إن جنوا ربعك...

إن جنوا ربعك...

يقول المثل الشعبي: «إنْ جنوا ربعك، عقلك ما بفيدك»، ولكن التجارب الملموسة تثبت أن الحقيقة هي عكس هذا المثل تماماً، وخاصة حين يتعلق الأمر بالمشكلات وبالاقتتال داخل الدولة الواحدة أو المجتمع الواحد.

حين تسيل الدماء، فإن قسماً كبيراً من الناس تأخذه حالة الذهول والخوف وانعدام البصيرة والرغبة بالانتقام، وربما هذا أمرٌ طبيعي إلى حد بعيد. لكن الدخول في دوامة العنف والدم، من باب أن الربع قد جن والعقل لا يفيد، أو من باب «يا ثارات كليب»، يؤدي إلى نتيجة واحدة دائماً، هي مزيد من الدم والدمار والقتل، وضعف كل الأطراف.

التحلي بالحكمة في أوقات الشدة، هو أمر شديد الصعوبة، ويحتاج قدراً عالياً من رباطة الجأش ورجاحة العقل، لأن الفترات التي يسود فيها الدم والقتل، هي فترات جياشة بالعواطف الحادة، وأي شخص يحاول تقديم طرح هادئ وعقلاني وداعٍ للتهدئة، ستتم مجابهته بموجات هائلة من التخوين من كل الأطراف، ولذا فمن يريد العمل باتجاه التهدئة في الظروف الصعبة، يكون كمن يمشي على حد السيف، ولذا يحتاج إلى شجاعة هائلة، وإلى قدرة على التضحية، وعدم الانزلاق إلى الشخصنة، أي بالترفع عن صغائر الأمور، ومحاولة استيعاب عواطف الناس ومخاوفها، ومحاولة دفعها باتجاه الخيارات الصحيحة، حتى لو تعرض للهجوم والتخوين...

بهذا المعنى بالضبط، يصبح مفهوماً لماذا نحتاج إلى الحكماء من الناس في الظروف الصعبة، لأن هؤلاء بالذات هم من يستطيعون القبض على الجمر وتحمل المسؤولية باتجاه حقن دم الناس، وإصلاح شأنهم...

معلومات إضافية

العدد رقم:
الإصدار الخاص 19-آذار-2025