تقرير من اللجنة السياسية المؤقتة مقدم لاجتماع الهيئة العامة لتماسك
فيما يلي، تقدم اللجنة السياسية المؤقتة لتحالف المواطنة السورية المتساوية «تماسك»، تقريراً سياسياً مكثفاً عن رؤيتها لأهم الأحداث السياسية والاقتصادية-الاجتماعية والوطنية، التي جرت خلال الأشهر الأربعة الماضية في سورية.
مقدمة:
في أعقاب سقوط السلطة الاستبدادية في أواخر عام 2024، دخلت سوريا مرحلة انتقالية جديدة تتسم بالغموض والهشاشة، في تحول لافت من سلطة قمعية مركزية إلى واقع سياسي متحول لم تستقر معالمه بعد. ورغم بوادر انفتاح نسبي، تظل المخاوف قائمة من إعادة إنتاج الاستبداد بصيغ دينية أو فئوية، أو استمرار التدخلات الخارجية.
في هذا السياق، تبرز استحقاقات البناء المصيرية لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية تعددية يحقق دستورها صيغة متطورة للعلاقة بين اللامركزية والمركزية، تعيد تعريف العلاقة بين المركز والأطراف، لضمان مشاركة مجتمعية فاعلة وتوزيع عادل للخدمات والموارد، مع الحفاظ على وحدة الأرض والشعب وسيادة القانون. هذا النموذج القائم على المواطنة المتساوية يُعد الضامن الأساسي ضد عودة الاستبداد بأشكاله الجديدة، وضد مخاطر التجزئة أو الاحتراب، كما يشكل حاجزاً أمام مخاطر الوصاية والهيمنة الخارجية. فالتضحيات الجسام التي قدمها السوريون، تُلزمنا اليوم بتحويل الألم إلى مشروع وطني متجدد وطن للجميع، لا للفئات أو الطوائف.
أولاً: السلم الأهلي
بيّنت مجريات الأشهر الماضية وحوادثها الجسام أنّه لا يمكن فصل السلم الأهلي والعدالة الانتقالية عن عملية الانتقال الديمقراطي، أو إعطائهما الأولوية عليها - كما اتجهت الأذهان لحظة سقوط السلطة البائدة- إذ أدّى تشويه هذا الانتقال، وعدم السير به بالاتجاه الصحيح، إلى جرائم وانتهاكات فظيعة حملت أبعاداً طائفية في مناطق متعددة من البلاد من دون أن تبدو لذلك نهاية واضحة، وإلى عمليات خطف واعتداءات وتدخلات عنيفة في حياة البشر وممتلكاتهم وحقوقهم وثقافتهم وحرياتهم الشخصية، بلا حسيب أو رقيب، إضافة إلى عودة تصاعد النشاطات ذات الطابع الإرهابي كما جرى في التفجير الإجرامي الذي استهدف كنيسة مار إلياس في حي دويلعة في دمشق.
إنّ السلطات القائمة اليوم، تتحمل المسؤولية الأولى عن حفظ الأمن والسلم الأهلي في مختلف مناطق البلاد، وخاصة تلك التي تقع تحت سيطرتها المباشرة، بما في ذلك الإعلان بأسرع وقت عن نتائج عمل «اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق في أحداث الساحل السوري» بشكلٍ شفاف ونزيه، وإخضاع المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات للمحاسبة والمحاكمة. والتصدي لهذه المسؤولية يتطلب عدم الوقوع في خطأ الاعتماد على ما يُسمى «حلولاً أمنية»؛ ويتطلب بالمقابل، اعتماد الحل السياسي الشامل القائم على إشراك السوريين وقواهم السياسية والمدنية والاجتماعية في الحكم وفق خارطة الطريق المتضمنة في قرار مجلس الأمن 2254 لأنهم أصحاب المصلحة الأولى في تكريس السلم الأهلي وتطويق من يحاولون تخريبه. وحينها فقط يمكن للحلول الأمنية الجزئية أن تصبح ذات معنى، أي عندما تكون جزءاً متفقاً عليه من حل سياسي شامل يقوم على الحوار والتوافق بين السوريين بكل تنويعاتهم، مع تجريم واضح ومحاسبة علنية لكل أشكال التحريض الطائفي وخطابات الكراهية.
