ماذا وراء التضييق على اللاجئين السوريين في دول الجوار؟

ماذا وراء التضييق على اللاجئين السوريين في دول الجوار؟

تزداد خلال الأشهر الأخيرة، نوعية وحجم التضييقات التي تحاصر اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري؛ من تركيا إلى لبنان إلى الأردن إلى العراق.

تأخذ هذه التضييقات أشكالاً متعددة، بينها إجراءات قانونية جديدة، وحملات عنصرية تشجعها أطراف سياسية في بلدان الجوار.
في تركيا، وإضافة لتراجع الوضع الاقتصادي العام، صدرت عدة قرارات جديدة تتعلق بوضع اللاجئين السوريين، بينها قرارات تمنعهم من السكن في مناطق سكنية معينة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع إضافي في أسعار الإيجارات، وخاصة للسوريين، وكذلك هنالك «إذن السفر» الذي يتوجب على السوريين الذين يريدون التنقل من ولاية إلى ولاية ضمن تركيا الحصول عليه، والذي بات الحصول عليه شديد الصعوبة، مع وجود حالات يتوزع فيها أفراد عائلة واحدة بين أكثر من ولاية مع عدم القدرة على العيش في مكان واحد. وفوق ذلك كلّه ازدادت بشكل ملحوظ عمليات الترحيل وما يرافقها من عمليات احتجاز واعتقال في ظروف شديدة السوء.
في لبنان، التي كانت عملية التضييق على اللاجئين تتصاعد فيها أصلاً، تحولت حادثة مقتل باسكال سليمان في نيسان الماضي، إلى زنادٍ قادح لحملات عنصرية متلاحقة شملت التهجم على سوريين في عدة مناطق في لبنان، إضافة إلى اقتحامات لعدد من مخيمات اللاجئين. ومؤخراً صدرت تعميمات قانونية جديدة ألغيت بموجبها عدة أصناف من أشكال الإقامة القانونية التي كان من الممكن للسوريين الحصول عليها (مثلاً الإقامة على أساس عقد إيجار، الإقامة على أساس كفالة وتعهد شخصي بعدم العمل)، وبدأت ملاحقة «المخالفين» بما في ذلك إقامة حواجز عسكرية متنقلة في عدة مناطق في لبنان، وملاحقة المحال والورش التي يعمل ضمنها العمال السوريون، ناهيك عن رفع رسوم الإقامة بشكلٍ كبيرٍ، والذي يأتي في ظروف قاهرة بالمعنى الاقتصادي.
بالنسبة لوضع اللاجئين السوريين في مخيمات الأردن، فالأوضاع ما تزال على حالها من السوء والتضييقات المتصاعدة، وإلى حد غير قليل، العزل شبه الكامل عن المجتمع الأردني.
في العراق، وخاصة في إربيل، بات الحصول على الإقامة القانونية أو الفيزا أمراً شديد الصعوبة بالنسبة للسوريين، ناهيك عن عمليات الترحيل التي حدثت، وإنْ كانت ما تزال محدودة النطاق.

المستوى الأول في فهم المسألة

مراقبة طريقة التعامل مع اللاجئين السوريين في دول الجوار خلال السنوات القليلة الماضية، يسمح باستنتاجٍ جزئي وأولي، هو أنّ مؤتمر بروكسل للمانحين الدوليين الذي يعقد كل سنة في شهري نيسان وأيار، بات مناسبة للتضييق على اللاجئين السوريين بدلاً من مساعدتهم؛ فقد بات من «طقوس» التحضير لهذا المؤتمر، أن تظهر دول الجوار، بكل شكلٍ ممكن، «معاناتها» بسبب اللاجئين السوريين، سعياً وراء الحصول على أكبر حصةٍ ممكنة من التمويل؛ كما حدث في لبنان مثلاً، التي حصلت على مليار يورو لأربع سنوات على هامش مؤتمر بروكسل في الاتفاق الذي جرى بين الاتحاد الأوروبي وقبرص من جهة، ولبنان من جهة أخرى.

