تلاحم القضايا الثلاث وضمان المستقبل
«الترابط العميق إلى حد الاندماج بين القضايا الثلاث: (الوطنية، والاقتصادية-الاجتماعية، والديمقراطية)، هو المدخل العلمي الوحيد لتفسير الواقع السوري تفسيراً صحيحاً يسمح بتغييره» ... بهذه العبارة يبدأ الفصل المسمى «المرحلة ومهامنا»، ضمن مشروع برنامج حزب الإرادة الشعبية الذي تم نشره عام 2013. وقد تبدو هذه الجملة غامضة بالنسبة للبعض، ولذلك لا بد لنا من شرح ما قصدناه في تلاحم هذه القضايا.
ينتقد برنامج الحزب في حينه سلوك النظام حيال قضايانا الوطنية، وقد رأى منذ تأسيسه أن النظام السوري لم يملك أي نيّة حقيقة في حل جملة من المسائل الوطنية، والتي كان على رأسها استعادة الجولان المحتل، بل وفرطت السلطة السابقة تدريجياً بهذا المطلب الشعبي، واستخدمته لنهب الشعب وتكميم الأفواه، وتركت البلاد مكشوفة أمام شتى المخاطر؛ ففي حين رفعت شعار الممانعة لعقود لم تدرك أن الظرف الدولي والإقليمي بات يفسح المجال للانتقال نحو الهجوم بدلاً عن الموقف السلبي القابل للمساومة دائماً، والهجوم لا ينحصر بالقتال العسكري بغية استعادة الأرض، بل هو باقة متكاملة تبدأ من ضرب أعداء الداخل والناهبين الكبار، كونهم العامل الأساسي في إضعاف جبهتنا الداخلية.
تشدق السلطة بالشعارات الوطنية، ترافق مع اعتماد سياسات اقتصادية اجتماعية أدت إلى ضرب الاقتصاد الوطني، وحرمان البلاد من أي مشروع تنموي حقيقي، بل اتبعت الحكومات السورية المتعاقبة نهجاً عمل على ضرب قطاعات الإنتاج الأساسية، وحاولت تضليل الشعب بشعارات مثل: «اقتصاد السوق الاجتماعي» كما لو أنّه من الممكن حماية الخراف والحفاظ عليها، وإبقاء معدات الذئاب ممتلئة في آن واحد، وحَوّل النظام البنية القانونية بشكل ممنهج لتخدم أصحاب الربح واللصوص على حساب عموم السوريين الذين لم يملكوا إلا قوة عملهم، وهكذا جرى توزيع مجحف للثروة وتناقصت حصة السوريين منها تدريجياً، بل ومع بدء الأزمة السورية عام 2011 وجد الناهبون فرصة جديدة لزيادة حصتهم، ولم يبق للسوريين إلا الفتات الذي لم يكن كافياً لتأمين الغذاء الضروري، وتركوا الشعب في العراء جائعاً يبحث عن المأوى ولقمة العيش.
إن فرض سياسية كهذه لم يكن من الممكن دون مصادرة الحريات والتضييق على النشاط السياسي الجدي، وكانت عملية نهب السوريين الممنهجة تستوجب تحويل البنية السياسية القائمة كلها إلى خدمة الفاسدين، فجرى على هذا الأساس إبعاد السوريين عن ممارسة الرقابة الشعبية، وعن المشاركة في صناعة القرار، وحرموا من برلمانهم عبر قانون انتخابات محدد، قسم سورية إلى عدد كبير من الدوائر، ما فسح المجال أمام السلطة وناهبيها لإيصال مندوبيهم إلى البرلمان الذي جرى إخصاؤه وحرمانه من دوره الرقابي والتشريعي لصالح عموم السوريين.
ما سبق يوضّح بشكل مبسط ما قصدناه حين تحدثنا عن تلاحم هذه القضايا الثلاث، واليوم يضع التاريخ أمامنا هذه المهمة لإعادة صياغة برنامج متكامل، لا تنفصل فيه قضايانا الوطنية عن لقمة عيشنا، ولا يسمح لأي طرف بحرماننا من سلاحنا في الدفاع عن حقوقنا عبر حركة سياسية حقيقة، ونظام سياسي جديد، يضمن فصل السلطات ويوزعها بشكلٍ عادل ومتوازن، وينهي دور المركز في النهب والقمع، ويحفظ له دوره في الدفاع عن البلاد والحفاظ على وحدتها وتخطيط اقتصادها، واليوم يُعيد «الإرادة الشعبية» وضع طروحاته للنقاش العام بغية تطويرها لبناء سورية التي نطمح لها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1205