الأملُ... كقوة دفعٍ عظيمة نحو السلم والاستقرار والبناء
يرى أحد أهم الزعماء الثوريين في القرن العشرين، أن «الروح المعنوية يمكنها مضاعفة قوة السلاح عشرة أضعاف، ويمكنها أيضاً إضعافها عشر مرات». يصح هذا القول في توصيف القوة العسكرية للجيوش والتنظيمات العسكرية، ويصح أيضاً، وربما بشكل ملموس أكثر، في توصيف قوة المجتمعات والدول.
المراقب لحركة الشارع السوري خلال الأشهر الثلاثة الماضية منذ فرار بشار الأسد، يمكنه أن يلحظ موجات متعددة من الصعود والهبوط في المزاج الشعبي العام. في اللحظات والأيام والأسابيع الأولى، كانت هنالك دفقة كبيرة من الدوبامين، من الشعور العام بالنشوة والانفراج. انعكس ذلك، ليس فقط في اتساع الرغبة العامة في النشاط والعمل السياسي والاجتماعي والمدني، عبر كم كبير من النشاطات والفعاليات والندوات وإلخ، ولكن انعكس حتى في وجوه الناس؛ فرغم أن علامات التعب والإنهاك وسوء التغذية تكسو وجوه الغالبية الساحقة المسحوقة من السوريين، إلا أن العيون كانت تحمل بريقاً خاصاً، بريقَ أمل ورغبة في العمل وفي الانعتاق، وفي بناء البلاد من جديد وتنظيفها من السخام الذي تراكم على وجهها، حتى باتت تشبه وجوه الأطفال منظفي المداخن في رواية ليزا تيتزنر «الإخوة السود»؛ وجوه وأجساد غضة ومنهكة ومتسخة، ولكنها تختزن طاقات كبرى كامنة، تنتظر اللحظة المناسبة لتملأ الدنيا بهجة وفرحاً ولعباً...
المزاج الإيجابي هذا، للأسف، لم يدم طويلاً... وبدأ بالتراجع شيئاً فشيئاً تحت تأثير عوامل متعددة ومتراكبة: الوضع المعيشي البائس الذي بقي بائساً إن لم يزدد بؤساً، مع غياب مؤشرات تحسنه في أي وقت قريب؛ فلا العقوبات رفعت، ولا ظهرت حلول جدية، أو حتى خطط جدية لحلول تعتمد على الإمكانات المحلية، ولم تظهر توجهات واضحة بالبحث عن مخارج حتى مع استمرار العقوبات. وفوق ذلك جرت عمليات فصل واسع من وظائف الدولة، غير مبررة ولا مفهومة بجزئها الأعظم. وزاد في الطين بلة الدخول الواسع للبضائع الأجنبية التي طوقت ما بقي من ورشات ومعامل محلية، ووضعتها في ظروف منافسة غير عادلة نهائياً.
بعد ذلك بدأت التوترات الأمنية بالتصاعد وصولاً إلى ذروة مفجعة ومرعبة عبر ما جرى في الساحل السوري، والذي أعاد إطلاق أشباح الماضي، وأطلق يد القديم الميت لتمسك بتلابيب الجديد الحي الذي ما يزال في طور الولادة.
ترافق ذلك كله بإجراءات عامة بالمعنى السياسي، لم تعكس رغبة واضحة في المشاركة الواسعة بين كل السوريين في بناء بلدهم، وألقت بظلال من الشك على الآفاق المستقبلية من جديد... هذه العوامل مجتمعة، أودت بالنشوة المؤقتة وبالمزاج العالي الذي رافق فرار الأسد، وزوال حكم أطبق على رقاب الناس أكثر من 50 عاماً.
مع ذلك، فإن الطاقة الإيجابية الكامنة في روحية الشعب السوري، وفي رغبته في إعادة توحيد بلاده وفي إعادة بنائها وتطويرها، هي طاقة عظيمة يمكن الاستناد إليها، بل ولا يمكن الاستناد إلا إليها، أولاً وأخيراً.
وأما المزاج، فهو كالعادة متقلب متغير، هو حالٌ وليس مقاماً إذا استخدمنا لغة الصوفيين، وكل حالٍ زائل. ولذا فعلى أولئك الذين يقولون كلمة الحق أن يقفوا معها حتى تزهر، لا أن يلقوها ويمضوا للاعتكاف بعيداً عن خلق الله، في معازلهم النخبوية.
زراعة الأمل بتوحيد البلاد وبنائها، وزراعة الثقة بقدرة السوريين بمختلف مكوناتهم واصطفافاتهم، بمن في ذلك الإدارة الجديدة نفسها، والقوى السياسية والاجتماعية المختلفة، وعبر التعاون والحوار والتكافل والتضامن، هي زراعة لا تبور، وتصل إلى نتائجها وثمارها ضمن آجال زمنية تحكمها قوانين الطبيعة ومواسمها، والموسم وجناه بات أقرب بكثيرٍ مما يبدو، خاصة وأن الطفيليات الأخطر التي امتصت دماء شعوب المنطقة بأكملها، وعبر سنوات، إلى تراجع وانحدارٍ متواصل، ونقصد على الخصوص الكيان «الإسرائيلي» الذي بات الحديث عن أنه يعيش سنواته الأخيرة، حديث أصحابه قبل أعدائه...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1220