سورية: الأكثري والنسبي
مع وقوف البلاد على عتبة تغييرات سياسية كبيرة مستحقة، ينفتح الباب واسعاً لطرح الأسئلة الأكثر إلحاحاً، والتي كانت مغيبة عن المشهد السياسي خلال العقود الطويلة الماضية، كنتيجة طبيعية لانخفاض مستوى الحريات السياسية والديمقراطية في سورية.
واحدٌ من هذه الأسئلة المفصلية هو تحديد طبيعة قانون الانتخابات البرلمانية المطلوب والضروري في سورية المستقبل. وكمدخل لهذا النقاش، لا بد من توضيح الفرق بين نظامين لانتخاب البرلمان: نظام الانتخاب الأكثري (وهو النظام المعمول به في سورية حالياً)، ونظام الانتخاب النسبي.
نظام الانتخاب الأكثري
هو واحد من أقدم الأنظمة الانتخابية في العالم، ويعرف أيضاً باسم «نظام الفائز الأول». ويقوم هذا النظام على مبدأ مفاده فوز المرشحين أو القوائم الحاصلة على أعلى عدد من أصوات الناخبين. والمرشح الفائز هو المرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات، حتى لو لم تكن هذه الأغلبية التي حققها أغلبية مطلقة (خمسون في المئة زائد واحد).
وينتشر هذا النظام اليوم بشكلٍ خاص في المملكة المتحدة والدول التي كانت واقعة تاريخياً تحت النفوذ البريطاني، مثل: كندا والهند ونيوزيلندا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو النظام المعمول به في سورية منذ عقود طويلة. من أهم مساوئ هذه الطريقة أنها تمثل الطرف الذي نال الأغلبية من الأصوات، وتستبعد نهائياً الأطراف الأخرى، كما أنها تعزز التركيز على الأفراد بدلاً من البرامج السياسية، وتقوي التمثيل على أساس مناطقي، وتؤدي إلى ضياع عدد كبير من أصوات الناخبين؛ فالناخبون الذين صوتوا للأقلية لا يحصلون مقابل أصواتهم على أي مقعد. وكمثال أولي: سنفترض أنّ 5 قوائم تتنافس في الانتخابات على 100 مقعد، وأسماؤها على التتالي: (أ، ب، ج، د، ه)، ولنفترض أنّ توزيع الأصوات جاء بالشكل التالي: (أ: 30%، ب: 25%، ج: 20%، د: 15%، ه: 10%) وفقاً للنظام الأكثري فإنّ المئة مقعد كلّها ستذهب للقائمة أ، ولن تحصل القوائم الأربع الباقية على أي مقعد. أي أنّ 70% من الأصوات لن يجري تمثيلها، وأكثر من ذلك فإنّ (النظام الأكثري) سيحول الأقلية النسبية (30%) إلى أكثرية مطلقة (100%).
نظام الانتخاب النسبي
يضمن نظام الانتخاب النسبي ترجمة حصة أي حزب سياسي أو جهة مشاركة في الانتخابات من أصوات الناخبين إلى حصة مماثلة من المقاعد في البرلمان. ويقوم كل حزب سياسي أو تكتل انتخابي في ظل هذا النظام بتقديم قائمة من المرشحين للدائرة الانتخابية (هنا قد تكون الدولة مقسمة إلى عدة دوائر انتخابية، أو تكون كلها دائرة واحدة)، وبعد انتهاء التصويت، يحصل الحزب أو التكتل على حصة من المقاعد تتناسب مع حصته من الأصوات.
ومن أهم المزايا التي يتمتع بها نظام الانتخاب النسبي هي أنه يساهم في خلق وتعزيز التعددية الحزبية، وضمان التمثيل العادل للمجتمع في البرلمان، ويقلل الأصوات الضائعة، كما أنه يدفع الناخب إلى الإدلاء بصوته بناءً على رأيه في البرامج الانتخابية المطروحة، وليس على رأيه في الأفراد (لا سيما إن كانت الدولة كلها دائرة واحدة، أي أن الناخب يصوت للمرشحين على نطاق البلد كله وليس عن منطقته فحسب) مما يقوي التمثيل على أساس وطني لا مناطقي ضيق، ويضعف إلى حد كبير عمليات التلاعب التي تجري من خلال المال السياسي.
مثال للتبسيط
سنفترض أن هنالك انتخابات في دائرة معينة للحصول على ستة مقاعد في البرلمان، وتتنافس في هذه الانتخابات ثلاثة قوائم لأحزاب وتكتلات مختلفة: القائمة (أ) والقائمة (ب) والقائمة (ج). وقد حصلت القائمة (أ) على 600 صوت، والقائمة (ب) على 400 صوت، والقائمة (ج) على 200 صوت.
في هذه الحالة لدينا طريقتان للحساب، فإذا كنا نعتمد نظام الانتخاب الأكثري، فإن القائمة (أ) ستحصل على المقاعد الستة جميعها، وعندها ستذهب أصوات الناخبين الـ 600 الذين صوتوا للقائمتين (ب) و(ج) هباءً، أي أن نصف المقترعين لن يستطيعوا أن يوصلوا صوتهم إلى البرلمان.
أما إذا كنا نعتمد نظام الانتخاب النسبي، فإن القائمة (أ) ستحصل على ثلاثة مقاعد، والقائمة (ب) على مقعدين، والقائمة (ج) على مقعد واحد.
تلعب طريقة الانتخاب، ولا سيما في تلك الحالات التي تكون فيها البلاد خارجة لتوها من أزمات وصراعات، دوراً محورياً في رأب الصدوع الناتجة عن هذه الصراعات، حيث إن المصالحة الوطنية الحقيقية والعميقة تحتاج إلى آلية تعكسها، والانتخابات هي إحدى هذه الآليات. وعلى هذا الأساس، ينبغي اختيار الطريقة التي تستطيع أن تنقل الصراع من شكله العسكري المهدد لحياة الملايين الناس، إلى شكله السياسي (أي الصراع عبر البرامج السياسية) القادر على دفع البلاد خطوات واسعة إلى الأمام.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1184