بالتوازي، ينبغي ألا يغيب عن بال السوريين جميعاً، أن جهات خارجية متعددة تنخرط بشكل نشط في تحريض السوريين ضد بعضهم البعض، والتحريض باتجاه اقتتال طائفي وقومي وباتجاه تقسيم البلاد، وعلى رأس هذه الجهات تأتي «إسرائيل» التي تعبر بشكل رسمي عن عملها الدؤوب باتجاه تقسيم سورية وتخريبها. وهي تستخدم عملاءها واختراقاتها المتراكمة ضمن كل الأطراف السورية، مؤلبةً بضعها على بعض بمختلف الوسائل، بما في ذلك عبر استثمار واسع النطاق في الإعلام التقليدي وغير التقليدي. الأمر الذي يتطلب درجة عالية من الوعي والمسؤولية في التعامل مع مختلف القضايا، والابتعاد نهائياً عن تخوين السوريين بالجملة على أسس طائفية أو دينية أو قومية.
ثانياً: وحدة سوريا أرضاً وشعباً وسيادتها
تخضع أجزاء واسعة من الجغرافية السورية اليوم، إلى نفوذ قوى متعددة داخلية وخارجية، وتتباين فيها أشكال الإدارة من منطقة إلى أخرى.
كما تشهد الساحة السورية بين الفينة والأخرى أعمالاً عدوانية وتوسعية من قبل الاحتلال «الإسرائيلي» الذي يعتدي على أراضي ومقدرات وسيادة الدولة السورية وعلى أرواح أبناء الشعب السوري. ولم يكن استهداف مخازن الأسلحة وتدمير المقدرات العسكرية للجيش السوري يوم السقوط سوى بداية عدوان جديد مستمر، أخذ في التمدد ليقترب إلى مسافة 20 كيلومتراً من العاصمة دمشق، وقد حاول سلاح الطيران من خلال ضرباته في أثناء أحداث أشرفية صحنايا خلط الأوراق وتسعير المسألة الطائفية، كما شكلت مسألة تمكن «إسرائيل» من الحصول على المقتنيات الشخصية للجاسوس «الإسرائيلي» كوهين ضربة وجدانية لضمير الشعب السوري كله؛ وأثارت تساؤلات حول دور السلطة في ذلك.
يعيد «تماسك» التأكيد على ما ورد في بيانه التأسيسي من ضرورة احترام سيادة الدولة السورية واستقلالها ووحده أراضيها. ويحذّر من خطورة الترويج للتقسيم وتغيير الحدود والحروب الأهلية كأداة لتغيير الخرائط. ويشير «تماسك»، إلى أنه وبالرغم من أهمية وتأثير أدوار القوى الخارجية، إلا أن التوجه نحو الداخل هو الأساس في تعزيز الاستقلالية تجاه الخارج، ومن هنا تأتي أهمية التوافق على شكل الحكم الذي يضمن وحدة السوريين باعتماد مبدأ المواطنة المتساوية، وعدم النظر إلى المجتمع السوري على أنّه مكوَّن أساساً من ملل ومذاهب وطوائف وأديان وقوميات، بل من مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات، تشكّل خلفياتهم القومية والدينية المتنوعة مصدر غنىً وقوة للهوية الوطنية الجامعة؛ والعمل على حل القضية الكردية حلاً وطنياً ديمقراطياً، والاعتراف بحقوق المكونات القومية الأخرى (السرياني الآشوري، الكلدان، التركمان، الأرمن، الشركس ...الخ).
وبالطبع، فإنّه لا يمكن الحديث عن وحدة سوريا وسيادتها بوجود جيوش أجنبية وأراض محتلة ومناطق تحت نفوذ دول أخرى، فلا وجود للسيادة إلا بخروج جميع الاحتلالات والجيوش الأجنبية من كامل الأرض السورية؛ ويؤكد «تماسك» أنه لا يحق لأي سلطة كانت أن تتخلى عن الأراضي السورية وفي مقدمتها الجولان السوري المحتل، وأن أي اتفاقات دولية بمستوى حرب أو سلام هي اتفاقات ينبغي أن تمر بالضرورة عبر سلطة منتخبة انتخاباً حراً ونزيهاً يحقق تمثيلاً فعلياً للسوريين في الداخل وفي أماكن النزوح وفي الخارج.
