دليقان ليونغه فلت: ملف المعيشة تحول إلى الملف رقم 1 بالنسبة للغالبية الساحقة...
أجرت صحيفة يونغه فيلت الألمانية أواسط الشهر الماضي لقاءً مع مهند دليقان، أمين مجلس حزب الإرادة الشعبية، حول مستجدات الوضع السوري، ونشرته في عددها الصادر يوم السبت 1 آذار. تنشر قاسيون فيما يلي الترجمة العربية لنص الحوار...
حلّت القيادة الجديدة في دمشق، بشكلٍ رسمي، حزب البعث الذي حكم البلاد طويلاً، من المستفيد من ذلك؟ وما هي الأحزاب الأخرى التي تم حلها؟
تضمن «مؤتمر النصر» الذي عقده أحمد الشرع مع عدد من قادة الفصائل العسكرية يوم 29 كانون الثاني، إصدار عددٍ من القرارات، بينها حل حزب البعث وأحزاب «الجبهة الوطنية التقدمية»، وهي مجموعة من الأحزاب التي كانت متحالفة مع حزب البعث منذ سبعينيات القرن الماضي.
من حيث المبدأ، نحن نقف ضد أي عملية حل للأحزاب بشكل فوقي، لأن المعني أولاً وأخيراً بتقرير مصير أي حزب من الأحزاب هو الشعب السوري، الذي يمتلك وحده الحق في الحكم على أي قوة سياسية؛ فالحزب الذي لا يعبر عن الناس وهمومها ومصالحها يموت بشكلٍ طبيعي حتى وإن بقي موجوداً شكلياً، إلا أنه لن يكون موجوداً وظيفياً على أرض الواقع. ورأينا هو أنه لا ينبغي الخوف من رأي الشعب السوري، ومن غير الصحيح ألا نثق بخيارات الشعب السوري، فهو سينبذ القوى التي لا تعبر عنه ويعزلها. والحقيقة، هي أن معظم أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، تنتمي إلى الفضاء السياسي القديم، وهي بالأصل بعيدة عن الشارع منذ زمن طويل، ولكن مع ذلك، فإن قرار حلها بشكلٍ فوقي، أي من قبل السلطات، من شأنه أن يثير مخاوف حول محاولة ضبط وتقييد العمل السياسي في البلاد.
ما تأثير هذه القرارات على عمل حزبكم؟
بالنسبة لنا في حزب الإرادة الشعبية، فنحن نتابع عملنا بشكلٍ طبيعي وعلني وعلى نطاق واسع، وفي المحافظات السورية كلها؛ حيث نوزع جريدتنا «قاسيون» في شوارع سورية، ونقيم نشاطات وندوات ومحاضرات في مختلف المحافظات السورية، ونواكب النشاطات العمالية في أنحاء البلاد كلها. كما نعمل على تكوين أوسع تحالف بين القوى الوطنية، بغض النظر عن الانتماء الأيديولوجي، للتصدي للمهام الوطنية الملحة، وعلى رأسها استكمال توحيد الأراضي السورية، وتحقيق السلم الأهلي، تمهيداً لاستعادة السوق الوطنية الواحدة، التي لا يمكن دون استعادتها إعادة إقلاع الاقتصاد السوري.
تم تعيين المقاتل السابق في تنظيم القاعدة، أحمد الشرع، رئيساً مؤقتاً، وتم تعليق الدستور. ما المشكلة في دستور 2012 ولماذا قامت القيادة الجديدة المدعومة من الناتو بإلغائه؟
نعتقد أن القول بأن القيادة الجديدة في دمشق مدعومة من الناتو، هو في أحسن الأحوال، افتراضٌ غير دقيق؛ لأن الواقع أشد تعقيداً بكثير من هذا التوصيف. الناتو نفسه منقسمٌ على نفسه منذ سنوات، وذاهب باتجاه انقسامات أعمق وأشد، ستقود نحو تفككه النهائي في المدى المنظور. كما أن القراءة الواقعية لما جرى في سورية خلال السنوات الأخيرة، والأيام الأخيرة التي سبقت سقوط الأسد، تسمح بالافتراض بأن الأمر جرى ضمن تنسيق تركي-روسي واضح، بل وشبه معلن، وذلك بالضد تماماً مما يجري ترويجه إعلامياً بالقول: إن واشنطن والكيان الصهيوني كانتا وراء ما جرى.
بالنسبة لإلغاء دستور 2012، نعتقد أن المسألة لا تتعلق بمضمون هذا الدستور، رغم أن فيه أشياء كثيرة بحاجة لتعديل جذري؛ ولكن ما قامت به القيادة الجديدة في دمشق هو في جوهره مطابق للوصفة التقليدية لما يُعرف بـ«مجلس قيادة الثورة»؛ والتي تتضمن إلغاء الدستور القائم وبعد ذلك إطلاق حوارٍ وطني وإعلان دستوري.
ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للحقوق السياسية الأساسية في سورية؟
سورية بالفعل كانت تعيش في ظل بشار الأسد في دكتاتورية عسكرية وأمنية، والانتخابات ضمنها كانت شكلية إلى حد بعيد، ولم تكن هنالك حقوق أساسية للمواطنين. بالنسبة للوضع الحالي، فما يمكن قوله حتى الآن، هو أن هامش العمل السياسي بات أوسع بكثير من أي وقت مضى خلال 50 عاماً الماضية. بالنسبة للآفاق المستقبلية فهي تتعلق بالدرجة الأولى بمدى قدرة الشعب السوري على تثمير نشاطه السياسي العالي، عبر تنظيم هذا النشاط وتأطيره. أمامنا فسحة زمنية ينبغي استثمارها للحد الأقصى؛ السلطات الجديدة لديها مشكلاتها الخاصة التي تبدأ من موضوع الاعتراف الدولي والعقوبات، مروراً بالمشاكل الاقتصادية والإدارية الكبرى التي باتت مسؤولة عن حلها، ولا تنتهي بوجود تيارات متنوعة، وأحياناً متعارضة ضمنها. هذا كله، يخلق مساحة واسعة للعمل السياسي المنظم الذي سيكون عاملاً أساسياً في تحديد مستقبل البلاد.
ما الذي تتوقعونه للأشهر القليلة القادمة؟
يتحول الملف الاقتصادي-الاجتماعي إلى الملف رقم 1 بالنسبة للغالبية الساحقة من السوريين. أكثر من 90% من السوريين هم تحت خط الفقر، في بلد يعاني من دمارٍ هائل في بناه التحتية ويعاني نقصاً هائلاً في الكوادر الكفوءة، بسبب التهجير المنظم الذي جرى طوال فترة الحرب، كما أنه يعاني من عقوبات متوحشة يطبقها الغرب الأمريكي بالدرجة الأولى، والأوروبي بالدرجة الثانية.
تجميع السوريين على قضية بناء نموذج اقتصادي سوري جديد، هو أمرٌ ممكن وضروري في آن معاً. وصياغة النموذج الجديد ينبغي أن تستند إلى الإمكانات المحلية بالدرجة الأولى، وهو أمر قابل للتطبيق، ولدينا كحزب برنامج واضح، بخصوصه يمكنه أن يحقق نسب نمو وتنمية عالية ضمن آجال قصيرة. وبالتوازي، فإن حل المشكلة الاقتصادية الاجتماعية في ظل العقوبات التي لن ترفع برأينا في أي وقت قريب، ستدفع سورية موضوعياً نحو التعاون مع الدول الصاعدة اقتصادياً، وعلى رأسها الصين وروسيا... ويمكن أن نلمس من تصريحات القيادة الجديدة في دمشق أنها بدأت تعي هذه المسألة بالتجربة بشكلٍ سريع، ودفعها هذا الأمر نحو تصريحات إيجابية مفاجئة بالنسبة للكثيرين اتجاه روسيا، وحتى اتجاه العراق وإيران.
تصدر لقاء الشرع مع أمير قطر وولي العهد السعودي عناوين الصحف. ما الذي يريده من البلدين؟
بالنسبة لدول الخليج العربي، ربما هنالك تعويل على مساعدة جدية في تمويل إعادة الإعمار وإعادة إقلاع الاقتصاد، ولكن نعتقد أن هذه الدول لن تتمكن من تقديم شيء في الآجال القريبة، حتى لو أرادت ذلك، بسبب العقوبات الغربية.
أخيراً، كيف يتم تقسيم الموارد الطبيعية وموارد الدولة ضمن سورية؟
ما تزال سورية حتى اللحظة ضمن حالة تقسيم الأمر الواقع؛ هنالك الشمال الشرقي الذي يحوي الجزء الأكبر من ثروات سورية الباطنية، ما يزال يعيش تحت سيطرة قسد، واقتصاده ما يزال معزولاً نسبياً عن بقية الاقتصاد السوري، وهذا أمر ينبغي حله عبر الحوار والتفاهم والتوافق وليس عبر الحرب، ونأمل أن الاتفاق الذي يمكن أن يحدث في تركيا بين عبد الله أوجلان والقيادة التركية حول القضية الكردية، سينعكس إيجاباً على سورية، وعلى حل القضية الكردية فيها حلاً ديمقراطياً عادلاً. ونأمل أيضاً أن خروج الاحتلال الأمريكي من سورية سيجري ضمن آجال قريبة، وسيسهل ذلك عملية استكمال توحيد البلاد.
ولكن ينبغي الانتباه أيضاً، أن بقية مناطق سورية الخاضعة للقيادة الجديدة في دمشق، ما تزال من حيث الأمر الواقع غير مترابطة بشكلٍ كامل بالمعنى الاقتصادي؛ فأمراء الحرب ما يزالون يسيطرون بأشكال مباشرة، أو غير مباشرة على اقتصادات مناطق متعددة في الخريطة السورية، والقرار الذي تم اتخاذه بحل الفصائل العسكرية هو قرار جيد، وضروري من حيث المبدأ، لكن تطبيقه العملي ما يزال بحاجة إلى خطوات إضافية، على رأسها الاستناد إلى الشارع السوري عبر مؤتمر وطني حقيقي وجامع، ينقل الوضع السياسي من «الشرعية الثورية» إلى الشرعية الانتخابية والقانونية والشعبية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1216