن يمكن التركيز هنا على الضربات «الإسرائيلية» الأخيرة، والتي لم تتوقف بعد هروب الأسد، بل زادت وتيرتها؛ وأُبرزت الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع عسكرية في دمشق والسويداء ودرعا مؤخراً، بما في ذلك قاعدة «الثعلة» الجوية، على أنها جزء من سياسة «الحرب بين الحروب» التي تنتهجها «إسرائيل» لإضعاف القدرات العسكرية السورية. وصف إعلام الكيان هذه الضربات بأنها مركزة ومؤلمة، وأشار إلى أنها طالت مناطق حساسة، مثل: محيط القصر الجمهوري، في رسالة سياسية وعسكرية في آن واحد، وركز على نشر الادعاء بأنها كانت رداً على ما حصل في السويداء.

أما في الجانب الأمني، والذي يرتبط بشكل كبير بالجانب العسكري، تقريباً كل الجهات الإعلامية «الإسرائيلية» ربطت التدخل في الجنوب السوري، واحتمالية انزلاق الوضع هناك بالتخوفات من خلق حالة فوضى أمنية قد تمتد إلى حدود الكيان وما بعدها. بعض الجهات ربطت التدخل بالخشية من أن تستغل إيران وحلفاؤها، وعلى رأسهم حزب الله في لبنان، الفوضى الأمنية لتعزيز تموضعهما على حدود الكيان. لذلك شددت عدة تقارير على أن الاعتبارات الأمنية كانت الحافز الأكبر في شن غارات في مناطق مثل الجنوب السوري، لتكون «رسائل ردع» هدفها منع أي تغيير في موازين القوى في المنطقة.

ثالثاً: الجانب الاقتصادي

ربطاً بعدم الاستقرار السياسي، تناول الإعلام «الإسرائيلي» في بعض التقارير وضع الاقتصاد السوري، مركزاً على جوانب، مثل: استمرار انهيار القدرة الشرائية للعملة السورية، والمستوى المعيشي المتردي، وانكماش النشاط التجاري، وتعمّق الأزمة الاقتصادية في سورية، الأمر الذي أضعف قدرة السلطة في دمشق على بسط السيطرة والتعامل مع الأزمات الداخلية الأخرى. وفي السياق ذاته، لفتت بعض المقالات النظر إلى ضعف قدرة السلطة على دفع رواتب القوات المسلحة والأمن، ما يجعل السلطة أكثر هشاشة، وما يزيد من احتمالية تفككها من الداخل نتيجة انهيار الولاءات الداخلية. في الوقت ذاته، هناك مقالات حول تأثير الوضع في سورية على الاقتصاد في الكيان، وهذا يبدو تهرباً من ربط وضع الاقتصاد داخل الكيان بالكيان نفسه، ومحاولة استخدام الأوضاع في دول الجوار لتبرير المشاكل التي يعاني منها اقتصاد الكيان والتهرب من ربطها بجذرها الحقيقي– أي ممارسات الكيان وتموضعه الدولي المتراجع– وفي الوقت ذاته خلق تبريرات للتدخل في شؤون دول المنطقة، بالأخص عسكرياً. كما تطرقت بعض المقالات إلى الاحتياجات الاقتصادية الهائلة، وبالأخص فيما يتعلق بإعادة الإعمار، واقترحت استخدام هذه الحاجة كورقة ضغط من قبل دول، مثل: أمريكا، ووضع شروط لتحصيل مكتسبات تصب طبعاً في خدمة الكيان وأجنداته.