ثالثاً: المؤسسات العسكرية وحصر السلاح
يرتبط ملف السلم الأهلي ارتباطاً عضوياً بموضوع حصر السلاح وجمعه، وإنشاء مؤسسات وطنية جامعة ينحصر فيها حق حمل السلاح، أي مؤسسة الجيش الوطني ووزارة الداخلية، والتي ينبغي أن تكون حيادية تجاه السياسة، لا تتدخل بها، وتحمي في الوقت نفسه الدستور وحق السوريين في العمل السياسي وفي التعبير عن آرائهم.
إن السير باتجاه تشكيل هذه المؤسسات ما يزال متعثراً بشدة، والسبب الأساسي هو الحالة الفصائلية المهيمنة على المشهد، وأن تشكيل هذه المؤسسة لا يجري حتى اللحظة على أساس توافق وحوار سوري عام، بل يجري انطلاقاً من فرض الأمر الواقع، وفي إطار الحفاظ على السلطات القائمة، ما يجعل من معايير الولاء أهم وأعلى من معايير الكفاءة والانتماء الوطني الجامع، وهذا الأمر يساهم في تعقيد موضوع حل الفصائل المختلفة وتجميع السلاح وحصره.
كما أن موضوع المقاتلين الأجانب ما يزال عقدة تحتاج إلى حل، ليس لأن هذه الجهة الخارجية أو تلك تطالب بذلك، ولكن لأن بناء مشروع وطني سوري يتطلب أن تكون اليد السورية هي العليا في بنائه وإدارته، ما يتطلب إبعاد المقاتلين الأجانب عن مواقع التأثير المختلفة ضمن المؤسسة الوطنية المطلوب بناؤها.
إن السير بالبلاد نحو حالة من الوحدة الوطنية ومن السيادة الحقيقية، يتطلب بالضرورة اعتماد معايير الكفاءة والانتماء الوطني الجامع، بعيداً عن معايير الولاء أو المعايير الضيقة الطائفية وغيرها، في تشكيل المؤسسات الوطنية الجامعة. والطريق نحو إنجاز هذه المهمة يمر بالضرورة عبر المؤتمر الوطني العام المنشود، وعبر حكومة وحدة وطنية تنتج عنه. إن إنشاء مؤسسات وطنية جامعة ينحصر فيها حق حمل السلاح، يتطلب الاستفادة من الخبرات المتراكمة ضمن المجتمع السوري، بما فيها خبرات من لم يتورط بجرائم حرب من المنشقين من جنود وضباط، وأيضاً من لم يتورط بجرائم حرب من جنود وضباط الجيش السوري المنحل.
رابعاً: الإعلان الدستوري والحكومة الجديدة ومجلس الشعب
عبّر «تماسك» في مناسبات سابقة، بينها المؤتمر الصحفي الذي شهد إطلاقه، عن موقفه من الإعلان الدستوري الذي أصدرته السلطات القائمة. ملخص الموقف أن الإعلان لم يرتق إلى مستوى الضرورات التي تواجه البلاد، وخاصة في النقاط التالية:
- الخلل الكبير في توزيع الصلاحيات بين السلطات الثلاث، والذي يجعل من السلطة التنفيذية، ومن موقع الرئاسة خاصة، متحكماً أساسياً بكل السلطات وبصلاحيات شبه مطلقة.
- غياب أي حديث عن الديمقراطية، وعن حكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب، وهو ما يخالف رغبات السوريين وتطلعاتهم سواء خلال نضالهم طوال 14 سنة الماضية، أو قبلها بعقود قدم فيها الشعب السوري تضحيات هائلة من شهداء ومعتقلين من مختلف التيارات السياسية السورية.
- تحديد الفترة الانتقالية بخمس سنوات يعني ضمناً الاستئثار بمصير البلاد وبطريقة إدارتها طوال هذه الفترة، دون أن يكون للشعب السوري رأي يقوله خلال هذه الفترة.
