إغضاب المُستعمِر أسهل من استرضائه!
آفة قسم كبير من السلطات التي تعاقبت على سورية عبر عقود طويلة، بل وقسم من القوى السياسية في سورية، هي أن أنظارها بقيت موجهة إلى الخارج وطلباته وتوازناته طوال الوقت، ولم تعر الداخل أي اهتمام، أو وزن حقيقي في صياغة سياساتها.
من الصحيح أن الخارج في عالمنا المعاصر، متداخل إلى حد كبير مع الداخل، ومؤثر بشكل كبير على ما يجري في الداخل، ولكن مع ذلك، فإن الأصل في صياغة السياسات الوطنية هو النظر إلى الداخل، إلى الشعب السوري وحاجاته، والاستناد إليه والاستقواء به.
تصبح معادلة الداخل والخارج أكثر تعقيداً وخطورة، حين تلجأ بعض الأنظمة إلى استرضاء الخارج على حساب الداخل؛ رأينا هذا بشكل واضح أيام بشار الأسد في المجال الاقتصادي، حيث تم تدفيع الشعب السوري أثماناً باهظة عبر الامتثال لوصفات صندوق النقد والبنك الدوليين؛ عبر تعميق مسار الخصخصة وضرب قطاع الدولة، وتقليص الدعم الاجتماعي والدور الاجتماعي للدولة، وهي الإجراءات التي رفعت نسبة الفقر في سورية خلال 5 أعوام بين 2005 ونهاية 2009، من 30% إلى حوالي 44% من السكان، ما ألقى أكثر من 3 ملايين إنسان سوري تحت خط الفقر، ومهد الأرضية للانفجار الكبير عام 2011.
اليوم لدينا معادلات شبيهة؛ حيث يسعى الأمريكي، ومن خلفه «الإسرائيلي»، وعبر الابتزاز الاقتصادي بسلاح العقوبات، وعبر الابتزاز العسكري بالقصف والاعتداءات «الإسرائيلية» المتكررة، وعبر الضغط السياسي والإعلامي والاجتماعي، من خلال بث الفتن والدعوة لتقسيم سورية، ودعوة أبنائها لمقاتلة بعضهم بعضاً تحت خليط من الشعارات الطائفية والدينية والقومية والعشائرية وحتى الوطنية العامة!
تاريخ خمسة قرون من الاستعمار الغربي لدول الجنوب العالمي، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن إغضاب المستعمر كان دائماً أقل تكلفة من إرضائه؛ فالمستعمر لا يرضى عن بلد من بلدان الجنوب العالمي، إلا وهو راكع على ركبتيه، ضعيف مفتت مقسم ومدمى...
الخلاص الحقيقي الذي ينبغي البحث عنه هو بالضبط عبر إغضاب المستعمر لا عبر إرضائه، وإغضاب المستعمر له أدواته الواضحة؛ لأن أكثر ما يمكن أن يغضب الأمريكي و«الإسرائيلي» هو التالي:
أولاً: علينا كسوريين أن نتوحد وننبذ الخطاب الطائفي التحريضي، ونرفض سفك دماء بعضنا البعض تحت أي ذريعة كانت.
ثانياً: كي نتوحد فإن علينا أن نتعامل مع بعضنا البعض كإخوة وأبناء بلد واحد متساوين في الحقوق والواجبات.
ثالثاً: الطريق العملي للوصول إلى هذه الوحدة هو المؤتمر الوطني العام الذي يجمعنا ويكون منصة نتوافق عليها على مستقبل بلادنا بمختلف تفاصيله، بما في ذلك شكل الدولة والسلطات وتوزيع الصلاحيات بينها، ومسائل المركزية واللامركزية، والنموذج الاقتصادي المنشود، إلى غير ذلك من الأمور التي تحتاج توافقاً حقيقياً بين السوريين.
رابعاً: علينا ألا ننخدع بحال من الأحوال بالأكاذيب والوعود الأمريكية، وعلينا ألا نضع بيضنا في سلة الأمريكي، لأنه سيكسره على رؤوسنا بالضرورة، وعلينا بالمقابل أن نصيغ علاقاتنا الخارجية بشكل متوازن بحيث لا نكون فريسة للتخريب الأمريكي و«الإسرائيلي»، وبحيث لا نقع في مصيدة «الإسرائيلي»، والأمريكي «وسيطاً نزيهاً» كما يقول عن نفسه، في حين نرى مدى نزاهة وساطته في أجساد أطفال غزة على سبيل المثال لا الحصر...
اليوم، وبينما يحاول الصهيوني إغراق الإعلام بالأحاديث عن التطبيع، ويشغل جيوشه الإلكترونية، وعملاءه المنحطين من أبناء جلدتنا، كي يقنعونا بأن سورية الموحدة قد انتهت إلى غير رجعة، وأن التقسيم هو قدر لا راد له، فإن علينا مسؤوليات مضاعفة في كسر هذه الأكاذيب، بالضبط، عبر توحيد السوريين، وعبر قطع دابر الفتنة الداخلية، وعبر التوقف نهائياً وبشكل فوري عن التعامل باستكبار وبعقلية الغلبة مع الداخل السوري... علينا أن نتحلى بالتواضع مع أبناء بلدنا، وأن نحترم تضحياتهم وآلامهم، وأن يكونوا النقطة التي تتوجه إليها أنظارنا، وأن يكونوا محور اهتمامنا وتفكيرنا، لا أن يكون الخارج وصفقاته ووعوده حبل النجاة المفترض، والوهمي في نهاية المطاف...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1236