افتتاحية قاسيون 1194: المعركة مستمرة!
يراهن «الإسرائيلي»، ومعه الأمريكي، على أن الضربات المكثفة المؤلمة السريعة التي تم توجيهها إلى لبنان، وإلى حزب الله خلال الأسبوعين الماضيين، وصولاً إلى اغتيال أمينه العام حسن نصر الله، وعدد من قيادات الحزب، ستكون كفيلة بتأمين الحماية لـ«إسرائيل»، عبر شل حزب الله وإنهاء جبهة الشمال، وبالحد الأدنى عبر فصلها بشكل كاملٍ عن غزة والضفة.
يمكن التعبير عن سلوك الكيان في هذه الفترة، بأنه بالضبط محاولة للقفز من الماء المغلي الذي يتم سلقه به (انظر افتتاحية قاسيون الماضية: الضفدع الغربية تُسلق على نارٍ هادئة)؛ ولنتذكر أن «الإسرائيلي» بات يفهم هذه المسألة بشكلٍ جيدٍ منذ عدة أشهر على الأقل، وقد عبر عن ذلك بشكلٍ علني على لسان سفيره إلى الأمم المتحدة جلعاد إردان، يوم 14 نيسان من هذا العام، حين قال بطريقته الاستعراضية والإنكارية المعتادة: «نحن لسنا ضفدعاً في ماءٍ مغلي، نحن أمة من اللُّيُوث»...
إن ما يمكن استنتاجه من كثافة الحدث خلال الأيام الماضية، يتلخص بما يلي:
أولاً: فتح «الإسرائيلي» لمعركة الضفة، كان هروباً إلى الأمام من عجزه عن تحقيق أهدافه في غزة، وعجزه عن إنهاء المعركة بطريقة لا يخرج بها خاسراً. وكذا الأمر بالقفز نحو لبنان، فهو هروب إلى الأمام أيضاً ضمن حربٍ هي الأطول والأكثر استنزافاً في تاريخ الكيان بأسره.
ثانياً: إلى جانب البيانات والأرقام التي توضح حجم الإرهاق والاستنزاف الذي يعيشه الكيان، وبين أهمها: أعداد المهجرين داخلياً من الشمال الفلسطيني المحتل نحو الوسط والجنوب، التي تتراوح تقديراتها بين عشرات ومئات الآلاف، وأعداد الذين غادروا الكيان ببطاقة باتجاه واحد، وعددهم بمئات الآلاف خلال هذه السنة، وانخفاض أعداد المهاجرين الجدد إلى الكيان حدّ الصفر، فإن أفضل من يمكنه التعبير عن الوضع الحالي للكيان، هو أحد أشهر وأهم مؤيديه، ونقصد توماس فريدمان، الذي كتب يوم 25 من الجاري: «إسرائيل تعيش تحت خطرٍ رهيب وتهديد وجودي... الشيء الوحيد الذي أعرفه على وجه اليقين، هو أن الطريق الذي يقيِّدُ نتنياهو «إسرائيلَ» به الآن، هو طريقُ إلى الدمار، محاطٌ بحلقة من النار. إذا استمررتَ على هذا المسار، فإن أكثر الناس موهبة في (إسرائيل) سيبدؤون في المغادرة، وستختفي (إسرائيل) التي تعرفونها إلى الأبد».
ثالثاً: يلامس فريدمان مسألة جوهرية في أسس وجود هذا الكيان، وفي مقدمتها «الأمن العالي والرخاء والحروب السريعة المدمرة»؛ هذه العناصر كلها بدأت بالتبخر عملياً، ومع تبخرها سيفضّل قدرٌ كبير من المستوطنين ترك هذه البلاد مرةً وإلى الأبد، وخاصة منهم أولئك الذين تقوم الصناعة المتقدمة عليهم، أسوةً بما جرى مع المستوطنين الفرنسيين في الجزائر، الذين أدى الاستنزاف إلى هروبهم بمئات الألوف خلال سنة واحدة ما قبل التحرير... وربما لن يبقى في الكيان إلا أشباه صنف الحريديم الذين لا يعملون، ولا يقاتلون ولا يدرسون، وهم أشد تخلفاً وتعصباً من داعش نفسها.
إجمالي هذا الوضع الذي تجد «إسرائيل» نفسها فيه، يدفعها لمحاولة القفز من قدر الماء الذي ارتفعت حرارته كثيراً، واقتربت من الغليان، ولكن النتيجة الوحيدة التي ستحصل عليها، هي أن تسارع ارتفاع الحرارة تحته سيزداد؛ فليس مطلوباً من قوى المقاومة في كامل المنطقة أن توجه ضربات كبرى قاضية؛ فالحرب غير المتناظرة التي يجري خوضها، يمكن كسبها بالنقاط فقط، وعبر الاستمرار في استنزاف العدو، وهو ما جرى ويجري وسيستمر، مهما بلغت قسوة الضربات التي يوجهها العدو؛ فلا مهجرو الشمال سيعودون، ولا جبهة لبنان سيتم إغلاقها أو فصلها، وإنما سينتقل العدو نحو فصل جديد طويلٍ من الاستنزاف، المؤكد فيه، هو أن المعركة مستمرة، وأن احتمالات تحمل الكيان للاستنزاف الطويل معدومة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1194