افتتاحية قاسيون 1212: مشهدان متتاليان يؤكدان الأمل والقلق
شهد السوريون يومي الأربعاء والخميس الماضيين، 29 و30 كانون الثاني 2025، مشهدين متتالين، يشكلان معاً لوحة واحدة محصلتها العامة يمكن أن تكون إيجابية، ويمكن أن تعد بالخير في حال تم تطبيقها واستثمارها بشكل صحيح.
يوم الأربعاء، كان المشهد أقرب إلى الوصفة التقليدية لـ«مجلس قيادة الثورة»؛ حيث قرر العسكريون وحدهم، ممثلين بقادة عدد مهم من الفصائل، ودون إشراك أي مكونات سياسية أو اجتماعية، جملةً من القرارات الكبرى، بينها تعيين السيد أحمد الشرع رئيساً للجمهورية ضمن المرحلة الانتقالية، وحل مجلس الشعب والجيش وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وإلغاء العمل بدستور 2012، وإيقاف العمل بالقوانين الاستثنائية، إضافة لحل الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية ودمجها ضمن مؤسسات الدولة.
أما يوم الخميس، فقد شهد كلمة مكثفة وواضحة للرئيس السوري الجديد، دعا فيها لفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد، المدخل نحوها هو: «مرحلة انتقالية هي جزء من عملية سياسية تتطلب مشاركة حقيقية لكل السوريين والسوريات في الداخل والخارج لبناء مستقبلهم بحرية وكرامة دون إقصاء أو تهميش».
كما تعهد بالعمل على «تشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سورية، وتتولى العمل على بناء مؤسسات سورية الجديدة حتى نصل إلى مرحلة انتخابات حرة ونزيهة».
كذلك فقد أعلن عن العمل على لجنة تحضيرية لاختيار مجلس تشريعي مصغر لملء الفراغ في المرحلة الانتقالية، ولجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، يليهما إعلان دستوري يكون المرجع القانوني للمرحلة الانتقالية. ووضع التصور العام لأكثر المهمات إلحاحاً، وعلى رأسها السلم الأهلي، واستكمال وحدة الأراضي السورية، وإرساء دعائم اقتصاد قوي وتنموي يُعيد لسورية مكانتها...
المشهدان المتتاليان ليومي الأربعاء والخميس، يشكلان لوحة واحدة كتعبير عن انتهاء مرحلة الحرب من جهة، ومن جهة أخرى عن بداية مرحلة بناء الدولة على أساس المشاركة الشاملة ضمن المرحلة الانتقالية؛ الأمر الذي يتطلب تحضيراً جيداً سواء للحكومة الانتقالية، أو مؤتمر الحوار الوطني، وبما يحقق انتقالاً حقيقياً في سورية، ليس من سلطة إلى سلطة، بل من نظام إلى نظام، وبحيث تكون السلطة للشعب والكرامة للوطن والثروة للجميع قولاً وفعلاً.
رغم الاتجاه الإيجابي العام لخطاب يوم الخميس، إلا أن إجراءاتٍ من نمط حل أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ورغم الانتقادات كلها لهذه الأحزاب، وواجبها في تقديم مراجعة ذاتية لمواقفها ولسلوكها، أسوة بالجميع، فإنها إجراءات تثير مخاوف محقة بما يخص الحريات الديمقراطية، وحريات العمل السياسي؛ لأن المعني برفع مكانة أي حزب من الأحزاب أو خفضها، هو الشعب السوري الذي يحاسب ويراقب مختلف القوى السياسية، ويقيّمها على أساس مواقفها وخطابها، ويعبر عن تقييمه هذا عبر الانتخابات، وعبر الاشتراك والعمل في هذه الأحزاب والقوى أو هجرها. وينبغي على الجميع أن يثقوا بخيارات الشعب السوري وبخبرته التي راكمها، ولا يجوز الخوف من إرادة السوريين الحرة؛ ولذا فإن حل أو تشكيل الأحزاب بشكلٍ فوقي، هو في نهاية المطاف شكل من أشكال تقييد الحياة السياسية وإعاقة تطورها، ينبغي ألا يسود في سورية الجديدة.
المهمات المنتصبة أمام سورية والسوريين بقواهم المختلفة، بمن فيهم السلطة القائمة، هي مهام كبرى وجسيمة، والأخطار المحدقة أيضاً كبيرة وخطيرة، ولا إمكانية للوصول إلى بر الأمان دون أكبر قدر من التعاون والتشارك والوحدة الوطنية، ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن أيضاً، وقبل كل شيء، على المستوى الاقتصادي- الاجتماعي، الذي تزداد أهميته يوماً بعد يوم، ويتحول إلى الجوهر الأساسي الذي يتكلم فيه الناس كل يوم وفي كل مكان؛ فالبحث عن لقمة العيش الكريمة، وعن طرق إعادة إقلاع الاقتصاد، وتجاوز العقوبات التي لا يمكن التعويل على رفعها قريباً، هي أسئلة جدّية ينبغي أن تكون محوراً أساسياً، أو حتى المحور الأساسي، في الحوار الوطني المطلوب، وفي عمل الحكومة الانتقالية القادمة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1212