إليكم النتيجة المؤكدة للانتخابات الرئاسية الأمريكية!
سعد صائب سعد صائب

إليكم النتيجة المؤكدة للانتخابات الرئاسية الأمريكية!

تنشغل وسائل الإعلام حول العالم، وكما هو الأمر كل أربع سنوات مع «مونديال كأس العالم السياسي» الخاص بالانتخابات الأمريكية، بالتوقعات والتحليلات حول نتائج تلك الانتخابات، وما سيترتب عليها على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وعلى مستوى العالم بأسره. في هذه المادة، وبما أنّ العالَم كلّه يرى نفسه معنياً بهذه الانتخابات ونتائجها، سنشارك في عملية التبصير والضرب بالمندل الجارية حول العالم، ولكن قبل أن نكشف عن النتيجة المؤكَّدة برأينا لهذه الانتخابات، لا بدَّ من قول بعض الملاحظات العامة ومن التذكير ببعض الأساسيات حول الانتخابات الأمريكية...

يمثل النظام الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية، واحداً من أسوأ الأنظمة الانتخابية حول العالم، ويكاد يكون النظام الأسوأ تمثيلاً بالمعنى الشعبي على امتداد مساحة الكرة الأرضية، ويعود ذلك إلى عدة أسباب بينها:
أولاً: رغم أن النظام الأمريكي هو نظام رئاسي من حيث الشكل، إلا أن عملية انتخاب الرئيس ليست عملية انتخابٍ شعبي مباشر، وإنما تتم بشكلٍ غير مباشر عبر انتخاب ممثلي الولايات.
ثانياً: ضِمن الانتخابات على مستوى الولايات، النظامُ المعتمد هو النظام الأكثريّ، ما يعني أنّ الولاية بالمحصلة تصوِّت لواحدٍ من مرشحين بنسبة مئة بالمئة، وتحترق أصواتُ الأقلية بشكلٍ كامل.
ثالثاً: عبر أكثر من مئة عام، ينحصر «السباق الرئاسي» الأمريكي في الحزب الحاكم ذي الرأسين (الجمهوري/الديمقراطي)، وفرص خرق هذا الحزب هي عملياً صفر، وكلّ محاولات الترشح من خارج الحزب الحاكم كانت محاولات عبثية لم تستطع تحقيق أيّ شيء.
رابعاً: تكاد تكون الانتخابات الأمريكية الانتخابات الوحيدة في العالم التي تشرعن المالَ السياسي بشكلٍ علني؛ فعملية جمع التبرعات للحملات الانتخابية هي عمليةٌ مفتوحة السَّقف ومقترنةٌ برضا أصحاب رؤوس الأموال، أيْ أنَّ بطاقة العبور نحو الدخول في التنافس ليست رأيَ الشعب الأمريكي، بل رأي أصحاب رؤوس الأموال، ما يجعل من الانتخابات الأمريكية تجسيداً ملموساً وفجاً لجوهر فكرة الانتخابات والديمقراطية في ظل الأنظمة الرأسمالية؛ حيث الانتخابات هي تنافس محصور ضمن الطبقة السائدة، وأما الطبقات المحكومة، فيمكنها أن تختار من سيستغلها من بين الخيارات الإجبارية المطروحة أمامها.
خامساً: الوسيلة الأساسية في تسيير عملية «التنافس الانتخابي» هي وسائل الإعلام الجماهيري، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي. و«بالمصادفة البحتة» فإن ملكية هذه الوسائل والقدرة على التحكم التام بها، تقع في أيدي الطبقة السائدة نفسها، والتي تحدد عملياً المسار الذي تسير ضمنه «المنافسة»، ومواضيع تلك «المنافسة».
سادساً: يضاف إلى ذلك كله، وسائل التزوير الفجة التي تشبه أكثر الأنظمة استبداداً حول العالم، بما في ذلك أساليب «الصناديق المحدثة» وما شابهها، ناهيك عن الفضائح حول الوثائق اللازمة للإدلاء بالأصوات، حيث إن عدداً غير قليل من الولايات يمكن للشخص أن يدلي فيها بصوته دون إظهار أي وثيقة تُعرِّفُ به، وفي بعضها الآخر يمكن للوثيقة أن تكون دون صورة شخصية عليها، ما يفتح الباب لعمليات تزوير بالجملة.

