هل يمكن توحيد الداخل بـ«العصا»؟!
ليس خافياً على أحد في سورية، أن التدخلات الخارجية طوال 14 سنة الماضية كانت تدخلات كبيرة، وما تزال مستمرة بأشكالٍ متعددة حتى الآن، ويظهر منها على وجه الخصوص التدخلات «الإسرائيلية» التي لا تخفي نواياها بتقسيم سورية، وبدفعها نحو الاقتتال الداخلي ونحو الفتنة.
ودائماً، أمام التدخلات الخارجية، هنالك منطقان لا ثالث لهما؛
الأول: هو المنطق نفسه الذي استخدمته سلطة بشار الأسد الساقطة، أي منطق «المؤامرة»، والذي يحاول تصوير الأمور في داخل البلاد وكأنها على أحسن ما يرام، والمشكلة هي فقط بتدخل الأعداء الخارجيين. وينتج عن هذا المنطق أن أي احتجاج داخلي يتحول آلياً إلى «خيانة وطنية».
وقد رأينا بأم أعيننا كسوريين، ما الذي أنتجه هذا المنطق من دمارٍ هائل للبلاد وأهلها، وعملياً فقد عزز هذا المنطق التدخل الخارجي وجعله أكثر قدرة على أخذ البلاد باتجاهات كارثية ما نزال نعاني منها حتى اللحظة.
الثاني: هو المنطق الوطني الذي يقول بأن التدخلات الخارجية يمكنها أن تتسرب عبر تشققات الداخل ومشكلاته، ما يعني أن تقليص التدخلات الخارجية ومنعها، يمر بالضرورة عبر حل مشكلات الداخل وإغلاق الثغرات، وليس عبر القوة العنيفة البحتة وعبر تخوين الناس فرادى وجماعات.
كلما زاد منسوب التدخل الخارجي، تصبح الوحدة الداخلية أكثر ضرورة بالمعنى الوجودي بالنسبة للدولة ككل، وبالنسبة للمواطنين السوريين، وحتى بالنسبة للسلطات التي تنوي الوصول إلى حالة استقرار فعلية، وإلى استقلالية حقيقية في قراراتها وعملها.
بكلمة بسيطة، فإن مواجهة التدخل الخارجي تتم بالدرجة الأولى عبر تحصين الداخل، وتحصين الداخل يتم عبر تلبية مطالبه وتجميعه حول رؤية وطنية جامعة، حول حلم وطني جامع للسوريين كلهم، يشعرون أنهم جزء منه، وأن كراماتهم ولقمة عيشهم هي هم أساسي مشترك يناضلون معاً من أجله.
بالملموس، فإن معالجة مختلف الأزمات التي تعيشها البلاد سواء في الساحل أو الشمال الشرقي أو الجنوب أو الوسط، لا يمكن أن تتم دون تجميع السوريين بشكلٍ حقيقي ضمن مؤتمر وطني عام يمثلهم حقاً وفعلاً، ويشعرهم بأنهم مواطنون متساوون وبأن حقوقهم مصونة، وبأن كراماتهم ودماءهم محفوظة.
كلما اشتد التدخل الخارجي، ينبغي أن تشتد لحمة الداخل، ولا سبيل لتوحيد الداخل إلا عبر الحوار الوطني الحقيقي، وعبر حكومة وحدة وطنية وازنة وواسعة التمثيل، يشعر كل سوري أنه ممثل من خلالها.
لطالما اعتقد النظام السابق بأنه من الممكن أن يوحد السوريين تحت سلطته باستخدام العصا، أي باستخدام القمع والعنف وما أسماه بـ«الحلول الأمنية» ... لكن التجربة الواقعية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، ليس في سورية وحدها، بل وفي عدد كبير من دول العالم، أن ما تسمى «حلولاً أمنية بحتة»، لا يمكنها أن تحل المشاكل الأمنية، ولا المشاكل السياسية، بل دائماً ما يعمقها ويدفعها نحو التفجّر بشكلٍ أكثر خطورة، ويفتح فوق ذلك أبواب التدخل الخارجي التخريبي.
البلاد لا يمكن توحيدها بالعصا، بل بالحوار والتفاهم بين أبناء البلد الواحد، لأن مصالح أبناء البلد في نهاية المطاف هي مصالح مشتركة، يمكن الوصول إليها بالتعاون والتفاهم. وعلى العكس من ذلك تماماً، فإن محاولة تفرقة الناس وتقسيمهم بين «موالٍ» و «معارضٍ»، إضافة إلى التخوين والتكفير وما شابه، لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن تؤدي إلى خير، وبالمحصلة فهي تضعف الأطراف السورية كلها، فرادى، وبالمجموع، ما يضعف سورية نفسها فوق ضعفها...
بكلمة، فإن توحيد البلاد يتم بالحوار وبالتفاهم، وعبر احترام كرامات الناس وحقوقها، وعدم التفريق بينها على أسس طائفية أو قومية أو دينية أو غير ذلك، وهذه مسؤولية مشتركة على عاتق جميع السوريين، وعلى عاتق السلطات السورية بشكلٍ خاص، بوصفها فاعلاً أساسياً ضمن المعادلة السورية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1218