المستوى الثاني

الشأن المالي- الاقتصادي وحده غير كافٍ لفهم الأسباب الفعلية وراء التزامن في تصاعد الضغوط على اللاجئين السوريين في دول الجوار؛ إذ بالرغم من كثرة الحديث عن المساعدات الدولية (وخاصة الغربية) التي تصرف سنوياً تحت مسمى مساعدة اللاجئين السوريين، إلا أنّ أمرين واضحين لا يمكن القفز عنهما في هذا الإطار؛ الأول: هو أنّ الكم الإجمالي لهذه المساعدات هو في حالة تناقص متواصلة منذ سنوات، بما في ذلك عبر برنامج الغذاء العالمي والمؤسسات والبرامج الدولية الأخرى، الثاني: هو أنّ عمليات النهب المنظمة لمخصصات اللاجئين سواء بالأشكال السياسية أو عبر منظومات النهب المختلفة (بما فيها منظمات عديدة من المفترض أنّ عملها هو مساعدة اللاجئين)، هي في تصاعد مستمر.
ورغم أنّه من غير المنطقي افتراض أنّ الأهداف السياسية لكل دول الجوار السوري موحدة بما يخص ملف اللاجئين السوريين، ناهيك عن افتراض أن تكون موحدة اتجاه مستقبل سورية نفسه، فإنّ هنالك تقاطعات في السلوك النهائي اتجاه اللاجئين تسمح بالتفكير بأنّ هنالك عملاً مركزياً متناغماً تتم إدارته، وربما ليس من جانب هذه الدول نفسها، وإنْ كانت شريكة فيه في نهاية المطاف.
بكلامٍ آخر، ينبغي البحث عن الأسباب العميقة في الرسمات السياسية المتعلقة بسورية نفسها، وليس في الأحوال الداخلية والاتجاهات الداخلية ضمن دول الجوار.
بهذا المعنى، فإنّ جملة من المترادفات يجري تقديمها بكثافة من المركز الأوروبي الأمريكي بما يخص الوضع في سورية، وخاصة خلال السنتين الأخيرتين؛ على رأس هذه المترادفات: «التعافي المبكر»، و«البيئة الآمنة والمحايدة»، وهذا عنصران ضمن برنامج أوسع عنوانه «خطوة مقابل خطوة» و«تغيير سلوك النظام».
تتقاطع هذه المترادفات في كونها محاولة لـ«لفلفة المسألة» دون حلٍ سياسي، ودون تطبيق القرار 2254، من خلال اتفاقات من تحت الطاولة مع الغرب، جوهره هو إزاحة سورية جيوسياسياً من تموضعها التاريخي.
ضمن هذا الإطار، فإنّ الضغط المتصاعد على اللاجئين السوريين في دول الجوار، يكمّل دور العقوبات الاقتصادية، بوصفهما العصا التي تقابلها جزرة «اتفاقٍ من تحت الطاولة» ومن فوقها لاحقاً.
ومعلومٌ أنّ الوضع في الداخل السوري، وبغض النظر عما يتم قوله من شعارات سياسية، ليس فقط غير مُهيأ لعودة اللاجئين السوريين، بل هو أيضاً منفرٌ لمن تبقى من السوريين في سورية.
بالمحصلة، فإنّ الضغوط التي يقع تحتها مئات الآلاف وربما ملايين السوريين في دول الجوار، هي فصلٌ جديد قاسٍ من الأزمة السورية المستمرة، والتي لن تنتهي عبر صفقات من تحت الطاولة، بل ستتعمق وستزداد كارثية. والحل الوحيد الفعلي لدول الجوار ولسورية نفسها هو الحل السياسي الشامل الذي يضمن إعادة الحياة إلى سورية حقاً وفعلاً، وإعادة تدوير العجلة الاقتصادية بغض النظر عن الابتزاز الغربي، والذي إنْ جرى فإنّ قسماً مهماً من اللاجئين السوريين، خاصة في دول الجوار، سيجدون أنّ عودتهم إلى سورية هي الخيار الأفضل مقارنة بأوضاعهم البائسة حيث هم الآن...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1174
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 13:50