افتتاحية قاسيون 1187: سورية... الصفيح الساخن والفرصة التاريخية!
اكتملت عشرة أشهر ويزيد على العدوان «الإسرائيلي»/الأمريكي الإبادي المفتوح على غزة وفلسطين ككل. وبعد أن عمل الأمريكان بوقاحة وعلنية ضد أي حديث عن وقف إطلاق النار طوال الأشهر الخمسة الأولى، فإنهم واصلوا إصرارهم على استمرار المقتلة بعد ذلك، وإنْ بأساليب أكثر مواربة ونفاقاً، دفعتهم إليها عزلتهم الدولية، في هذه القضية على الخصوص.
الأشهر الماضية الثقيلة أثبتت ما كانت قاسيون قد قالته بعد حوالي شهرين على 7 أكتوبر، في افتتاحيتها المعنونة «ما وراء غزة»، والتي قالت فيها: «إنّ المدى الزمني للمخطط الأمريكي في تفجير كامل المنطقة، ليس محصوراً بأسابيع أو أشهر، بل يتطلب فعلياً عدة سنوات. والحرب على غزة، وعلى فلسطين، ضمن هذا المخطط، ليست الغاية النهائية، بل هي أداة في رفع الحرارة ورفع التناقضات في مجمل المنطقة، لتسهيل الوصول إلى الغاية: الفوضى الشاملة».
الرغبة الأمريكية في إطالة عمر الحرب في فلسطين، تصطدم بجدارين صلدين؛ فلا الأهداف الموضوعة تحققت، ولا الحفاظ على دائرة النار ومنع توسعها مضمون؛ ما ينتجه هذا التناقض بين الرغبة الأمريكية في إطالة عمر الحرب لتخدم إشعال الفوضى الشاملة الهجينة القائمة على تعزيز وتفجير الفوالق الداخلية، وبين الارتفاع اليومي للتصعيد الذي يهدد بالانتقال إلى مواجهات مباشرة مفتوحة مع الكيان، ومع الأمريكان، تتناقض جوهرياً مع مخطط الفوضى وفقاً للرؤية الأمريكية، يؤدي إلى نتيجة مباشرة هي: تضييق الآجال الزمنية المتاحة أمام الأمريكان لـ«ترتيب» المنطقة ضمن مخطط الفوضى.
يؤدي هذا الأمر إلى ما نراه من تسارع في تسعير الوضع داخل وحول مصر ولبنان وغيرهما من الدول على أمل الوصول إلى الانفجار الشامل الداخلي بأقرب وقت ممكن، وكذلك يفسر ما نراه من تسارعٍ في العمل من تحت الطاولة بما يخص سورية، وضمن شعار «تغيير سلوك النظام» وضمن خطة «خطوة مقابل خطوة».
في هذا السياق بالذات، يتضح العمل الأمريكي المحموم على تعطيل وإعاقة وتأخير تسوية سورية- تركية برعاية أستانا، ودعم الصين، والدعم العلني لكل من مصر والسعودية (واللتان لطالما تحدثت قاسيون عن أنّهما جزء موضوعي من الدفع باتجاه هذه التسوية، وذلك قبل وقت طويل من إعلان أي من الدولتين رغبتها في دعم هذا المسار كما جرى مؤخراً)، ويتضح أيضاً حجم الإصرار الروسي والإيراني وحتى التركي على السير في هذه التسوية حتى النهاية، أي حتى تنفيذ 2254.
يظهر أيضاً معنى لا ورقة الدول الأوروبية الثَّمان، التي ما كانت لتصدر دون أمر عمليات أمريكي، هدفه النهائي هو تكريس تقسيم الأمر الواقع القائم في سورية، بل ومحاولة شرعنته.
كذلك، يصبح أكثر وضوحاً، سلوك بعض المعارضة السورية التي ارتأت الارتماء نهائياً في حضن الغرب، شأنها في ذلك شأن تجار الحروب والمتشددين على الضفة المقابلة؛ بما في ذلك التطبيل لموضوع خطوة مقابل خطوة، ومحاولة اختراع آليات تنفيذية له بينها على سبيل المثال لا الحصر: فكرة «المجلس العسكري» ...
الوقت ليس ضيقاً أمام الأمريكان وحدهم، بل وهو ربما أضيق أمامنا كسوريين؛ فإلى جانب التداعي والسقوط الحر الذي تعيشه البلاد وأهلها، والذين بات نصفهم وربما أكثر خارجها، فإنّ منظومة إقليمية جديدة تتكون الآن، والنخب في النظام والمعارضة التي تتعلق بأحبال الهواء الغربية، لا تهدد مصيرها هي وحدها فحسب، بل وتهدد مصير سورية نفسها، وتخرب على سورية والسوريين فرصة ولادة جديدة قوية ما تزال قائمة حتى اللحظة، وطريقها واضح ولا طريق غيره: «2254 فقط ولا شيء غيره... كاملاً والآن!».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1187