يضاف إلى ذلك خرق السلطة للإعلان الدستوري وتجاوزه في عدة قرارات وممارسات رغم فرضه من السلطة ذاتها؛ وغياب المؤسسات القضائية وفصل السلطات وهيمنة منصب «الشيخ» على أغلب مؤسسات الدولة؛ كما أن العملية الجارية حالياً من أجل تعيين/اختيار أعضاء مجلس الشعب، تشكل خطوة إلى الوراء من حيث الشكل والمضمون؛ فهي تشكل تراجعاً عن مبدأ الانتخاب المباشر باتجاه عمليات تعيين واختيار تتحكم السلطة التنفيذية بمختلف مراحلها، وبنتائجها في نهاية المطاف، الأمر الذي من شأنه أن يتحول إلى فرصة ضائعة إضافية في تحقيق تمثيل حقيقي للسوريين في الداخل وفي الخارج، في أماكن النزوح وفي أماكن اللجوء، وسيؤدي مسار التحكم والهيمنة والإقصاء في العملية الدستورية والتشريعية بالنهاية إلى التأثير على عملية وضع الدستور الدائم.
إن «تماسك»، وإذ يدعو لإعادة النظر في الإعلان الدستوري، فإنه يدعو إلى العمل بالتوازي، وبشكل جاد، من أجل تنفيذ خارطة الطريق المتضمنة في القرار 2254، والتي تتضمن ملفات عديدة بينها الدستور الدائم والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وملفات اللاجئين والمفقودين والانتخابات وغيرها، وذلك ابتداءً بعقد المؤتمر الوطني العام ذي التمثيل الواسع، والذي يجب أن يكون بمثابة جمعية تأسيسية، تأخذ حواراته وقتها الموضوعي الضروري، وأن تكون علنية ومتلفزة، ليرى الشعب السوري بنفسه ما يجري، ويساهم في النقاش وفي إدارة الدفة نحو مصالحه المشتركة، ونحو مصلحة بلاده.
ويرى «تماسك» أن ما جرى في الملف الحكومي وملف الإعلان الدستوري ومؤتمر الحوار الوطني حتى الآن، يشكل محاولة للقفز فوق استحقاق المؤتمر الوطني العام، وحكومة الوحدة الوطنية الجامعة، لمصلحة مؤتمر حوار وطني مختزل من حيث مدته وتمثيله وصلاحياته (توصيات غير ملزمة)، ولمصلحة حكومة جديدة أفضل من سابقتها من حيث الشكل، ولكنها ما تزال تعبر عن رغبة عالية في الاستئثار والعمل بعقلية الحزب القائد، التي لا يمكن لها أن تقود البلاد إلى بر الأمان.
خامساً: الوضع المعيشي
يواصل الوضع المعيشي للسوريين تدهوره، محافظاً على أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر. وقد تلقت الشريحة الأوسع والأفقر في سورية ضربتين كبريين مما بعد سقوط الأسد، وهما رفع سعر الخبز 1150%، ورفع أسعار المواصلات 300-400%، ومع خطة علنية لتسريح مئات الألوف من الموظفين بوصفهم فائضاً، والمباشرة بتسريح جزء منهم عبر إجازات مدفوعة أو بلا راتب وحرمانهم من التأمينات الاجتماعية، في تجاوز سافر للقوانين السورية النافذة.
هذا التغييران ربما لا يعنيان شيئاً للشريحة الغنية في سورية، ولبعض الشرائح التي تتلقى أجوراً بالدولار الأمريكي أو بغيره من العملات الأجنبية، لكنهما تغييران كارثيان بالنسبة للسواد الأعظم من السوريين، بحيث بات الخبز والمواصلات وحدهما كافيان لاستهلاك كامل الدخل لعدد كبير جداً من العائلات السورية الفقيرة.
إن إيجاد السبل المناسبة لإيقاف تدهور معيشة السوريين بشكل سريع، هو واحدة من أهم ضرورات الأمن الوطني، والسلم الأهلي في سورية؛ لأن حالات الفقر والجوع، هي سبب أساسي من أسباب مختلف أنواع الجرائم، ناهيك عن أنها أرض خصبة للاستثمار الخارجي باتجاه التجييش والتوتير الطائفي والقومي.
