افتتاحية قاسيون 1174: الفرصة التاريخية موجودة علينا التقاطها!

افتتاحية قاسيون 1174: الفرصة التاريخية موجودة علينا التقاطها!

يكاد يكون ملف رفح هو الملف رقم واحد، ليس على المستوى الفلسطيني أو الإقليمي فحسب، بل وعلى مستوى الصراع الدولي بأسره أيضاً.

وهذا ليس مستغرباً بطبيعة الحال؛ فهو مرتبط ارتباطاً عضوياً بمصير الصراع في منطقتنا، وضمناً بمصير كامل المنظومة الإقليمية التي بات حالها حال «الميت الذي يمسك بتلابيب الحي»؛ إذْ عكست لعقود متتالية وضعاً محدداً من توازن القوى الدولية، وخاصة عبر انحيازها شبه الكامل للغرب، منذ عبّر السادات عن أنّ «99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا»، وهو الوضع الذي تغير جذرياً خلال العقدين الماضيين، وخلال السنوات الأخيرة بشكلٍ خاص منذ أوكرانيا 2022.

إذا قرأنا الطريقة التي تتعامل من خلالها القوى الإقليمية المختلفة في منطقتنا مع التغير الدولي الكبير الحاصل، يمكننا تمييز طيفٍ من المواقف يتدرج من التواطؤ الكامل أو شبه الكامل مع المنظومة الغربية/الصهيونية، إلى «المناورة» ومحاولة اللعب على الحبال بين القديم والجديد، إلى المواجهة العلنية الواضحة للغرب وللكيان.

ضمن هذا الطيف من المواقف، وإذا حاولنا محاكمة آثار هذه المواقف من وجهة نظر براغماتية بحتة، (وليست مصادفة أنّ المحاكمة البراغماتية العملية لها نتائج المحاكمة المبدئية نفسها)، سنجد أنّ القوى التي يزداد نفوذها السياسي والشعبي، والتي تتمكن من تحقيق تقدمٍ ملموس على المستويات كافة، هي بالضبط القوى التي تفهم التوازن الدولي الجديد بشكلٍ صحيح، وتقف على الضفة الصحيحة من التاريخ؛ تلك الضفة المعاكسة تماماً للأمريكي والصهيوني.

بالنسبة للقوى التي تتبع أسلوب المناورة واللعب على الحبال، فهي ترى نفسها مقيّدةً بارتباطاتها المعلنة وغير المعلنة مع الغرب، المالية والاقتصادية والسياسية، وتعاني لذلك صعوبة كبيرة في الحركة مع رياح التاريخ، وتخسر فرصاً متلاحقة كبرى على المستويات المختلفة بما فيها فرص التنمية والتطور الداخلي.

القوى المتواطئة بدورها، ينحسر دورها بشكلٍ متسارع، وتتهددها أزمات أكبر فأكبر، وخاصة على المستويات الداخلية... نخص بالذكر دول اتفاقات أبراهام، والأنظمة السائرة في الصفقات مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وعبرهما مع الغرب ومركزه في واشنطن.

هذا الكلام لا ينطبق على منطقتنا فحسب، بل ويشمل العالم بأسره؛ فحتى القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، أوروبا مثالاً، تعاني بشكلٍ متعاظم من تبعيتها للأمريكي، وتدفع أثماناً باهظة، اقتصادية واجتماعية وسياسية، لتمسُّكها بتلابيب النظام الدولي السابق الميّت سريرياً، والمنتظر دفنه النهائي خلال السنوات والعقود القليلة القادمة.

معيقات «المتواطئين» و«المناورين» عن التحرك للاستفادة من التوازن الدولي الجديد، لها أساسان على الأقل؛ الأول: هو الارتباطات التاريخية، وخاصة الاقتصادية والمالية مع الغرب. والثاني: هو غياب الإرادة السياسية المستقلة.

غياب الإرادة هذا، هو الآخر ناتج عن جملة عوامل وأسباب قد تختلف من بلد إلى آخر؛ ولكنّ بينها بالتأكيد، الجهل المعرفي بطبيعة التحولات العالمية الجارية، إما عبر إنكارها كلياً، أو عبر الافتراض أنها مؤقتة، وأنّ التراجع والأزمات التي تعانيها واشنطن هي أمرٌ سيتم حلّه في وقت ما في المستقبل، وعودةً إلى النظام الدولي القديم.

بعيداً عن حسابات الأنظمة، فإنّ الوقائع الملموسة، وخاصة خلال السنوات العشر الأخيرة، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ كلّ ابتعادٍ إضافي عن الغرب وعن الأمريكان وعن الصهاينة، هو حصانة إضافية للشعوب والدول التي تسير في هذا النهج، وأكثر من ذلك فهو فرصة تاريخية ذهبية لحل المشكلات المستعصية على كل المستويات، السياسية والاقتصادية- الاجتماعية...

ضمن هذه الإحداثيات، فإنّ الخيار الصحيح من وجهة نظر مصلحة سورية الوطنية، ومصلحة الشعب السوري، هو النأي عن الغرب ومؤسساته ووصفاته، سياسياً واقتصادياً، والذهاب نحو حلٍ سياسي شامل على أساس القرار 2254 يُعيد توحيد سورية والشعب السوري عبر توفير الإرادة السياسية الموحدة والقادرة على الاستفادة من الفرصة التاريخية القائمة...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1174
آخر تعديل على الأحد, 12 أيار 2024 20:02