افتتاحية قاسيون 1184: 2254 فقط، ولا شيء غيره.. كاملاً والآن!

افتتاحية قاسيون 1184: 2254 فقط، ولا شيء غيره.. كاملاً والآن!

على السطح الخارجي، تبدو الأمور راكدةً في سورية بالمعنى السياسي؛ سواء كان الحديث عن الفرامل التي يجري استخدامها ضد سير التسوية السورية-التركية، أو عن انتخابات مجلس الشعب التي مرّت وكأنها لم تكن، أو عن استمرار الغرب شكلياً بسياساته نفسها، إلى غير ذلك من المؤشرات التي يتم الاستناد إليها للقول: إنّ لا شيء تغيّر ولا شيء سيتغير في أي وقت قريب.

على العكس من هذه الصورة الراكدة شكلياً، والتي تعبر عنها نُخب المعارضة والنظام بسلوكها وتصريحاتها، فإنّ الواقع في الداخل السوري وحول العالم، يغلي ويحفل بتغيرات كبرى تبدو إزاءها «نُخبنا» في حالة انفصالٍ تامٍ عن الواقع.

فالنظام لا يرى التغيير ضرورة ملحّة، ويتوهم أنه ممسك بالأوضاع بشكلٍ فعلي، إلى الحد الذي يجري معه تصوير انتخابات مجلس الشعب الأخيرة بوصفها مؤشراً على الاستقرار، في حين أنها، بالشكل الذي جرت فيه وحجم المشاركة، مؤشرٌ ودليل على درجة الإنهاك القصوى التي وصل إليها المجتمع السوري.

على الضفة «الأخرى»، فالمعارضة بشكلها الرسمي الحالي فاقدة للمصداقية، وعند جمهورها بالدرجة الأولى، والمتنفذون فيها يراهنون على دور الغرب الجماعي في الحل، وهو الذي لا يريد حلاً في أي وقت قريب، ناهيك عن أنه أصبح لا يرى في ٢٢٥٤ خريطة طريقٍ للحل، بعد غذّهِ السير في طريق الخطوة مقابل خطوة.

بعيداً عمّا تعيشه «النُخب»، يمكن التأكيد على المستوى الداخلي السوري، أنّ تراكم المآسي الاقتصادية الاجتماعية والغضب الشعبي مستمر بالتعاظم، ويترافق ذلك مع تهديدات مستمرة بانفجارات جديدة واضطرابات أمنية وسياسية في كل أنحاء البلاد، تعبّر عن نذرها بحادثة هنا وحادثة هناك، وعلى أساس يومي.

على المستوى العالمي، فإنّ ما رأيناه في الانتخابات الفرنسية والبريطانية، وما نراه في الانتخابات الأمريكية، وغيرها من الانتخابات التي تجري حول العالم، وكذلك ما رأيناه من انقلابات عسكرية ناجحة في إفريقيا، وانقلابات فاشلة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية دعمها الأمريكان وفشلت... كل ذلك ليس إلا مؤشراتٍ على حجم التسارع الهائل في عملية تغيير النظام العالمي بأسره.

 

جوهر عملية التغيير الجارية، هو أنّ الغرب ماضٍ في تراجعه وانحداره بتسارع يكاد يصل حدود السقوط الحر من وجهة نظر تاريخية. وهذا السقوط يعبّر عن نفسه بصورتين واضحتين: من جهة تعمق الانقسام بين الدول الغربية وضمن كل دولة على حدة، ومن الجهة الأخرى بانخفاض وزن ونفوذ وتأثير الغرب ككل في مختلف الملفات العالمية، ومنها الملف السوري.

يضاف إلى هذه الظروف، ارتفاع مستوى التفاهم والتقارب بين القوى الصاعدة، وعلى رأسها الصين وروسيا من جهة، وبين القوى الإقليمية الأساسية في منطقتنا: (تركيا، إيران، السعودية، مصر)، الأمر الذي يؤمن الشرط الموضوعي اللازم لحل الأزمة السورية حلاً فعلياً على أساس القرار 2254، وصولاً لإنفاذ حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه على أرضه الموحدة الخالية من الاحتلالات بمختلف أشكالها.

الفرصة التاريخية موجودة وقوية. الحل موجود وهو ٢٢٥٤ ولا شيء غير ٢٢٥٤ كاملاً، وفقط ٢٢٥٤. ما يعيق تحقق هذه الفرصة التاريخية حتى اللحظة هو العوامل الذاتية، أي القوى الداخلية المعاندة والمعارضة للحل السياسي، والمعولة في نهاية المطاف على الغرب بشكلٍ كامل، أو على الغرب بوصفه أداة في موازنة القوى للحفاظ على الركود، وعلى الوضع القائم.

القوى التي لا تدرك تغيّر الوضع الدولي، ولا تغتنم الفرصة التاريخية المتاحة، سواء أكان ذلك عن جهلٍ أم عن عمد، فإنها تحكم على نفسها بالخروج من مستقبل سورية، وربما لا أهمية كبرى لبقائها من عدمه، ولكن الأهم: هو أنّ عمليات الإعاقة التي تقوم بها، يدفع ثمنها الشعب السوري يومياً، مزيداً من الآلام والتضحيات التي آن الأوان، وبات الظرف سامحاً، لإنهائها، وصولاً لإعادة توحيد سورية وإعادتها وشعبها إلى الحياة...

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1184
آخر تعديل على الأحد, 18 آب/أغسطس 2024 22:36