افتتاحية قاسيون 1181: من «الرّدع العسكري» إلى «الرّدع الإعلامي»!

افتتاحية قاسيون 1181: من «الرّدع العسكري» إلى «الرّدع الإعلامي»!

يحتل الحديث عن احتمال شنّ «إسرائيل» حرباً شاملة على لبنان، مساحةً كبيرةً من الفضاء الإعلامي الغربي و«الإسرائيلي» والعربي، مع فارق أنّه يحتل في وسائل الإعلام اللبنانية، وخاصة منها تلك التي تعمل وفق الأجندات الغربية، أضعاف ما يحتله في المواقع «الإسرائيلية»، وخاصة في إطار عمليات التهويل والتخويف والترهيب...

لا بد بداية، من تثبيت حقيقة، أنّ حدة الصراع على جانبي الحدود الفلسطينية اللبنانية، وحجم الخسائر المتتالية التي يتلقاها «الإسرائيلي»، هي في تصاعد مستمرٍ منذ 9 أشهر؛ ابتداءً من تدمير منظوماته الرادارية في جزء كبير من شمالي فلسطين المحتلة، ومروراً بتهجير مئات الألوف من مستوطنيه في الشمال، والذين ما يزالون مهجرين حتى اللحظة، ولا إمكانية لإعادتهم دون وقف الحرب على غزة، ووصولاً إلى الخسائر الاقتصادية الضخمة، وإلى التقديرات العسكرية التي يطلقها المختصون الصهاينة، والتي تظهر أنّ حرباً شاملة مع لبنان، إنْ وقعت، فإنها ستودي بالكهرباء والماء والبنى التحتية في الكيان، وتوقع ما يصل إلى 300 ألف قتيل في الكيان خلال أشهرها الأولى... وبكلام مختصر، فإنها ستكون جحيماً شاملاً يتحول معه ما جرى في 7 أكتوبر وبعدها إلى مجرد نزهة...

تجاوز التصعيد القائم كل الخطوط الحمراء السابقة المتعارف عليها باسم «قواعد الاشتباك»، والتدحرج المستمر لهذا التصعيد يمكنه بحد بذاته، على الأقل نظرياً، أن يقود نحو الصراع الشامل...

بالمقابل، فإنّ خطورة الدخول في حرب من هذا النوع على الكيان وعلى واشنطن نفسها، يجعل من احتمال وقوعها أقل بكثير مما يتم تظهيره إعلامياً؛ فإضافة إلى العجز الظاهر لدى الكيان في معادلة الرّدع العسكري، سواء ضد حماس أو ضد حزب الله (وهذا الردع أقل فاعلية بكثير تجاه حزب الله)، فإنّ الانتقال نحو حربٍ مباشرة، يتناقض على طول الخط مع الاستراتيجية الأمريكية الأساسية تجاه فلسطين، وتجاه المنطقة. الاستراتيجية القائمة على منع توسيع الصراعات المباشرة ضد الكيان، وبالتوازي العمل على نشر الفوضى الشاملة الهدامة التي تقوم على صراعات وأزمات داخلية انفجارية في كل دول الطوق.

بهذا المعنى، يمكن أن نفهم أشياء أخرى من الترويج المبالغ به لاحتمالات حرب وشيكة على لبنان:
أولاً: يهدف هذا الترويج إلى ترميم الرّدع العسكري «الإسرائيلي» المتداعي، عبر تفعيل الرّدع الإعلامي، من خلال التهويل والتخويف والاستعراض.

ثانياً: يهدف أيضاً إلى رفع احتمالات الفوضى في الداخل اللبناني نفسه، عبر تعميق الاستقطاب الداخلي، ومحاولة تهيئة أرضية انفجارات داخلية، على قاعدة الموقف من الحرب ومن غزة.

ثالثاً: يحاول الأمريكي استعادة دور «الوسيط» الذي فقده منذ زمن، عبر تقديم نفسه كـ «حامٍ» للمنطقة من احتمالات الحرب، وكمتحكم في العمليات الكبرى، وذلك لتعويض التراجع المستمر في وزنه، خاصة بعد إصرار حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى على دخول روسيا والصين كضامن في أي اتفاق لاحق لوقف إطلاق النار، ودخول الصين على خط المصالحة الفلسطينية.

رابعاً: يمكن لهذا التصعيد الإعلامي نفسه، أن يكون أداةً بيد الأمريكي و«الإسرائيلي»، لمحاولة تأمين مخرج من المستنقع الذي يتخبطان فيه، وذلك عبر استخدامه كأداة في التفاوض، علّ وعسى يجدون مخرجاً يحفظ ماء وجوههم.

سواء قامت حرب شاملة أو لم تقم، والاحتمال الأكبر هو أنها لن تقوم، فإنّ الأمريكي و«الإسرائيلي» سيخرجان أضعف وأقل وزناً، في كامل إقليمنا، وضمناً في سورية التي سيفتح التراجع الأمريكي المستمر الفرصة أمامها بشكلٍ أكبر للخروج من أزمتها، عبر الحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254، وبالاستناد إلى أستانا والصين ودول عربية أساسية، وعبر تسوية سورية-تركية برعاية أستانا، كجزءٍ من خريطة شاملة للحل...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1181
آخر تعديل على الأحد, 30 حزيران/يونيو 2024 20:17