هل من علاقة بين وثائق اغتيال كينيدي ومستقبل «إسرائيل» والصراع الداخلي الأمريكي؟

هل من علاقة بين وثائق اغتيال كينيدي ومستقبل «إسرائيل» والصراع الداخلي الأمريكي؟

بتوجيه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تم في 17 آذار الجاري نشر سجلات تم حجبها سابقاً لتصنيفها على أنها معلومات سريّة، والتي تشكل جزءاً من مجموعة سجلات حول اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي في تشرين الثاني 1963. ووفقاً لموقع الأرشيف الوطني، اعتباراً من 18 آذار، أصبحت السجلات متاحةً للوصول إليها، إما عبر الإنترنت أو شخصياً، سواء عبر نسخة ورقية أو عبر وسائط تناظرية، في الأرشيف الوطني، ومع استمرار رقمنة السجلات، سيتم نشرها على الموقع. ووصل عدد الملفات التي تم نشرها إلى 2343، حيث يوجد ضمن كل ملف وثيقة أو أكثر، ويقدّر عدد الوثائق التي تم نشرها بأكثر من 60 ألف صفحة، ووفق تقديرات بعض الباحثين، 3000 إلى 3500 ملف لا يزال غير منشور، إما بشكل كامل أو جزئي.

أشارت معظم ردود الفعل الأولية إلى عدم وجود شيء جديد في الوثائق، أو معلومات مفيدة قد توضح الظروف المحيطة بوفاة الرئيس الأمريكي، وذلك على أساس تصفح باحثين لما تم نشره. ما يطرح السؤال حول ما الذي كان يبحث عنه الباحثون ولم يجدوه، ولكن الأهم، هل هناك ما تم كشفه، ولكن تقصدت الجهات الإعلامية الرئيسة عدم التحدث حوله؟

روايات عديدة...

من الروايات التي تتكرر كثيراً حول عملية الاغتيال، أن أوزوالد، الرجل الذي اغتال كينيدي، كان جندياً في البحرية الأمريكية، وانشق مغادراً إلى الاتحاد السوفييتي لأسباب أيديولوجية، وتزوج هناك قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة، وقُتل بعد يومين أثناء نقله إلى السجن، والذي تم بثه مباشرة على شاشات التلفزيون في جميع أنحاء أمريكا. وعزز قتله ظهور نظريات مؤامرة حول الحادثة، وخاصة داخل الولايات المتحدة، تراوحت من أنه كان يوجد مطلق نار ثانٍ، إلى وجود دور للسوفييت ووكالات الاستخبارات الأمريكية، والمافيا، و«إسرائيل». وفقاً لاستطلاع رأي في عام 2023، يعتقد 65٪ من الأمريكيين أن اغتيال كينيدي كان مؤامرة، ويعتقد 20٪ منهم أن الحكومة الأمريكية شاركت فيه. من الجدير بالذكر بأن معظم الجهات الإعلامية «الإسرائيلية» في تعليقها على هذه الوثائق، ركزت على الجزئية المتعلقة بمزاعم علاقة أوزوالد بالاتحاد السوفييتي، قائلة: إن الوثائق لم تثبت أي شيء إلا هذه العلاقة، وتدعم النظرية التي تقول: إن الاتحاد السوفييتي هو الذي كان وراء اغتيال الرئيس كينيدي.

في السنوات التي تلت الاغتيال، ارتبطت المؤامرة «الإسرائيلية» ببرنامج الأسلحة النووية «الإسرائيلي»، وبحسب أصحاب هذا الرأي، كينيدي كان حريصاً على وقف برنامج الأسلحة النووية «الإسرائيلي» سريع التطور آنذاك، والذي يُزعم أنه وصل إلى مرحلة الاختبار بمساعدة فرنسا عام 1960، وذلك لأن كينيدي كان يخشى أن يؤدي امتلاك «إسرائيل» للأسلحة النووية إلى سباق تسلح نووي بين خصومها في المنطقة، مما يزيد من احتمالات نشوب حرب نووية. ووفق هذه النظرية، كان دور جونسون، نائب الرئيس كينيدي وخليفته، تلقي أوامر من «إسرائيل» بقتل الرئيس. وفي الوثائق المتعلقة بكينيدي والتي تم نشرها في عام 2016، تبين أن كينيدي أراد مراقبة منشأة ديمونا النووية «الإسرائيلية» وضغط على حكومة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» آنذاك بن غوريون لمنع «إسرائيل» من الحصول على أسلحة نووية. وهذا الأمر فيه حد كبير من الصحة أو المصداقية، لأن كينيدي كان، أكثر من أي رئيس آخر، من أشد المؤيدين لمنع الانتشار النووي ــ بما في ذلك في «إسرائيل». وقد اشتبه كينيدي في أن رفض «إسرائيل» السماح بعمليات التفتيش في منشأة ديمونا النووية كان بمثابة ستار دخاني مصمم لإخفاء برنامج سري للأسلحة النووية. وكان مركز «ويلسون» للأبحاث في واشنطن قد نشر تقريراً مطولاً حول هذا الموضوع في نيسان 2016.

