ما هي خلاصة قرار تعليق بعض العقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي؟
صدر في 24 من شباط الماضي تصريح حول تعليق الاتحاد الأوروبي بعض الإجراءات التقييدية على قطاعات اقتصادية رئيسية، المفروضة بموجب العقوبات على سورية. ورد في التصريح أن «مجلس الاتحاد الأوروبي قرر تعليق عدد من التدابير التقييدية في ضوء الوضع في سورية. ويأتي هذا القرار في إطار جهود الاتحاد الأوروبي لدعم عملية الانتقال السياسي الشاملة في سورية، والتعافي الاقتصادي السريع، وإعادة الإعمار والاستقرار». وأضاف التصريح أن «الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تسهيل التعامل مع سورية وشعبها وشركاتها، في مجالات رئيسية للطاقة والنقل، فضلاً عن تسهيل المعاملات المالية والمصرفية المرتبطة بهذه القطاعات وتلك اللازمة للأغراض الإنسانية وإعادة الإعمار».
بموجب القرار تم تعليق التدابير القطاعية في قطاعي الطاقة (بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء) والنقل؛ وإزالة خمسة كيانات (البنك الصناعي، وبنك التسليف الشعبي، وبنك الادخار، والمصرف الزراعي التعاوني، والخطوط الجوية العربية السورية) من قائمة الكيانات الخاضعة لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية، فضلاً عن السماح بتوفير الأموال والموارد الاقتصادية للبنك المركزي السوري؛ وإدخال بعض الإعفاءات من حظر إقامة علاقات مصرفية بين البنوك والمؤسسات المالية السورية داخل أراضي الدول الأعضاء، للسماح بالمعاملات المرتبطة بقطاعي الطاقة والنقل، فضلاً عن المعاملات اللازمة للأغراض الإنسانية وإعادة الإعمار؛ وتمديد تطبيق الإعفاء الإنساني الحالي إلى أجل غير مسمى؛ وإضافة إعفاء للاستخدام الشخصي لحظر تصدير السلع الكمالية إلى سورية.
كما قال التصريح: إنه «في إطار متابعة القرار، سيواصل المجلس عمله وسيقيّم ما إذا كان من الممكن تعليق المزيد من العقوبات الاقتصادية. كما سيواصل المجلس مراقبة الوضع في البلاد عن كثب للتأكد من أن مثل هذه التعليقات تظل مناسبة»، ولكن نوّه التصريح إلى أن «المجلس سيبقي القوائم المتعلقة بنظام الأسد، وقطاع الأسلحة الكيميائية، وتجارة المخدرات غير المشروعة، فضلاً عن عدد من التدابير القطاعية، مثل: تجارة الأسلحة، والسلع ذات الاستخدام المزدوج، ومعدات القمع الداخلي، وبرامج التنصت والمراقبة، واستيراد/تصدير السلع التراثية الثقافية السورية».
وأتى هذا القرار عقب إعلان للمجلس حول سورية في 19 شباط الماضي، والذي قال فيه إضافة لما ورد في التصريح أعلاه: إن «تقييم المجلس سوف يسترشد، من بين أمور أخرى، باستنتاجات المجلس الأوروبي الصادرة في 19 كانون الأول 2024، وسوف ينظر في الخطوات التي تتخذها سورية من أجل انتقال شامل يتماشى مع إعلانات السلطات الانتقالية، بما في ذلك المساءلة عن جرائم نظام الأسد، واحترام حقوق الإنسان، والحريات الأساسية لجميع السوريين دون تمييز من أي نوع، وسيادة القانون والقانون الدولي. وفي هذا الصدد، سوف يولي المجلس اهتماماً خاصاً لاحترام القانون الدولي وحقوق الدول الأعضاء، بما في ذلك حقوق الدول الأعضاء السيادية، وفقاً للقانون الدولي كما هو منصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وبروح علاقات حسن الجوار، من الأهمية بمكان أن تفي الحكومة الانتقالية في سورية بدورها في ضمان التعايش المتناغم بين سورية وجيرانها، على أساس الاحترام المتبادل، والسيادة واحترام سلامة الأراضي. ويسلط المجلس الضوء على أهمية العملية السياسية التي تقودها سورية، ويدعو إلى إنهاء تدخل الجهات الأجنبية المزعزعة للاستقرار في البلاد، مذكراً باحترام سيادة سورية وسلامة أراضيها ووحدتها».