------___--

مقتطفات من إعلام الكيان

نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» في 16 تموز الماضي، مقالة بعنوان، «إسرائيل تخاطر بالمبالغة في لعب دورها في سورية وسط الصراعات بين الدروز والبدو»، والتي يقيّم فيها الكاتب التدخل «الإسرائيلي» في الجنوب السوري وما يترتب على ذلك من تأثيرات، لا سيما في الجانب السياسي والأمني، وما إذا تعدّت «إسرائيل» حدود هذا التدخل. يقول الكاتب في بداية المقالة، «كلما... تدخلت إسرائيل في مسائل مشكوك فيها لا تهدد المصالح الإسرائيلية بشكل واضح، كلما زادت سرعة خسارة إسرائيل للأوراق الأساسية التي تملكها في سورية... وبعد ثمانية أشهر من حكمه، لم تظهر أي تلميحات إلى أن الشرع قد يهدد إسرائيل، ناهيك عن أي تحرك ملموس للقيام بذلك». يضيف الكاتب في نهاية المقالة، «كلما طال تصرف الشرع بشكل مقبول تجاه القضايا الكبرى، وكلما تدخلت إسرائيل في قضايا يمكن تأطيرها على أنها مثيرة للشكوك ولا تشكل تهديداً واضحاً للمصالح الإسرائيلية، كلما زادت سرعة خسارتها للأوراق التي في حوزتها في سورية، والتي لها أهمية حقيقية».

نشر موقع «ICE» الإخباري في 17 تموز الماضي، مقالة بعنوان، «الفوضى في سورية تؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي: الدولار يرتفع مقابل الشيكل»، ورد فيها أنه «على خلفية التصعيد في المنطقة السورية ودخول آلاف الدروز إلى البلاد لإنقاذ إخوانهم الذين يتعرضون للمجازر على يد نظام الجولاني، وقصف سلاح الجو الإسرائيلي في دمشق، ضعف الشيكل صباح اليوم (الثلاثاء) أمام العملات الأجنبية».

نشر «معهد دراسات الأمن القومي» في 22 تموز الماضي، تقريراً حول أحداث السويداء، يقول: «لقد وضعت الأزمة الأخيرة في جنوب سورية إسرائيل أمام عدة معضلات استراتيجية معقدة... من الواضح أن العنف والقسوة أصبحا القاعدة في سورية»، ويضيف أنه «رغم التوصل إلى وقف إطلاق النار، فإن الوضع لا يزال هشاً ويثير تساؤلات جدية حول أداء النظام السوري الجديد، واستراتيجية إسرائيل تجاه سورية، ومستقبل الاتفاقيات بين البلدين». وفق التقرير، «إن إنشاء نظام جديد في دمشق– يضم أعضاء سابقين في الجماعات الجهادية– يظل مصدر قلق بالنسبة لإسرائيل، وخاصة إذا حاول هذا النظام إعادة تأكيد السيطرة العسكرية على جنوب سورية». وحول التدخل «الإسرائيلي»، يشير التقرير إلى أنه «من وجهة نظر دمشق وحلفائها، أكّد تدخل إسرائيل الرواية السائدة بأنها تسعى إلى زرع الفرقة بين الطوائف وتفتيت الدول العربية لإضعافها. وصدرت تصريحات مماثلة من تركيا والأردن والسعودية وقطر، أدانت جميعها التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية السورية، وأعربت عن دعمها لوحدة أراضيها وأمنها... ومن الواضح أن إسرائيل لم تحدد بعد الإطار الذي ستتم حماية مصالحها الأمنية فيه على نحو أفضل في سورية– موحدةً أو مجزأةً».