والآن ننتقل إلى فقرة «الضرب بالمندل»

أولاً: في حال فوز كامالا هاريس، فإنّ السياسة الخارجية الأمريكية ستبقى ضمن النهج العام نفسه الذي كانت عليه خلال رئاسة بايدن؛ أي أنّ العمل على إنفاذ مخطط الفوضى الهجينة الشاملة في منطقتنا سيستمر، ما يعني أن العدوان «الإسرائيلي» سيستمر ردحاً إضافياً من الزمن ما دام ذلك ممكناً، أي في حال لم تصل الخسائر والآلام إلى عتبة الانهيار. وبالتوازي سيتواصل العمل على تفجير المنطقة باستخدام مختلف الفوالق وعلى رأسها القومي والديني والطائفي... ويمكن أن نتوقع أيضاً استمرار عمليات الاستنزاف في أوكرانيا وفي تايوان، ويمكن أيضاً أن نكون متأكدين من أن بؤراً جديدة للصراع سيتم إشعالها، ربما في محيط روسيا بالدرجة الأولى، وكذلك في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وعلى حدود الصين، أي في كل مكان مرشَّح للانفجار في العالم.
ثانياً: إذا فاز ترامب، فإن السياسة الخارجية الأمريكية ستبقى ضمن النهج العام نفسه، ربما مع بعض التعديلات البسيطة... لأن جهاز الدولة العميق سيبقى هو نفسه وإن كان سيخضع لضغط أكبر في حال وصول ترامب... وسيستمر هذا الجهاز في فرض سياسته بغض النظر عن رأي ترامب، كما جرى مثلاً مع موضوع سحب القوات الأمريكية من سورية، حيث أعطى ترامب خلال رئاسته الأمر مرّتين بالانسحاب من سورية، ولم تمتثل الأجهزة التنفيذية للأمر... ولكن الأكيد هو أن عملية التنافر والانقسام الداخلي ستتعمق.
ثالثاً: أيضاً في حال فوز هاريس، فإن التناقض سيرتفع، واحتمالات الفوضى الداخلية الأمريكية ستزداد، خاصة مع المؤشرات المستمرة المتعلقة بالتضخم والبطالة وتدهور القطاع الصحي والتعليمي، والتي ستكون الأمر المشترك الثابت أيّاً يكن الرابح في الانتخابات.

إليكم النتيجة!

النتيجة المؤكدة لهذه الانتخابات تتلخص بالتالي:
أولاً: سيتعمق الانقسام الداخلي الأمريكي، وسيتعمق معه التراجع الأمريكي على المستويات المختلفة داخلياً وخارجياً.
ثانياً: لن تكون الولايات المتحدة قادرة على حسم أي اتجاه استراتيجي في صراعها الدولي؛ أي أنها لن تكون قادرة على المضي خطوات كبرى باتجاه المواجهة المباشرة لا مع الصين ولا مع روسيا، ولن تكون قادرة على الوصول إلى تسويات واتفاقات تضمن لها موقعاً معقولاً كقطب بين أقطاب متعددة، ولذا فإن المحصلة ستكون استمرار الاستعصاء العالمي فترة ما إضافية، خلالها ستتراكم عوامل الانهيار بشكل أكبر وصولاً إلى العتبة الحقيقية للانهيار.
ثالثاً: ستزداد عمليات الانفكاك والنأي بالنفس في القوى التابعة سابقاً لواشنطن، وضمناً في عالمنا العربي وفي أوروبا وإن كانت أوروبا فيما يبدو ستكون آخر المنفكّين عن واشنطن.
رابعاً: في منطقتنا، ستتواصل عملية استنزاف الكيان، وسيكون أكثر ضعفاً وهشاشة مع كل يوم إضافي ضمن المعركة، وسيصل في وقت غير بعيد إلى مفترق طرق حاد؛ فإمّا أن يقطع عتبة اللاعودة بشكلٍ نهائي، ويمضي نحو نهاية محتومة، حيث تتم التضحية به أمريكياً ضمن عملية تفجير شاملة لمنطقتنا إنْ تمكنت واشنطن من ضمان ذلك، أو أن يدخل في حالة انكفاء عبر جملة اتفاقات تختصر حجمه إلى حدود تنفيذ القرارات الدولية، ما يعني ضمنياً نهايته ككيان عنصري استيطاني إلى الأبد...
خامساً: صبيان أمريكا من السوريين، وأياً يكن اصطفافهم المعلن، موالاة ومعارضة، سيتضح أنهم في نهاية المطاف صبيان «إسرائيل» في الوقت نفسه... وسيظهر خلال وقت غير بعيد مدى حماقة رهاناتهم ومدى قصر نظرهم، ناهيك عن خيانتهم بالمعنى الوطني، وسيتم إبعادهم بشكلٍ كامل من اللوحة السياسية لسورية المستقبل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1199