ما الذي يعنيه التغول على كرامة الناس وحرياتهم؟
تمارس فئات وعناصر رسمية أو شبه رسمية، تغولاً متزايداً على حريات الناس وكراماتهم، وفي مناطق متعددة من البلاد، وكل ذلك باسم «الدين»؛ ابتداءً من التضييق على النساء، ومروراً بمحاولات صياغة «الأخلاق العامة» انطلاقاً من تفكير محدد ضيق يعيد إلى الذاكرة المشاهد التي رافقت سيطرة داعش على الرقة وغيرها من المناطق السورية. وترى هذه الفئات في عموم الشعب السوري، بكل طوائفه ومذاهبه وأديانه ومعتقداته، شعباً ضالاً جاهلياً ينبغي إعادته إلى «جادة الصواب» ليس بالدعوة فحسب، بل وبالقسر، وبالعصا، وبقوة السلاح!
وحتى اللحظة، لا يتم تبني أي من هذه التصرفات بوصفها سياسات رسمية تتبعها الحكومة، وفي بعض الأحيان، وحين تجري حوادث فاقعة في تغولها على كرامة الناس، يجري اعتبارها أحداثاً فردية، وتقديم وعود بمحاسبة مرتكبيها، دون أن تحدث محاسبة شفافة وفعلية وعلنية، بل وفي بعض الأحيان يعود المرتكبون للظهور بفيديوهات مستفزة للإعلان عن أنفسهم، وعن أنهم لم يطلهم أي أذى، وأنهم ماضون فيما يفعلون...
إذا تركنا جانباً كل المبادئ الخاصة بالكرامة الإنسانية وضرورة صونها واحترامها، والتي من المفترض أن تكون قيمة عليا في سورية ما بعد الأسد، وناقشنا الموضوع من زاوية براغماتية بحتة، فإن من الممكن تسجيل الأفكار الأساسية التالية:
أولاً: محاولة سوق المجتمع بالعصا، وإرغامه على انتهاج طرق تفكير محددة، من شأنه أن يعزز هشاشة هذا المجتمع، وأن يرفع مستوى الطائفية والأحقاد والمظالم ضمنه، ما يهدد وحدته ووحدة البلاد واستقرارها وسلمها الأهلي.
ثانياً: كل سلوك قسري ذي طبيعة طائفية، وخاصة في حال كان ذا خلفية متطرفة وتكفيرية، من شأنه أن يعزز من التدخلات الخارجية في البلاد، وأن يضعفها أكثر، ويضعف ليس فقط المجتمع، ولكن السلطة أيضاً، سواء بسواء.
ثالثاً: ما يسمح لأي سلطة من السلطات بالبقاء والاستمرار هو مدى الرضا الاجتماعي عنها، والرضا له مركبات اقتصادية وديمقراطية ووطنية، وحين لا يتم تحقيق أي تقدم جدي في أي من هذه المجالات، يتركز الجهد الأساسي في البحث عن الإنجازات الشكلية لتكوين عصبية محددة وظيفتها حماية السلطة... هذا النوع من العصبيات يضع السلطة شيئاً فشيئاً في مواجهة المجتمع.
رابعاً: أخلاق الناس انعكاس للواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه؛ فمن يريد تحسين أخلاق مجتمع من المجتمعات، عليه أن يركز جهوده على تحسين الصناعة والزراعة والتعليم والصحة، عليه أن يؤمن فرص العمل، ويبني المستشفيات والمدارس والجامعات، ويعزز البنى التحتية... وعليه أن يعيد توزيع الثروة لمحصلة المجتمع، بحيث يتجاوز شيئاً فشيئاً آفات الفقر والجهل. وبهذا المعنى، فإن التركيز على استحضار العصبيات الطائفية والقبلية هو في جوهره هروب من إنجاز الاستحقاقات الوطنية والاجتماعية التي ينتظرها الشعب السوري بأسره بعد عقود طويلة من القمع والقهر والنهب...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 000