ووفق مقالة أخرى، «في عام 2023، أشارت معلومات إضافية إلى أن كينيدي حاول إرسال الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل، إيزيدور رابي، لتفقد مفاعل ديمونا. وتشير الاتصالات إلى أن الزيارة كان من المقرر تسهيلها من خلال المستشار القانوني لوزارة الخارجية الأمريكية، أبرام تشايس، ونظيره «الإسرائيلي»، تيدي كوليك. إلا أن الجانب «الإسرائيلي» عرقل هذه المبادرة في النهاية. وذكرت المقالة ذاتها أنه «لعلّ الأمر الأكثر دلالةً هو أمر كينيدي لوزارة العدل الأمريكية بإجبار المجلس الصهيوني الأمريكي (AZC) – سلف لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) – على التسجيل بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA). كان المجلس الصهيوني الأمريكي (AZC) ممولاً مباشرةً من الحكومة الإسرائيلية، وقد أثار إصرار كينيدي على الشفافية قلق المسؤولين الإسرائيليين». إضافة إلى أن «كينيدي حث إسرائيل على الامتثال لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، الذي دعا إلى حق العودة لنحو 750 ألف فلسطيني نزحوا بين عامي 1947 و1949. ولعب الضغط الأمريكي على هذه الجبهة دوراً رئيساً في كيفية إعادة إسرائيل لاحقاً لوصف طرد الفلسطينيين، وتغيير روايتها لتزعم أنهم غادروا طواعية». وما يثير الشكوك بشكل أكبر هو أن خَلَف كينيدي، «ليندون جونسون... عكس العديد من سياسات سلفه، وأصبح واحداً من أقوى حلفاء إسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة».

بعض ما كشفته الوثائق

تشير بعض الوثائق من المجموعة التي تم نشرها مؤخراً إلى التوترات بين إدارة كينيدي و«إسرائيل» فيما يتعلق بالبرنامج النووي «الإسرائيلي»، وخاصة فيما يتعلق بمفاعل ديمونا، وذلك إضافة إلى المعلومات السابقة، وما تم نشره سابقاً.

من ناحية أخرى، هناك عدة نقاط، بعضها أتى من الوثائق التي تم نشرها مؤخراً، والتي يمكن أن تقطع الشك باليقين بما يتعلق بدورٍ «إسرائيلي» واضح ومباشر في اغتيال كينيدي:

  • معلومة سابقة: جاك روبي، مالك الحانة والذي قتل أوزوالد، الشخص الذي اغتال كينيدي، اسمه الحقيقي كان جاكوب روبنشتاين، وهو يهودي أرثوذكسي، وبالأساس الشبهات الأساسية حوله كانت أنه قتل أوزوالد للمساعدة في التغطية على الجريمة.
  • تتحدث إحدى الوثائق المتعلقة بالخدمة السرية – الوكالة المسؤولة عن حماية الرئيس وبعض المسؤولين الآخرين في الولايات المتحدة – عن وسيط أسلحة كوبي يدعى «إيشيفاريا» والذي قال قبل يومٍ واحد من حادثة الاغتيال، «لدينا الآن الكثير من المال ــ داعمونا الجدد هم اليهود ــ بمجرد أن نعتني «نحن»/«هم» بكينيدي». وهنا «نعتني» تأتي بمعنى «نتخلص منه».
  • كان روبن إيفرون، عميل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية المُكلَّف بقراءة بريد أوزوالد، يهودياً أرثوذكسياً. كتب لاحقاً تحليلاتٍ مُوسَّعةً لأساليب التجسس الواردة في التوراة، وانتقل إلى «إسرائيل» بعد تقاعده. وغير واضح ما إذا كانت هذه المعلومة في الوثائق الجديدة أم كُشفت سابقاً.
  • تكشف وثائق تم إخفاء أجزاء منها سابقاً، أن عميل وكالة المخابرات المركزية المسؤول عن أوزوالد، جيمس جيه أنجليتون، نقل أسرار الأسلحة النووية إلى «إسرائيل» في مخالفة لأوامر كينيدي.
  • إحدى الوثائق تقول، «إدراكاً منهم أن نفوذهم وسلطتهم في الولايات المتحدة يعتمدان على أصوات اليهود، أقدم الصهاينة على اغتيال الرئيس الشجاع الذي كان على وشك تدمير أسطورتهم. اغتياله تحذيرٌ لبقية القادة الشرفاء».
  • إحدى الوثائق، ذكرت حرفياً أن «إسرائيل وراء اغتيال كينيدي»، وسابقاً الجزء الوحيد المخفي منها بطلب من وكالة المخابرات المركزية كان كلمة «إسرائيل».