وفقاً لما ورد أعلاه، صدرت بتاريخ 25 شباط التعديلات التالية للعقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي على سورية:
التعديل رقم 406، والذي بموجبه يتم «إزالة ستة كيانات من قائمة الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين والكيانات أو الهيئات الخاضعة لتجميد الأموال والموارد الاقتصادية... وإدخال بعض الإعفاءات على حظر إقامة علاقات مصرفية بين البنوك السورية والمؤسسات المالية داخل أراضي الدول الأعضاء... وإدخال إعفاء من الحظر المفروض على بيع أو توريد أو نقل أو تصدير السلع الكمالية إلى سورية»، وأزال التعديل المؤسسات المالية الست المذكورة أعلاه من قائمة العقوبات.
التعديل رقم 407، والذي بموجبه يتم «تعليق عدد من التدابير القطاعية والفردية، وإدخال بعض الإعفاءات، فضلاً عن إزالة تاريخ انتهاء الإعفاء الإنساني الحالي من تدابير تجميد الأصول»، وحدد التعديل المنظمات الإنسانية المشمولة في الإعفاء، ومعظمها منظمات تابعة للأمم المتحدة أو للاتحاد الأوروبي أو كلتيهما أو المنظمات والوكالات الشريكة المعتمدة أو الشركاء المنفذين. كما شمل هذا التعديل «استيراد النفط الخام أو المنتجات البترولية من سورية إلى الاتحاد، أو شراء النفط الخام أو المنتجات البترولية من سورية، أو نقل النفط الخام أو المنتجات البترولية من سورية؛ المشاركة في بناء أو تركيب محطات توليد كهرباء جديدة لإنتاج الكهرباء في سورية؛ إنشاء مشروع مشترك مع أي شخص أو كيان أو هيئة سورية تعمل في مجال استكشاف أو إنتاج أو تكرير النفط الخام أو بناء أو تركيب محطات طاقة جديدة لإنتاج الكهرباء في سورية، أو منح قروض لها، أو تمديد المشاركة فيها؛ بيع أو نقل أو تصدير وقود الطائرات، أو إضافات وقود الطائرات إلى أي شخص في سورية، أو لاستخدامه في سورية؛ توفير إمكانية الوصول إلى المطارات في الاتحاد للرحلات الجوية المخصصة للشحن فقط، والتي تديرها شركات الطيران السورية؛ تصدير الأوراق النقدية والعملات المعدنية السورية الجديدة إلى البنك المركزي السوري».
التعديل رقم 408، والذي بموجبه تم التأكيد على إزالة المؤسسات المالية الست المذكورة أعلاه من قائمة العقوبات، بهدف «دعم تقديم المساعدات الإنسانية، والتعافي الاقتصادي، وإعادة الإعمار والاستقرار، فضلاً عن تسهيل عودة المواطنين السوريين إلى سورية مع ممتلكاتهم».