أما حول ما هو الأفضل للكيان، يقول التقرير، «نظرياً، يُمكن لنظام مركزي مستقر وقوي أن يُسيطر على سورية، بما في ذلك على طول الحدود مع إسرائيل. لكن في الوقت الحالي، ليس هذا هو الحال... في المقابل، يُمكن لنظام ضعيف ودولة مُجزأة تُهيمن عليها فصائل مُتطرفة وعنيفة عديدة أن تُؤدي إلى فوضى وعنف مُمتدّين إلى الأراضي الإسرائيلية، دون وجود جهة فاعلة واضحة يُمكن لإسرائيل التواصل معها. وبينما كانت الديناميكيات على الأرض وأدوار الدول الإقليمية والولايات المتحدة حاسمة في تهدئة التوترات وحل الأزمة، فقد أثّرت الإجراءات الإسرائيلية بشكل كبير على مسارها... على المدى القصير، قد تؤدي الصدمة الحالية إلى تجميد مطول لأي قنوات حوار أو تفاوض بين القدس ودمشق. إن تفاقم انعدام الثقة، إلى جانب الخطاب الحاد من كلا الجانبين، قد يعيد البلدين إلى نمط مألوف من العداء. في مثل هذه الحالة، حتى حادثة معزولة– مناوشة حدودية، أو هجوم ميليشيات، أو استفزاز– قد تتفاقم إلى صراع أوسع نطاقاً في غياب آلية تنسيق لمنعها... في المقابل، فمن الممكن أيضاً أن تعود عملية التوصل إلى اتفاق تفاوضي إلى مسارها من هذه النقطة– وبدعم أمريكي– وربما بقوة متجددة، انطلاقاً من إدراك أهمية منع جولة أخرى من العنف».

يوصي التقرير، بأن «الرسالة الرئيسية التي ينبغي لإسرائيل أن تنقلها بالتنسيق مع واشنطن هي أن استمرار المساعدات الدولية لإعادة إعمار سورية– فضلاً عن الاعتراف بالنظام الجديد– سيكون مشروطًا بسلوكه».

نشرت صحيفة «إسرائيل اليوم» في 23 تموز الماضي مقالة بعنوان، «إسرائيل منخرطة في محادثات تبادل الأسرى بين الدروز والبدو في سورية»، يقول فيها الكاتب، «شارك مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى في الأيام الأخيرة في مفاوضات بين الدروز والبدو في سورية بشأن تبادل الأسرى. وقد عززت الأحداث الأخيرة في السويداء الموقف الأمني الإسرائيلي بضرورة الحفاظ على سيطرتها على المنطقة العازلة في سورية على المدى القريب، نظراً لمخاوفها من نشاط إسلامي محتمل يستهدف المجتمعات الإسرائيلية... وبحسب مسؤولين إسرائيليين كبار، فإن المصلحة الإسرائيلية الأساسية في هذه المرحلة هي تهدئة التوترات في سورية، على الرغم من اعترافهم بأن أي هدوء ناتج عن ذلك سيكون مؤقتاً على الأرجح». وتضيف المقالة، «يجادل المسؤولون المعنيون بالأمر بأن أعمال العنف الأخيرة في السويداء تُبرز ضرورة حفاظ إسرائيل على وجود عسكري في المنطقة التي سيطرت عليها في كانون الأول 2024... كما يقولون، ليس هناك ما يضمن أن الاستخبارات الإسرائيلية ستكتشف مؤامرة لاستهداف المدن الإسرائيلية... منذ السابع من أكتوبر، أكدت القيادة السياسية والدفاعية في إسرائيل مراراً وتكراراً على ضرورة إقامة مناطق عازلة على طول جميع حدودها لضمان سلامة المجتمعات الإسرائيلية القريبة من الحدود».

نشرت صحيفة «إسرائيل اليوم» في 24 تموز الماضي مقالة بعنوان، «مسؤول عسكري كبير يحذر نتنياهو من أنه لا يمكن الوثوق بالنظام السوري»، يقول فيها الكاتب، أنه «خلال اجتماع أمني رفيع المستوى في مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو... أصدر مسؤول عسكري كبير تحذيراً صارخاً: «يجب ألا نثق بالنظام السوري. علينا أن نحافظ على شكوكنا الشديدة تجاههم». وأكد مسؤول دفاعي رفيع المستوى خلال الاجتماع أن «فظائع ومجازر ارتُكبت هناك، ولم يوقفها إلا ما قمنا به». وفي حديثه المباشر مع نتنياهو، قال المسؤول: إن مبادرات رئيس الوزراء دفعت نظام الشرع إلى التراجع».

