افتتاحية قاسيون 1199: فردتا حذاء يلبسهما الشخص نفسه!
سُئِلَ فيديل كاسترو عام 1960، وقُبَيلَ الانتخابات الأمريكية التي جرت في السادس من تشرين الثاني من ذلك العام، أيّهما تفضّل؟ نيكسون أم كينيدي؟ فأجاب: «لا يمكن المفاضلة بين فردَتَي حذاء يلبسهما الشخص نفسه».
قد ينظر البعض إلى عبارة كاسترو هذه على أنّها فظَّة وغير دبلوماسيّة، ولكنَّ محاولةَ النظر بشكلٍ موضوعيّ إلى مُجمَل تاريخِ الانتخاباتِ الأمريكيّة ابتداءً من نهاية الحرب العالمية الأولى مع تشكيل وتسيُّد الاحتياطيّ الفيدراليّ الأمريكيّ، ومِن ثمّ نهاية الحرب العالمية الثانية، واكتمال المجمَّع الصناعيّ العسكريّ الأمريكيّ ومعه المجمَّعُ الاستخباراتيّ الأمريكيّ، تُبيِّنُ أنَّ هذه العبارة باتتْ تعبيراً صادقاً عن حقيقة نظام الحكم في بلاد اليانكي.
الشخصُ نفسه الذي «يلبس فردتي الحذاء»، هو النخبةُ الحاكمة في الولايات المتحدة، والتي تبقى هي نفسُها أيّاً يكن حزبُ ولونُ وسياسةُ الرئيس الذي يتمُّ انتخابُه؛ النخبة الحاكمة المتمثّلة بمَلاكِ نظام الاحتياطيّ الفيدراليّ، أصحابِ أكثر البضائع ربحاً ونهباً في العالَم وعلى مرّ التاريخ: الدولار الأمريكي، ومعهم المجمَّعُ الصناعي العسكري والاحتكاراتُ الكبرى في مجالات الدواء والزراعة والتكنولوجيا وغيرها، وشركاؤهم ضمن مافيات رأس المال المالي الإجرامي التي تَعزَّزَ عَمَلُها العالمي ابتداءً من ظهور البترودولار، بمختلف أشكالِ نشاطها الأسود، وباتتْ جزءاً أصيلاً ومعتبراً من دورة رأس المال العالمي منذ عدة عقود، وتعزَّزتْ أكثر بعد أفغانستان 2001 وأزمة 2007–2009.
اليوم أيضاً، ومن جديد، يقف العالم «الحُرّ» و«غير الحُرّ»، أمام المونديال المكرَّر لاختيار فردةٍ جديدةٍ للشخص نفسِه. وأمام هذا المشهد، لا بدَّ من فرز المعطيات والتوقُّعات بين صِنفين أساسيّين، الأوّل هو ما سيبقى ثابتاً، والثاني هو ما سيتغيّر.
أمّا ما سيبقى ثابتاً، فيتمثّل بالتالي:
أولاً: الاتجاه العام للسياسة الخارجية الأمريكية سيبقى على حاله؛ أيْ أنَّ السعيَ وراء إشعالِ جملةٍ من الحروب النُّقطية في أماكنَ متعددةٍ من العالم سيستمر ويتصاعد. وفي منطقتنا سيستمر العمل على تفجير الفوضى الهجينة الشاملة، والتي سيكون بين أهدافها الواضحة في الأمد المنظور استهدافُ الخواصر الضَّعيفة، وبينها سورية، وربّما مِصر أيضاً.
ثانياً: سيستمر دعم واشنطن للإجرام الصهيوني، وستستمر محاولات الأمريكي احتلالَ موقعِ العدو والوسيط في آن معاً، ولن تتراجع الحرب إلّا مع الارتفاع المتعاظم لاحتمالات خسارة الأمريكي لها، أيْ مع ارتفاع حجم الضربات والاستنزاف الذي يتعرض له هو وأداته «الإسرائيلية».
ثالثاً: استنزاف واشنطن لـ«حلفائها» وأتباعها، سيتعاظم بشكلٍ كبير، وسيصبح هؤلاء «الحلفاء» أمام صراعٍ وجودي ليس مع أعدائهم التاريخيين الافتراضيين، بل بالتحديد مع «حليفهم» الأمريكي بالدرجة الأولى. ينطبق هذا الكلام على أوروبا وعلى دول عديدة في منطقتنا بينها تركيا ودول في الخليج العربي وفي مناطق أخرى حول العالم.
وأمّا ما سيتغير فهو التالي:
أولاً: ستزداد احتمالات الاضطرابات الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية، محمولةً ليس على الصراع الشكلي بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل محمولة على الانقسام ضمن النخبة الحاكمة نفسها حول طريقة التعامل مع التراجع الموضوعي (الانقسامُ الذي شكل اقتحام الكونغرس عام 2021 مجرَّد إشارة أولية عما يمكن أن نشهده من مَظاهرِهِ لاحقاً)، ومحمولة أيضاً -من الناحية الشعبية- على تآكل مستوى المعيشة وتآكل الحُلم الأمريكي عبر عقودٍ من ثبات مستوى الدخل وارتفاع التضخم، وعبر عقود من تراجع الخدمات الصحية والتعليمية، وبكلمة، عبر أربعة عقود على الأقل من السياسات النيوليبرالية المتوحّشة، المترافقة مع التراجع التدريجي لأهمّ مصدرِ دخلٍ أمريكي على الإطلاق: الرَّيع الدولاري.
ثانياً: ستتعمّق عزلة واشنطن عالمياً، وستتعزز القوى المناهضة لها على مستوى العالم، الدولية منها والإقليمية والمحلية... وضمن عملية التراجع الشاملة، سيبدأ المنظِّرون لنهاية التاريخ من أبناء جلدتنا بإعلان توبتِهم بعد فوات الأوان، ومن هنا إلى ذلك الحين، سيواصلون المراهنة على الأحصنة الخاسرة حتى لو أدى بهم ذلك إلى الانزلاق إلى مناصرة الكيان «الإسرائيلي» بشكلٍ علني...
أخيراً، وبما يخصنا بشكلٍ مباشر في سورية، فإنّ الانتخابات الأمريكية، أياً تكن نتيجتها ستغير شيئاً أكيداً، هو أنها ستزيد من سرعة تضاؤل الوزن الأمريكي في سورية، وسيكون الباب مفتوحاً بشكلٍ أكبر أمام إخراج سورية من أزمتها موحَّدةً أرضاً وشعباً عبر تنفيذٍ كاملٍ للقرار 2254، بالتعاون مع أستانا والصين ودولٍ عربية أساسية، وبالتوازي مع تسويةٍ سوريةٍ تركية بالضدّ من الإرادة الأمريكية–الصهيونية...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1199