التوازن الدولي ودور الداخل السوري

التوازن الدولي ودور الداخل السوري

السعي الدائم لفهم التوازن الدولي المحيط بسورية هو مسألة أساسية وضرورية لوضع برامج سياسية قابلة للإنجاز، لكن أهمية هذا الفهم لا تلغي بحال من الأحوال ضرورة إدراك حجم الطاقات الكامنة في الداخل والتي يمكن إذا ما جرى توجيهها في المسار الصحيح أن تتحول إلى محرّك جبار يسير بنا على مسار التاريخ الصحيح، فالانطلاق من أن دورنا ينحصر بمراقبة ما يجري حولنا من شأنه أن يدخلنا مجدداً في حالة من الركود والانتظار، فإذا ما قيمّنا الشهور القليلة الماضية يمكننا القول إن قوى الداخل أدّت دوراً أساسياً في لجم الفوضى وكانت تجمعات محلية في المناطق والأحياء والمدن تنزع فتيل التفجير المحدق بنا، فمئات البيانات التي صدرت لم تكن مجرّد أوراق بل عكست نشاطاً داخل المجتمع لم يجد بعد أشكالاً أخرى للتعبير عن ذاته، ولكن الواقع يثبت أن قوى واسعة في المجتمع السوري تعمل ليلاً نهاراً على بناء التوافقات وتستند في ذلك إلى رصيد كبير يعود في جذوره إلى نشوء سورية التي نعرفها اليوم، وإن كان هذا الإرث الكبير قد جرى تهميشه لعقود، فإنه عاد اليوم بقوة ليس فقط عبر استحضار للماضي بل كمحاولة جادة لإعادة إنتاج تجربة تاريخية طويلة يرى فيها السوريون طريقاً للخلاص.

تبدو الأصوات الناشزة اليوم مرتفعة وتغطي مساحة كبيرة من وسائل التواصل الرقمي لكنّها ورغم خطورتها تنبّه العقلاء لضرورة انخراطهم وممارسة دورهم الوطني، ولن يمضي وقت طويل حتى تدرك هذه الشرائح في المجتمع أنّها تعمل لهدف واضح وتدرك أنّها أمام استحقاق يخرجها من كونها مبادرات مناطقية لتأخذ شكلاً وطنياً عاماً، فما الفارق بين أولئك الذين عملوا على التهدئة في الساحل ووقف الجرائم الطائفية وبين من عمل في دمشق للحفاظ على السلم الأهلي أو التيار الواسع في الجنوب السوري الذي يعمل على تأريض أيّ محاولة لجر المنطقة لاقتتال طائفي؟ كل هذه المبادرات الأهلية تنطلق من فكرة جوهرية واحدة وهي وحدة الشعب السوري وحجم المصلحة المشتركة في الحفاظ على هذه الوحدة، كل هؤلاء هم جزء من تحالف سياسي ومجتمعي عريض لم يدرك ذاته بعد، ولكنه ينضج أسرع مما قد يبدو ظاهرياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
000