توضيحات إضافية
العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على سورية، هي قرار يتم تجديده كل عام، وحالياً العقوبات تم تمديدها حتى 1 حزيران 2025، وفي حال لم يتم اتخاذ القرار بتمديدها في حزيران القادم، سينتهي العمل بموجبها، ومن المهم التذكير بأن الإعفاءات تعني أن العقوبات ككل لم يتم إزالتها، بل تم تعليق العمل بموجب بعضها، وهي خاضعة للرقابة والتقييم من قبل الاتحاد الأوروبي. وهنا يجب التفكير ما الذي يمكن أن يعنيه بالتحديد كلام مثل: «من الأهمية بمكان أن تفي الحكومة الانتقالية في سورية بدورها في ضمان التعايش المتناغم بين سورية وجيرانها»، والذي يمكن أن يشمل من بين دول الجوار، دولة الاحتلال، ويمكن أن يتم استخدامه لوضع شروط على سورية فيما يتعلق بالمواقف من الكيان الصهيوني، وكذلك الدعوة «إلى إنهاء تدخل الجهات الأجنبية المزعزعة للاستقرار في البلاد»، والذي يمكن أن يتم استخدامه لوضع شروط على سورية فيما يتعلق بعلاقاتها مع دول أخرى، يعتبر الاتحاد الأوروبي التعامل معها تدخلاً للجهات الأجنبية، والتي يمكن أن تعني اليوم العلاقة مع روسيا، ولكن يمكن أن تعني أي دولة أخرى لا تتناسب العلاقات معها السياسات والمصالح الأوروبية.
إضافة إلى ذلك، يجب فهم أن هذه الإعفاءات معنية بالاتحاد الأوروبي، أو بكلام آخر، وكما وضح موقع أحد الجهات القانونية الأمريكية الخاصة، «يتعين على الشركات التي تفكر في ممارسة الأعمال في سورية والتي كانت مقيدة سابقاً بسبب الإجراءات المعلقة أن تدرس بعناية العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي، والتي لا تزال سارية؛ والتطورات المقابلة المتعلقة ببرامج العقوبات الأخرى المتعلقة بسورية (بما في ذلك تلك التي فرضتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة)؛ وقوانين الامتثال للشركات الأوسع نطاقاً، والمخاطر المحتملة لعودة عقوبات الاتحاد الأوروبي إلى مكانها». ويبدو أن هذا التحذير ليس فقط للشركات أو الجهات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ولكن كذلك تلك المسجلة والعاملة في الاتحاد الأوروبي، ولكن لديها عمل أو علاقات مرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
كما أضاف التوضيح، أنه «فيما يتعلق بمصرف سورية المركزي فقد أصبح مسموحاً له الآن وضع الأموال والموارد الاقتصادية تحت تصرفه، ولكن أي أموال وموارد اقتصادية تابعة له، أو مملوكة له، أو في حوزته أو تحت سيطرته وموجودة خارج سورية اعتباراً من 27 شباط 2012 تبقى مجمدة».
الخلاصة؟
أولاً: لن يفتح تعليق جزء من العقوبات الأوروبية أو حتى رفعها كلها، الباب أمام الاستثمار الخارجي في سورية؛ لأن العقوبات الأمريكية ما تزال سارية، وهي عقوبات تشمل «الأطراف الثالثة» بما فيها الأوروبية، التي ستفضل عدم المخاطرة في الاستثمار في سورية على حساب علاقاتها واستثماراتها الأساسية ضمن السوق الدولية.
ثانياً: في ظل ارتفاع التناقض بين أوروبا والولايات المتحدة، وخاصة مع وصول ترامب إلى سدة الرئاسة وخططه المعلنة بما يخص الناتو وأوكرانيا وغيرها، فإن المتوقع أن يظهر قدر ما من الاستقلالية في السياسات الأوروبية تجاه سورية وغير سورية، ولكن هذه الاستقلالية النسبية ستبقى حذرة ومحدودة وقليلة الفاعلية، خاصة في المجالات المالية والاقتصادية.
ثالثاً: ليس من المستبعد أن تلعب بعض الدوائر الحاكمة في أوروبا، والمرتبطة بالدولة العميقة الأمريكية، أدوراً وسطية ضمن تقسيم عملٍ محدد بين طرفي الأطلسي، غرضه رفع درجة الإيهام بإمكانية الوصول إلى اتفاق مع الغرب، ما يسمح بكسب وقتٍ إضافي من المراوحة بالمكان بالنسبة للسلطات السورية بما يخص الإجراءات الأساسية المطلوبة لإعادة إقلاع الاقتصاد الوطني، الأمر الذي من شأنه أن يراكم عوامل الخطر والتفجير الداخلي التي تزداد أمام أعيننا على أساس يومي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1216