نشر «مركز ألما للبحوث والتعليم» تقريراً في آب الجاري، بعنوان، «الاحتياجات الأمنية لإسرائيل في الشمال لا تسمح بالانسحاب من لبنان وسورية»، يقول حول الوضع في سورية: إن «النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع يسعى إلى تحقيق هدف رئيسي يتمثل في إعادة إرساء سيادة الدولة المركزية على جميع أنحاء البلاد. ويتعارض هذا الهدف بشكل مباشر مع المطالب الأمنية العليا لإسرائيل بإنشاء منطقة عازلة موسعة ومنزوعة السلاح في جنوب سورية، تشمل المناطق الواقعة جنوب دمشق». يقول التقرير: إنه في كانون الأول «ومع تقدم قوات المعارضة نحو دمشق، قرر مجلس الوزراء الأمني الاستيلاء على الجزء السوري من المنطقة منزوعة السلاح المُنشأة بموجب اتفاقية فصل القوات لعام 1974... وتلا ذلك على الفور موجةٌ واسعة من الهجمات الجوية يومي 8 و9 كانون الأول 2024، والتي دمّرت بشكل منهجي جزءاً كبيراً من الترسانة العسكرية المتبقية للجيش السوري... وكان الهدف المعلن منع وقوع هذه القدرات في أيدي النظام الجديد، أو جهات مجهولة. ومنذ ذلك الحين، وضعت إسرائيل خطوطاً حمراء واضحة لا هوادة فيها فيما يتعلق بجنوب سورية... يُشكّل الانتشار الحالي للجيش الإسرائيلي في تسعة مواقع أمامية رئيسية على الجانب السوري من الحدود آليةً فعليةً لتطبيق هذه الخطوط الحمراء. ويُعدّ هذا الانتشار مُصمّماً للسيطرة المباشرة على البيئة الأمنية، بدلاً من الاعتماد على ضمانات من حكومة جديدة، والتي لا يُمكن الوثوق بها حتى كتابة هذه السطور، من وجهة نظر إسرائيلية».

يضيف التقرير، «يروج الزعيم السوري الجديد أحمد الشرع لخطة سياسية موضوعها المركزي هو عكس التفتت: إعادة البناء الوطني والسيادة المركزية... بالنسبة للشرع، فإن قبول منطقة أمنية بحكم الأمر الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية في الجنوب، والتي لا يُسمح لجيشه الوطني بالعمل فيها، سيكون ضربةً لا يمكن التسامح معها لهذا المشروع برمته. سيُقوّض شرعيته علناً، ويُصوّره ليس كمُعيد للسيادة السورية، بل كقائد ضعيف عاجز عن السيطرة على أراضيه. لذا، فإن مطالبة إسرائيل بجنوب منزوع السلاح ليست مجرد قضية أمنية لدمشق؛ بل هي تحدٍّ مباشر ووجودي للمبادئ الأساسية للدولة السورية الجديدة».

------___---1

نشر «معهد القدس للاستراتيجية والأمن» مقالة في 3 آب الجاري، بعنوان، «الأزمة السورية فرصة لترسيخ مكانة إسرائيل كقوة إقليمية»، ورد في مقدمتها، «تستغل إسرائيل تفتت سورية لتعزيز مصالحها الأساسية: منع الوجود الإيراني، والحفاظ على جنوب منزوع السلاح، مع تأكيد نفسها كقوة إقليمية حاسمة». تبدأ المقالة بتوصيف الوضع في سورية، «لم تعد سورية في عام 2025 الدولة الموحدة التي كانت عليها من قبل. فالحرب التي بدأت في عام 2011، تركت البلاد، بحكم الأمر الواقع، مجزأة إلى مناطق نفوذ تسيطر عليها مجموعات عرقية ودينية مختلفة. الأكراد في الشمال الشرقي، والدروز في منطقة جبل الدروز في الجنوب، والعلويون على طول الساحل، والسنة في المناطق الوسطى والشرقية– معظمهم الآن يعملون ككيانات شبه مستقلة، وغالباً ما يكونون تحت رعاية قوى أجنبية، مثل: تركيا وروسيا وحتى إسرائيل. لم تعد الدولة تعمل ككيان حاكم مركزي، وتمارس الحكومة المركزية في دمشق سيطرة محدودة. وقد اشتد تآكل السلطة المركزية مع سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، وأثبت النظام الجديد عجزه عن سد الانقسامات العرقية والطائفية في البلاد. ومن المهم أن نلاحظ أن سورية لم تكن دولة قومية حقيقية منذ البداية، بل كانت عبارة عن فسيفساء من المجموعات العرقية التي أنشأتها اتفاقيات سايكس بيكو والانتداب الفرنسي».

