افتتاحية قاسيون 1166: يجب أن يتحرك الملف السوري فوراً!
محقةٌ الأطراف التي تقول إنّ حل الأزمة السورية ينبغي أن يكون عبر حوار سوري-سوري، وأنه شأن سوري داخليٌ في نهاية المطاف. الرأي هذا هو جوهر القرار 2254 الذي يقول بحق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه، وهو رأي يتفق عليه الوطنيون السوريون بغض النظر عن اصطفافاتهم.
أكثر من ذلك، فإنّ هذا الرأي رأيٌ مبدئيٌ صحيح، رغم أنّه حتى اللحظة ما يزال رأياً غير عملي! ولذا ينبغي العمل بكل الوسائل الممكنة لجعله مبدئياً وعملياً في آنٍ معاً.
نقول إنّه ليس عملياً حتى الآن لسببين أساسيين:
أولاً: لأنّ المتشددين في كلٍ من النظام والمعارضة، قد أثبتوا مراراً وتكراراً، وعبر سنوات الألم والعذاب المتفاقم التي يعيشها السوريون، أنّ آخر همهم هو مصير الشعب السوري ومصير سورية نفسها، وأنّ لا مشكلة لديهم في بقاء الجرح مفتوحاً وفي تعميقه وفي تلويثه حتى ولو وصل الأمر نقطة اللاعودة بما يخص وحدة سورية ووجودها من الأساس.
ثانياً: لأنّ الأزمة السورية، وإنْ كانت أزمة محلية في بداياتها الأولى، إلا أنها وبفعل المتشددين أنفسهم وحرصهم على مصالحهم الضيقة، وبالتقاطع الموضوعي لهذه المصالح الضيقة مع مصالح الأعداء التاريخيين للشعب السوري، قد عبرت المحلية نحو الإقليمية وثم الدولية.
تضافر هذين العاملين، خفّض إلى حدود كبيرة الإمكانيات العملية لحل الأزمة السورية محلياً.
كذلك كان الأمر إلى ما قبل انطلاق مسار أستانا، وبعده جملة الانزياحات التي جرت في الإقليم خلال السنوات الماضية، بما فيها التسوية السعودية الإيرانية، وجملة التسويات التركية مع الدول العربية، وفوق ذلك التراجع المتعاظم في نفوذ الأمريكان عالمياً وإقليمياً ومحلياً، وخاصة مع إجرامهم المعلن غير القابل للتأويل في فلسطين.
هذا التغير في الوضع الدولي والإقليمي، قد فتح نافذةً ينبغي النفاذ منها نحو بر الأمان السوري، هذه النافذة هي توافق بين أستانا والصين ودول عربية أساسية، بعيداً عن الأمريكان وبالضد من إرادتهم، لتأمين مظلة للسوريين وتشجيعهم للجلوس تحتها، لحل أزمتهم.
الحل في نهاية المطاف لا ينبغي أن يكون إلا سورياً-سورياً، ولكن تأمين مظلة دولية وإقليمية له من تلك الدول التي لها مصلحة في استقرار سورية، بات شرطاً ضرورياً للرجوع عن التدويل والأقلمة باتجاه الحل الداخلي.
من هذه الزاوية تتحمل دول مجموعة أستانا، مسؤولية خاصة في توفير ظروف نجاح هذه العملية... ولن يعفيها من مسؤولياتها القول إن الموضوع متروك للسوريين؛ فدورها هو تحديداً توفير المظلة الضرورية كي يستطيع السوريون لعب دورهم المطلوب منهم.
من هذا الباب، فإننا طرحنا اقتراحنا ودعوتنا لعقد أعمال اللجنة الدستورية في دمشق، تحت إشراف الأمم المتحدة، وبضمانات ومظلة من الدول التي لها مصلحة حقيقية في استقرار سورية ووحدتها؛ الأمر الذي سيشكل مدخلاً جدياً لبدء عملية أهم وأعقد، ألا وهي التفاوض المباشر بين الطرفين المنصوص عليهما في ٢٢٥٤، وفي دمشق أيضاً في نهاية المطاف.
رغم أنّ المتشددين في الأطراف السورية، ما زالوا يلعبون مختلف ألعاب السياسة التي تبعد البلاد عن الحل، وتبعدهم هم عن تقديم تنازلات للشعب السوري، إلا أنّ الرأي القائل بنقل عمل اللجنة إلى دمشق، تتبعه المرحلة اللاحقة الأهم والأعلى ببدء التفاوض المباشر بين الأطراف المنصوص عليها في 2254، قد بدأ ينتشر بشكلٍ أوسع بين وطنيين سوريين من مختلف الاصطفافات.
إنّ التطبيق الكامل للقرار 2254، بجوهره الذي يقول بحق الشعب السوري بتقرير مصيره بنفسه، هو المخرج الوحيد ليس من الأزمة فحسب، بل ومن احتمال التفتيت النهائي أيضاً... والزمن هو عدونا الأول كسوريين، وهو عدو كل الدول التي لها مصلحة في استقرار سورية، ولذا فإنّ تحريك الملف السوري نحو الحل، ينبغي أن يتم بالتوازي، بيد الوطنيين السوريين من مختلف الأطراف، وبيد القوى الدولية والإقليمية ذات المصلحة بالاستقرار، وذات المصلحة بإيقاف الفوضى الشاملة الهجينة الأمريكية-الصهيونية، والتي إنْ لم تسارع لتأمين المظلة المطلوبة للحل، فإنّ الرياح الغربية ستذرو كل جهودها السابقة، وستنعكس وبالاً على سورية وأهلها، وعلى مصالح تلك الدول أيضاً...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1166