الدولة بين السيطرة والهيمنة...

الدولة بين السيطرة والهيمنة...

يميز علماء الاجتماع السياسي، في إطار دراستهم للعلاقة بين السلطة والشعب، بين جهاز الدولة والشعب، بين مفهومين مهمين هما السيطرة والهيمنة.

أما السيطرة، فهي عملية إخضاع الناس بالقوة، عبر أجهزة القمع بأنواعها المختلفة، ابتداء من أجهزة القمع الصلبة، مثل الأمن والجيش والسجون، ووصولاً إلى أجهزة القمع الناعمة، أي عبر الإعلام والثقافة واستخدام الدين والعقائد وإلخ.

وأما الهيمنة، فهي مفهوم أوسع وأعقد؛ فهي تتضمن السيطرة، أي تستخدم الأدوات التي تستخدمها السيطرة، لكن مع أدوات عديدة إضافية كلمتا السر فيها هما «التوافق» و«الرضا الاجتماعي». إضافة إلى أن الهيمنة تقوم بشكل أساسي على التوافق؛ أي أن مركز ثقلها هو التوافق، ولا تستخدم أدوات السيطرة المباشرة إلا في حالات طارئة وبشكل جزئي، وبالاستناد إلى التوافق والرضا الاجتماعي.

قبل تفسير معنى التوافق والرضا الاجتماعي، من المهم الإشارة إلى أن علماء الاجتماع السياسي، وعبر دراسة عدد كبير جداً من النماذج السياسية حول العالم، قد وصلوا إلى استنتاج واضح ومثبت هو التالي: الأنظمة السياسية التي تقوم على «السيطرة»، ورغم ما تبدو عليه من قوة ظاهرية ومن قدرة على القمع والضبط، إلا أنها في الحقيقة أنظمة شديدة الهشاشة، وعاجزة عن التكيف مع المتغيرات، ومعرضة للسقوط بشكل دائم، وغالباً ما تدفع بلدانها نحو أزمات ضخمة تصل حد الحروب الأهلية والدمار. بالمقابل، فإن الأنظمة التي تقوم على «الهيمنة» هي أنظمة أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع المتغيرات، وأكثر قدرة على الاستمرار.

بالعودة إلى مفهومي التوافق والرضا الاجتماعي، فإن المقصود بهما من حيث الجوهر، هو أن تتمكن السلطة/النظام/الدولة من توفير قدر كافٍ من الإجماع الوطني حولها وحول سياساتها، وضمناً سياساتها الوطنية والاقتصادية-الاجتماعية والديمقراطية. وكي تتمكن من تحقيق القدر الكافي من الإجماع، فإن عليها أن تصيغ سياسات مرتبطة بالمصالح الفعلية للمجتمع، ويشعر من خلالها المواطنون بأنهم يعيشون في دولة تحترمهم وتحترم حياتهم ومستقبلهم، وتمنحهم الأمل في مستقبل أفضل، ولا تحكمهم عبر الخوف والقمع.

باستخدام مفهومي «السيطرة» و«الهيمنة» في تشخيص الواقع السوري الحالي، يظهر أن قسماً مهماً من السلطات القائمة، يتبع مفهوم «السيطرة»، وإذا كان اتباع عقلية «السيطرة» أمراً مضراً يعرض من يتبعه للهشاشة والضعف على العموم، ففي وضع مثل وضع سورية اليوم، الهشة أصلاً، والتي تعاني من شتى أنواع التدخلات الخارجية، فإن تبني عقلية «السيطرة» يتحول إلى مسألة مدمرة وخطيرة للغاية، ليس للسلطة فحسب، بل وللدولة نفسها وللمجتمع...

فهم الأمور بهذه الطريقة، يسمح برؤية الحل الواضح، وبرؤية الضوء في نهاية النفق؛ المطلوب هو توافق ورضا اجتماعي واسع، وهذا غير ممكن دون الانتقال نحو المشاركة الحقيقية، ونحو إنهاء عقلية الاستئثار و«الغلبة/السيطرة»، والتخلي عن أوهام الاستقواء بقسم المجتمع السوري إلى طوائف وقوميات وأديان؛ فالسوريون يرفضون بالممارسة العملية أن يتم حشرهم في هذه التصنيفات. وعملية الاستقواء ينبغي أن تكون بالسوريين كلهم ضد أي تدخلات خارجية... ومفتاح هذه المسألة هو المؤتمر الوطني العام الجامع الشامل، كمنصة انطلاقٍ باتجاه بناء سورية الجديدة على أساس التوافق بين أبنائها...

معلومات إضافية

العدد رقم:
0000