سادساً: رفع العقوبات والوضع الاقتصادي
شكل قرار رفع العقوبات فسحة أمل بالنسبة للسوريين كلهم، بعد أن افترست العقوبات البلاد وأهلها طوال سنوات. مع ذلك، فإن الكلام عن رفع العقوبات، ورغم مرور أشهر على إطلاقه، لم يتم بعد بشكل كامل، والواضح أنه يجري في إطار ابتزاز سياسي واقتصادي للبلاد وأهلها. وحتى بافتراض رفع العقوبات كاملة ودون شروط، فإنه هذا وحده ليس ضمانة للانتقال بالاقتصاد السوري وبمعيشة السوريين نحو وضع أفضل، بل ويمكنه أن يؤدي وظيفة معاكسة تماماً، في حال اقترن بتبعية اقتصادية مضاعفة، وبإضعاف لدور الدولة الاجتماعي في الطبابة والتعليم ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي، لمصلحة نمط اقتصادي ريعي ضعيف الإنتاجية يعتمد على رؤوس أموال تعمل بالمضاربة وعلى المساعدات الخارجية، وينفذ توصيات ووصفات المؤسسات الدولية، وخاصة صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية.
إن صياغة النموذج الاقتصادي الجديد لسورية، بما في ذلك توقيع العقود الاستراتيجية طويلة الأمد، وطريقة التصرف بقطاع الدولة، ليست من صلاحيات السلطات القائمة بحال من الأحوال، وهي بالضرورة صلاحيات سلطة منتخبة ينتخبها الشعب السوري في نهاية المرحلة الانتقالية.
ولذلك نجد أنَّ تعافي الوضع الاقتصادي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحالة السياسية السورية، لا سيما هوية السلطة القائمة واستراتيجية عملها وقدرتها على إشراك السوريين وإرساء الاستقرار الحقيقي في كافة الأراضي السورية.
هذا لا يعني أنه لا ينبغي عمل شيء حتى انتهاء المرحلة الانتقالية، بل ينبغي عمل أشياء كثيرة على رأسها المسارعة لإعادة السوق الوطنية الواحدة المتصلة، عبر استكمال التفاهمات السياسية الداخلية بأسرع وقت، والاستناد إلى الموارد المحلية وتنميتها، والحفاظ على مكتسبات الناس وفتح أبواب الاستثمار بناء على خريطة استثمارية تكون أولويتها هي الإنتاج المحلي وتعزيزه، في الصناعة والزراعة.
وينبغي، في إطار العمل لاستكمال النموذج السوري الخاص بالاقتصاد، الاستفادة من التوازنات الدولية الجديدة، أسوة بدول عديدة مثل تركيا والسعودية وإندونيسيا وفيتنام، والجزائر وغيرها، والتي لا تجعل من نفسها تابعاً اقتصادياً للغرب، وتستفيد من صعود الشرق اقتصادياً، وتتعامل مع كلا الطرفين لتأمين استقلاليتها الاقتصادية، وتالياً السياسية، وعبر التركيز على القطاعات المنتجة وتنميتها بالدرجة الأولى.
سابعاً: العدالة الانتقالية
أصدر الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع المرسوم رقم 20 القاضي بإنشاء «الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية»، وحصر وظيفته بالكشف عن الجرائم والانتهاكات التي تسبب بها نظام الأسد الساقط، إضافة إلى جبر الضرر ووصولاً للمصالحة الوطنية.
إن النظر إلى العدالة الانتقالية بشكل انتقائي من شأنه أن يجعلها عرجاء ويمنعها من تحقيق وظيفتها الأساسية، ليس فقط في إنصاف الضحايا ولكن أيضاً في وضع أساس متين للسلم الأهلي ولإعادة بناء الهوية الوطنية السورية وكشف مصير المعتقلين والمغيبين قسراً وطي صفحة الاعتقال السياسي والقمع بما يسمح بمنع تكرار المأساة مرة أخرى في المستقبل.
بهذا المعنى، فإنه ينبغي أن تتضمن العدالة الانتقالية البدء بإجراءات بناء الثقة، والكشف عن جرائم كل الأطراف تجاه الشعب السوري، لتكون عملية الكشف والاعتراف أساساً للسلم الاجتماعي وللعبور بالبلاد نحو بر الأمان موحدةً شعباً وأرضاً، ووصولاً إلى مصارحة ومصالحة حقيقية بين كل السوريين... وهذا يتطلب أن يندرج عمل لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري ضمن ملف العدالة الانتقالية أيضاً، وأن يتم الوصول إلى نتائج واضحة ومعلنة بأسرع وقت.
