كلمتان حول «العمل السياسي»

كلمتان حول «العمل السياسي»

لا يزال مصطلح «عمل سياسي» جديداً نسبياً على السوريين، على الأقل بوصفه أمراً يمكن لأي منهم أن يمارسه، وليس بوصفه شأناً لا علاقة لهم به؛ فإذا ما سألت أحداً اليوم في الشارع السوري عن انطباعه الأولي فيما يتعلّق بهذا المصطلح، فعلى الأغلب لن يقدم لك تصوراً واضحاً عن ماهية العمل السياسي؛ فالعمل السياسي هو «ترف» و«ما بيطعمي خبز» وغالباً ما كان مرتبطاً في أذهان الكثيرين بالنخبة فقط، بمعنى أنّ من يمارس العمل السياسي هو الشخص الذي يملك ما يكفي من المال ليعيش به، ولديه متسع من الوقت ليفكر ويتابع أخبار السياسة ويحلّل ويستنتج.

ليس من المستغرب على الإطلاق أن تكون الصورة على هذا الشكل؛ فالسوريون لم يختبروا حياة سياسية صحّية منذ عام 1958، منذ قام عبد الناصر بحلّ الأحزاب خلال الوحدة السورية المصرية، وتبنّى سياسة الحزب القائد التي استمرت في سورية حتى سقوط السلطة السابقة. حوالي ستين عاماً من الانخفاض المريع في مستوى الحريات السياسية، إضافةً إلى القبضة الأمنية العالية، أدّت بطبيعة الحال، ليس فقط إلى انخفاض مستوى «العمل السياسي»، بل وإلى تشويهه أيضاً عبر حصره بالنخب، وعبر تكريس فكرة أنه غير مجدٍ.
ما حصل في الحقيقة، هو أنّ السوريين عاشوا قرابة ستين سنة من حالة انخفاض النشاط السياسي، رغم أن الساحات والسجون لم تخل طوال هذه الفترة من المناضلين والمعتقلين، واستيقظوا عام 2011 على درجة عالية من النشاط السياسي، وفي نهاية 2024 على درجة أعلى من الفاعلية السياسية، بحيث تحولت المقاهي التي كانت تضمّ أعداداً هائلة من الشباب الذين يلعبون الورق والطاولة إلى منتديات سياسية لهؤلاء الشباب أنفسهم؛ فبعد سقوط الطاغية وانفتاح الأفق والحريات، بدأ المجتمع السوري يشعر بنوع من المسؤولية، وربما أهم من ذلك، بدأ يشعر بقدرته على الفعل والتأثير... الكل يريد فعل شيء ما، فقد انفتح الباب نحو استعادة السوريين لبلدهم، وعلينا كسوريين أن نفعل شيئاً ما لاستعادة بلدنا، وبناء سورية التي نحب، ولكن غياب وتشويه مفهوم العمل السياسي حال بينهم وبين الإجابة الواضحة عن سؤال: ما العمل؟
في الحقيقة، وإن أردنا تبسيط تعريف العمل السياسي يمكننا اختصاره بما يلي: «تنظيم الناس للالتفاف حول أهداف برنامجية واضحة، تخصّ جوانب حياتهم المتعددة وبالأخص تلك المتعلقة بوضعهم المعيشي»، وهذا يتماشى مع صحة مقولة «السياسة تكثيف للاقتصاد» وينفي فكرة وجوب استفراد النخب فقط بالعمل السياسي، وينفي اختصار العمل السياسي بالاهتمام فقط بقضايا المعتقلين والحريات السياسية فحسب. تنظيم الناس اليوم ضرورة قصوى للوصول إلى سورية التي نريد، فامتلاك فكرة صحيحة وجيدة وتصب في مصلحة الناس لا يمكن أن يجدي نفعاً لو امتلكها شخص واحد بمفرده «إيد وحدة ما بتصفق»، بينما لو امتلك هذه الفكرة حشد كبير من الناس لتحولت إلى قوة ضاغطة في المجتمع، تستطيع التأثير، وبالتالي التغيير والوصول إلى ما يريده هذا الحشد.
إحدى أكبر مشاكل العمل السياسي اليوم، هي أننا نعيش في عصر السوشال ميديا، حيث الاستهلاك السريع للمعلومة. من المؤسف الاعتراف بحقيقة أن جيلنا هو جيل «الريلز» اعتاد الحصول على الأشياء بسرعة، وبذلك أصبح فاقداً للصبر ويميل للنتائج السريعة. وهذا ما يتناقض بصورة فجّة مع العمل السياسي، والذي يحتاج إلى قدر كبير من الصبر والحكمة والنفس الطويل، فنتائج العمل السياسي تراكمية إلى تلك الدرجة التي من المتوقع ألّا ترى نتائج مباشرة لعملك إلا بعد سنوات وسنوات من العمل. مع ذلك يبقى العمل السياسي المنظّم هو السبيل الوحيد لإحداث تغييرات جذرية في المجتمعات، وبالاتجاه الذي تريده الغالبية العظمى من هذا المجتمع... فالطريق الصحيح، غالباً ما يكون الطريق الأصعب، ولكنه الطريق المضمون النتائج...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1211