تضيف المقالة، «يدرك الشرع تماماً نقاط ضعفه. فهو يعلم أن حكمه غير مستقر، وأن غياب السيطرة الفعلية على كامل الأراضي السورية قد يُعرّض منصبه للخطر. ولمعالجة هذه النقاط، يسعى إلى تعزيز الالتزامات الداخلية والخارجية تجاه قيادته. ويمضي بحذر، ساعياً إلى البقاء وفياً لأجندته الأيديولوجية والسياسية، وفي الوقت نفسه، ضامناً الدعم الواسع اللازم لجذب الاستثمارات لإعادة بناء الاقتصاد السوري المُدمّر. إن إدراكه لموقفه الهش يدفعه إلى استخدام خطاب غامض، بما في ذلك تجاه إسرائيل، في محاولة لتجنب المواجهة المباشرة– وفي الوقت نفسه يحاول إظهار القوة كمدافع عن السيادة السورية». وحول الكيان، «رسّخت إسرائيل مكانتها كقوة إقليمية قادرة على التأثير في مجريات الأحداث في سورية. وهي تُعزز مصالحها بالقوة العسكرية والأدوات الدبلوماسية. وتتمحور هذه المصالح حول ثلاثة أهداف رئيسية: منع ترسيخ وجود إيراني في سورية (وهي مصلحة مشتركة مع الشرع)، وضمان نزع السلاح من جنوب سورية، وحماية الأقليات– وخاصة الدروز– الذين تعتبرهم إسرائيل حلفاء».

حول ما يمكن توقعه، تقول المقالة، «لا يزال الوضع في سورية متقلباً ومعقداً. ومن غير المرجح أن تتوحد الدولة المجزأة تحت سلطة مركزية قوية في أي وقت قريب، ويشير ضعف الشرع إلى أن أحد السيناريوهات المحتملة هو استمرار انهيار السيطرة، بل وتوسعه. تواصل إسرائيل، كقوة إقليمية، استغلال الفراغ لتحقيق مصالحها، لكن أفعالها ليست خالية من المخاطر... وبما أن الاستقرار في سورية يبدو مستبعداً في المستقبل القريب، ستحتاج القيادة الإسرائيلية إلى تقييم أفضل مسار عمل من بين عدة بدائل. ولكن في نهاية المطاف، إذا أرادت إسرائيل تنفيذ تصريحات رئيس الوزراء ووزير الدفاع بشأن حماية الأقلية الدرزية، فسيتعين عليها إحداث تحول ملموس على الأرض، لا سيما من خلال بناء منطقة نفوذ في منطقة جبل الدروز، بما في ذلك إنشاء قوة مسلحة درزية برعاية إسرائيلية. في الوقت نفسه، ستحتاج إسرائيل إلى مواصلة فرض نزع السلاح في جنوب غرب سورية (من دمشق جنوباً). وقد تحتاج حتى إلى توسيع منطقتها العازلة لمنع العناصر الجهادية من التسلل إلى المنطقة والاقتراب من مرتفعات الجولان... البديل الأوسع هو الترويج علناً لتقسيم سورية إلى كيانات مستقلة على أسس طائفية: الدروز في الجنوب الغربي، والأكراد في الشمال، والعلويين في الغرب، والسنة في وسط البلاد».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1238