ثامناً: ملف شمال وشرق سوريا
بعد توقيع اتفاق 10 آذار بين السلطة القائمة، وقوات سورية الديمقراطية، تفاءل السوريون خيراً بأن الأمور ستسير في اتجاه إيجابي نحو وحدة سورية متكاملة، جغرافياً وسكانياً. اتضح مع الوقت أن هنالك تعقيدات عديدة تعترض سبيل استكمال الاتفاق وتنفيذه.
مع ذلك، فإنه ينبغي العمل من أجل تثبيت الحوار والتوافق والتفاهم بوصفه الوسيلة الوحيدة للتعاطي بين الأطراف السورية المختلفة، وينبغي أن يكون السوريون على اطلاع بمجريات الحوار، في هذا الملف وفي كل الملفات الأخرى. وفي هذا الإطار، يطالب «تماسك» بألا يكون الحوار بين السلطة في دمشق وقسد أو أي طرف وطني آخر حواراً ثنائياً معزولاً عن بقية الأطراف الوطنية في سورية؛ وعليه فالتحالف يطالب بأن يتم إشراك القوى الوطنية المختلفة في هذه الحوارات، وبما يخدم جسر الهوة بين الأطراف، وتعظيم نقاط التقاطع، وبما يخدم وحدة سورية أرضاً وشعباً.
تاسعاً: دور النساء والشباب في السياسة والحياة العامة
اعترافاً بالدور التاريخي للمرأة السورية التي تحمّلت العبء الأكبر للحرب بصلابةٍ أسطوريةٍ، وحافظت على استمرار الحياة كـ«صمام أمان»، وقدمت مساهماتٍ حاسمةً في النضال التحرري ومحاربة الإرهاب، وتمتلك طاقات بنّاءةً غير مستثمرةٍ لبناء الوطن الديمقراطي؛ وذلك من خلال التزام الدولة بضمان التمثيل النسبي العادل للجنسين ( 50%) في كافة مفاصل الحياة العامة والسياسية كضامنة للحياة الحرة العادلة، وتمكينها مؤسسياً في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية، وتصحيح سياسات الإهمال والغبن التي تحدّ من مشاركتها الفاعلة، وجعلها شريكاً أصيلاً في صنع القرار وقيادة مسارات السلم المجتمعي.
ويُشكل الشباب السوري قاطرة الحراك الثوري ورافعة استراتيجية لبناء المستقبل واعترافاً بدورهم التاريخي كرواد للثورة، واستثماراً لطاقاتهم الخلاقة في إعادة البناء تلتزم الدولة بضمان تمثيلهم بنسبةٍ لا تقل عن (25%) في جميع المؤسسات الدستورية وهيئات صنع القرار.
عاشراً: النقابات واستقلاليتها
تشكلت النقابات في سورية نتيجة لتضحيات ملايين السوريين عبر أكثر من مئة عام، لتكون منصة من منصات النضال الاجتماعي والوطني، وإن كان النظام السابق قد اعتدى على استقلاليتها وأساء لها وعمل على تحويلها إلى أداة بيده، فإن أمامنا اليوم فرصة استعادة استقلاليتها الحقيقية ودورها الوطني والاجتماعي، وهذا يتطلب وقف أي تدخلات فوقية وسلطوية في عملها، ومنع تكرار عقلية الحزب القائد والأجهزة الأمنية في إدارتها. وعليه، ينبغي التراجع عن الإجراءات الفوقية التي يجري فرضها على النقابات المهنية والعمالية والفلاحية، والاستناد إلى مبدأ الانتخاب الحر من قبل أعضائها، بالتوازي مع توسيع عضويتها عبر إعادة من تم فصله منها على أسس سياسية أو كيدية.
تشكل هذه الوثيقة خطوة إضافية في تعميق التفاهمات بين قوى التحالف، وتعتبر جزءاً من وثائق التحالف الأساسية.
يعمل تحالف «تماسك» على بدء حوارات ونقاشات جادة في النقاط التالية من أجل إدراج الخلاصات في الرؤية السياسية التي سيعمل التحالف على إقرارها في المؤتمر القادم:
- المسائل القومية ضمن الإطار الوطني (السرياني الآشوري، الكلدان، التركمان، الشركس، الأرمن، ...الخ).
- دور المجتمع المدني وتفعيل الحياة السياسية.
- الهوية الوطنية السورية الجامعة والهويات الفرعية.
دمشق
10/تموز/2025
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1234