«المؤتمر الوطني العام» ضرورة موضوعية لا يمكن القفز فوقها

«المؤتمر الوطني العام» ضرورة موضوعية لا يمكن القفز فوقها

بدأت اللجنة التحضيرية لـ«مؤتمر الحوار الوطني» عملها عبر بيانٍ صحفي أدلت به لوسائل الإعلام، وعبر بعض التصريحات الصحفية لأعضائه. وأهم ما يمكن رصده بما يخص اللجنة، وبما يخص المؤتمر نفسه هو أمران أساسيان:

أولاً: لا يعبر تشكيل اللجنة عما يكفي من سعة التمثيل وشموله بالمعنى السياسي والاجتماعي، والمعروف أن المقدمات الصحيحة هي التي تقود نحو خواتيم صحيحة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الترميم والتعديل وعمل اللجنة نفسه يمكنه، نظرياً على الأقل، أن يتجاوز مشكلات نقص التمثيل والشمول.
ثانياً: المؤتمر هو ذو طبيعة تشاورية، أي أن ما سيخرج به هو توصيات، والتوصيات غير ملزمة بطبيعتها، أي أنها ليست قرارات، ومدى الالتزام بها تحدده السلطات نفسها التي شكلت اللجنة التحضيرية.

بهذا المعنى فإن المؤتمر الذي يجري الحديث عنه هو «مؤتمر حوار وطني»، وهو «مؤتمر تشاوري»، ولا يجوز بحالٍ من الأحوال خلطه مع «المؤتمر الوطني العام» المنشود، الذي يختلف بشكلٍ كبيرٍ عن المؤتمر المزمع عقده قريباً فيما يبدو.

قبل الحديث عن الفارق بين المؤتمرين، ينبغي التأكيد على أنه ليس من الوطنية في شيء، وخاصة في الظروف الراهنة، أن يرفض أي سوري الحوار بين السوريين، حتى وإنْ كان تشاوري الطابع، وبتوصيات غير ملزمة؛ فالحوار بين السوريين حاجةٌ موضوعية ملحة، وينبغي أن يكون الحالة السائدة المستمرة بين السوريين، ليس ضمن المؤتمرات فحسب، بل وفي الإعلام والشوارع والمقاهي والأندية الثقافية والاجتماعية والمدارس والجامعات وأماكن العمل، وفي كل بقعة وقطاع في سورية، لأن المعني في نهاية المطاف بتقرير مصير البلاد هو الشعب السوري، الذي عانى عقوداً طويلة من كتم صوته وحريته في التعبير عن نفسه، وهذه الحرية هي معيارٌ أساسي في بناء الأوطان على أساس التآخي والود والتراحم بين أبناء الشعب الواحد. وعليه فإنه ينبغي العمل بكل ما يمكن لإنجاح المؤتمر الذي يجري التحضير له، وشروط نجاحه هي أربعة ذكرتها افتتاحية قاسيون لهذا العدد، وسنعيد التذكير بها في نهاية هذه المادة. ولكن قبل ذلك، فلنتكلم قليلاً عن الفارق بين «مؤتمر الحوار الوطني» و«المؤتمر الوطني العام».

ما هو الفارق بين المؤتمرين؟

كما أسلفنا، فإن الفارق الأساسي هو أن مؤتمر الحوار الوطني تشاوري يُنتج توصيات غير ملزمة بطبيعتها، في حين أن المؤتمر الوطني العام ينتج قرارات باسم الشعب السوري ككل، ويحتاج بالتالي إلى طرقٍ مختلفة في التحضير والعمل.

المؤتمر الوطني العام هو أقرب في شكله إلى المفهوم المعروف المسمى «الجمعية التأسيسية»، التي تمثل أكبر تمثيل ممكن، الشعب السوري بأكمله، سياسياً واجتماعياً، ويكون عملها متركزاً على وضع الأسس لصياغة العقد الاجتماعي بين الناس من جهة، وبين الناس والدولة من جهة ثانية؛ والعقد الاجتماعي يتضمن، فيما يتضمن، الدستور الدائم والقوانين الأساسية للإعلام والأحزاب والانتخابات.

ما ينبغي أن نفهمه من سنين العذاب التي مر بها الشعب السوري، هو أن حالة من الانفصال قد حدثت بين السلطات وبين جهاز الدولة والقوى السياسية من جهة، وبين عموم السوريين من جهة ثانية، وأن حالة الانفصال هذه، والتي لم تجر في يومٍ وليلة، بل عبر عقودٍ متتالية منذ ما بعد الاستقلال، هي التي أفرزت في نهاية المطاف انفجاراً شعبياً يطالب باستعادة دولته وسلطته، وباستعادة تمثيله السياسي الحقيقي.

هذا الانفصال لم ينته بعد، وما يزال قائماً رغم أنه بات في بعض جوانبه أقل حدة مما كان عليه أيام الأسدين، ولكنه ما يزال أمراً واقعاً؛ فالشعب السوري لم يمتلك بعد وسائل التأثير المباشر في مصيره؛ فلا انتخابات قد جرت بعد، ولا أحزاب واسعة التأثير والتمثيل قد تم إنتاجها بعد، ولا إعلام حراً بالمعنى الكامل للكلمة قد انطلق بعد...

هذا كله، يعني أن الاستحقاق ما يزال قائماً وملحاً. ومحقٌ من يقول: إن تنفيذه ليس بالأمر الهين المتيسر ضمن مهل زمنية قصيرة تتكون من أسابيع وأشهر قليلة. ولكن في الوقت نفسه ينبغي أن يكون واضحاً، أن هذا الامتحان ما يزال قائماً أمام الشعب والسلطات السورية، ولا يمكن القفز منه، أو الالتفاف عليه بأي شكلٍ من الأشكال، ولكن يمكن مقاربته بشكلٍ تدريجي وعقلاني، وصولاً إلى النتيجة الإيجابية المطلوبة.

يسمح هذا التحديد العام للفارق بين المؤتمرين، بالوصول إلى الشروط الأربعة التي نعتقد أنها معايير نجاح «مؤتمر الحوار الوطني» الذي تم إنشاء اللجنة التحضيرية من أجله، والذي يبدو أنه لن يتأخر كثيراً.

الشروط الأربعة يمكن تكثيفها بما يلي:
أولاً: سعة التمثيل وشموليته.
ثانياً: نوعية وطبيعة التوصيات التي ستنتج عنه.
ثالثاً: التزام السلطات بالأخذ بالتوصيات وتطبيقها.
رابعاً: التعامل مع هذا المؤتمر بوصفه خطوة تمهيدية للمؤتمر الوطني العام، صاحب القرار النهائي بما يخص صياغة الدستور الدائم، وقوانين الانتخاب والأحزاب والإعلام، والإشراف على الانتخابات.

يسمح الالتزام بهذه المعايير بتحويل «مؤتمر الحوار الوطني» المزمع عقده في المدى المنظور، إلى منصة إقلاع جدية نحو «المؤتمر الوطني العام»، الذي سيكون بدوره منصة الانطلاق الصلبة نحو سورية الجديدة، التي يتحقق فيها قولاً وفعلاً الشعار الذي يشكل إجماعاً عاماً للسوريين: السلطة للشعب، الكرامة للوطن الثروة للجميع!

معلومات إضافية

العدد رقم:
1214