ما هي وظيفة «العدالة الانتقالية»؟
يقدم الاختصاصيون تعريفات ومعايير متعددة لمفهوم العدالة الانتقالية؛ فالمفهوم ليس جديداً، وليس اختراعاً سورياً، ولكنه مستخدم مراتٍ عديدة سابقاً، في حالات مشابهة بشكل أو بآخر للوضع السوري؛ أي في حالات جرى فيها اقتتال عنيف، شارك فيه أبناء بلد واحد ضد بعضهم بعض، وتركت عدداً كبيراً من الآلام والضحايا، كما في مثال جنوب أفريقيا مثلاً، أو مثال رواندا، وغيرهما من الأمثلة.
ولكن، بعيداً عن الدخول في التعريفات والمعايير المعقدة، فإن الفكرة الأهم حول العدالة الانتقالية، والتي تسمح بتطبيقها بشكلٍ فعال، هي الفكرة المتعلقة بوظيفتها؛ فتطبيق العدالة الانتقالية هو أشبه بتنظيف الجرح قبل إغلاقه، لمنع تعفنه وتلوثه وعودته للانفجار مجدداً بشكل أسوأ وأكثر خطورة.
بهذا المعنى، فإن الغاية النهائية من العدالة الانتقالية هي تضميد الجرح السوري العميق، لا زيادته عمقاً. وهي بالتالي تتناقض بشكلٍ مباشر مع «الانتقام» و«التشفي» و«الإذلال».
إغلاق الجرح يحتاج من جهة إلى المصارحة والمسامحة، ويحتاج من جهة ثانية، وبالتوازي، إلى محاكمات عادلة وعلنية وشفافة للمجرمين.
كمثال بسيط على أهمية العلنية مقارنة بالانتقام، فإن قتل أحد المجرمين من قادة الفروع الأمنية دون محاكمة، يعني ضمناً تلاشي قدرٍ كبير من المعلومات عن المعتقلين المفقودين، في حين أن التحقيق معه ومحاكمته، وتطبيق الحكم عليه وفق مسار قضائي، ربما يسمح بكشف مصير عدد من المغيبين الذين ما تزال قلوب أمهاتهم بانتظار أي معلومة عنهم تهدئها وتغلق جراحها...
ينبغي التعامل مع «العدالة الانتقالية» بقدرٍ كبير من الحكمة والتعقل، وبالاستناد إلى التراث الإيجابي ضمن ثقافة شعبنا، وبما يخدم طي صفحة سوداء من تاريخ هذا الشعب، وباتجاه فتح صفحة جديدة، يأمل السوريون كلهم أن تكون مشرقة تسودها الطمأنينة والحياة الكريمة…
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1211