1220-4

لماذا الآن؟ وفي أي سياق؟

المراقب للسلوك العام لترامب، وخاصة الخطوات الأكثر حساسية التي يقوم بها، (بعيداً عن طريقته المعتادة لتغطية كل شيء بمزيج من الكوميديا والتصريحات الصاخبة)، يمكنه أن يلحظ تراكماً في اتجاه محدد... ضمن هذا التراكم، يمكن إيراد ما يلي:

  1. إرغام نتنياهو على الوصول إلى وقف لإطلاق النار، وحتى مع عودة إطلاق النار التي جرت خلال الأيام القليلة الماضية، فإنها عودة مؤقتة لا يمكنها الاستمرار طويلاً، ولا يمكنها بطبيعة الحال إنقاذ نتنياهو، إلا مؤقتاً.
  2. كان قد سبق لترامب أن نشر على حسابه الشخصي على موقع إكس فيديو لجيفري ساكس يشتم فيه نتنياهو، ويتهمه بأنه يريد جر الولايات المتحدة لحروب لا تنتهي في الشرق الأوسط. واكتفى ترامب بمشاركة الفيديو دون أي تعليق، بما يعني أنه موافق على مضمونه.
  3. الهجوم الكاسح على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID والتي تعمل بوصفها ذراعاً أساسية في يد لا الدولة العميقة الأمريكية فحسب، بل وضمنها الاتجاه الصهيوني خصوصاً.
  4. التهديد بفتح ملف مخزون الذهب في الاحتياطي الفيدرالي، والذي يعتبر قدس الأقداس بالنسبة للسياسة الدولارية العالمية، وللسياسات المشتقة بمختلف أشكالها بما فيها العسكرية والأمنية.
  5. الدفع نحو وقف الحرب في أوكرانيا والاتفاق مع روسيا، وصولاً حتى إلى الحديث عن قرب رفع العقوبات عنها. والملف الأوكراني يشكل أحد الاستثمارات الأساسية للصهيونية العالمية بوصفه جزءاً عضوياً من تصورٍ شامل حول طريقة إدارة الكوكب، استناداً لمنطق التفتيت الشامل، وخاصة تفتيت روسيا وإضعاف الصين.

هذه المؤشرات وغيرها، يمكن أن تحيل على انعطافٍ استراتيجي في تصورات المجموعة التي يمثلها ترامب، والتي تقطع مع التصور الذي استمر قرابة 150 عاماً على الأقل في الولايات المتحدة، وحوالي أربعة قرون في أوروبا الغربية، والمستند إلى «قوة الدول المحيطية» وضرورة هيمنتها على العالم القديم بشكلٍ مباشر عسكرياً واقتصادياً... ويبدو أن مجموعة ترامب قد وصلت إلى قناعة راسخة، بأن هذا المطلب لم يعد ممكناً ولم يعد قابلاً للتحقيق، وباتت تسعى نحو التكيف عبر الانكفاء الجزئي، وإعادة توزيع الموارد المتراجعة، بما فيها العسكرية، بما يخدم هذا الانكفاء.

موقع «إسرائيل» ضمن هذا التصور، يجعلها فائضة عن السياق؛ لأن استمرارها مقرون بـ«الشرق الأوسط الجديد» الذي لم يعد قابلاً للتحقيق من وجهة نظر ترامب ومجموعته، ما يعني أن بقاء «إسرائيل» نفسه بات موضع بحث جدي.

كشف وثائق تشير بأصابع الاتهام بشكلٍ مباشر لـ«إسرائيل»، من وجهة نظر مجموعة ترامب، لا يخص «إسرائيل» نفسها، بقدر ما يخص المعركة الداخلية التي يخوضها؛ فاتهام «إسرائيل» بقتل واحدٍ من أكثر الشخصيات المحبوبة في التاريخ الأمريكي، وبشكل علني، يعني خلق اصطفاف حادٍ في الشارع الأمريكي ضد آيباك، وضد الفيدرالي، وضد المؤسسات المختلفة المرتبطة بـ«الدولة العميقة»، ويعني ضمناً التحضير لضربات أشد قسوة وحسماً تجاه هذه «الدولة»...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1220
آخر تعديل على الأحد, 30 آذار/مارس 2025 21:46