تصاعد في الخطاب العنصري والتحريضي في الكيان
منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي، بدأ الصهيوني بالعملية العسكرية الوحشية على قطاع غزة وأهلها، ورافق ذلك تصعيد في الضفة لم يحظ بالتغطية الإعلامية في ظل ما يحصل في غزة.
وإضافة للتصعيد العسكري والأمني في أنحاء فلسطين كافة، شهدت الشهور الخمسة الماضية تصعيداً في التصريحات العنصرية اتجاه الفلسطينيين من المسؤولين «الإسرائيليين»، بدأت بعد بضعة أيام من بدء العملية، واستمرت بالازدياد والتوسع إلى شخصيات أخرى وحتى عامة المستوطنين من «الإسرائيليين»، وشملت كلاماً فيه تحريض على الإبادة.
نستعرض في هذه المادة أبرز هذه التصريحات:
المسؤولون في الكيان
كان لرئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، العديد من التصريحات ذات الطابع العنصري والتحريضي منذ بداية العدوان على غزة، ومنها تصريح في نهاية تشرين الأول الماضي، عندما دعا إلى «حرب إبادة مقدسة» ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر بعد أن ذكر «العماليق»، وهي أمة في الكتاب المقدس العبري أُمر الإسرائيليون بمحوها في عمل انتقامي، وكان قد قال في خطاب ألقاه وأعلن فيه بدء الغزو البري لغزة: «يجب أن تتذكروا ما فعله بكم عماليق»، وأضاف أن جنود الكيان هم «جزء من إرث يعود إلى 3000 عام».
لاحقاً، في بداية هذا العام، ذكّر الفريق القانوني لجنوب أفريقيا بهذا التصريح في مرافعته في القضية التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد «إسرائيل» في محكمة العدل الدولية متهمة الكيان بالإبادة الجماعية في غزة، وقال الفريق القانوني «بأن نتنياهو استخدم، في 28 تشرين الأول، رواية عماليق التوراتية أثناء تحريض جنوده على مهاجمة غزة، وهي نظرية عنيفة تشير إلى سحق سكان غزة بالكامل، بما في ذلك النساء والأطفال»، كما ذكّر الفريق محكمة العدل الدولية بأن أحد أعضاء «الكنيست» دعا إلى «محو قطاع غزة من على وجه الأرض».
كما ذكر الفريق القانوني لجنوب أفريقيا تصريحات تحريضية وعنصرية لمسؤولين آخرين، منهم وزير دفاع الكيان، يوآف غالانت، والذي شبه الفلسطينيين بالحيوانات، حيث قال في تصريح له انتشر على نطاق واسع في 10 تشرين الأول: «سوف نفرض حصاراً كاملاً على غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء سيكون مغلقاً. وذلك لأننا نحارب حيوانات بشرية، ونتصرف على هذا الأساس». وفي تصريح آخر له في ذات اليوم قال: «أنتم ترون ما نقاتل ضده. نحن نقاتل حيوانات بشرية. هذه هي داعش غزة... غزة لن تعود إلى ما كانت عليه سابقاً. سنقضي على كل شيء... سنصل إلى كل الأماكن... نفهم أن حماس أرادت تغيير الوضع؛ سوف تتغير الأمور 180 درجة وسوف يندمون على هذه اللحظة».
وكان لأحد القياديين في جيش الكيان، والذي سبق وكان قائداً للواء غولاني والآن هو منسق أعمال الحكومة في الضفة الغربية وقطاع غزة، كانت له تصريحات مشابهة لتلك الصادرة عن غالانت، حيث قال بعد بضعة أيام من بدء العدوان على غزة في تشرين الأول الماضي في فيديو خاطب فيه أهالي غزة: «لقد تحولت حماس إلى داعش، وسكان غزة يحتفلون بدلاً من أن يشعروا بالفزع. ويجب معاملة الحيوانات البشرية على هذا النحو. لن يكون هناك كهرباء ولا ماء في غزة، ولن يكون هناك سوى الدمار. أردتم الجحيم، سوف تحصلون على الجحيم».
وزير المالية في حكومة الكيان، بتسلئيل سموتريش، والمعروف بالعنصرية الشديدة واللغة التحريضية حتى من قبل بدء هذه الحرب على غزة، كان وما زال لديه الكثير من التصريحات التحريضية ودعم توسع المستوطنات وعنف المستوطنين. وفيما يتعلق بغزة، فلديه الكثير من التصريحات حول وجوب تهجير أهلها وإفراغها من الفلسطينيين. في تغريدة له في الأيام الأولى لبداية العدوان على غزة، قال: «يجب أن نسبب حرقة كبيرة جداً في الوعي لأعدائنا ولكل من يفكر في مساسنا بأن الثمن لا يطاق وسيتذكرونه لسنوات قادمة... الهجمات على غزة ستتكثف في الساعات والأيام القادمة وستكون على مستويات مختلفة تماماً».
كما دعا سموتريش منذ بداية العدوان الحالي، وضمن دعمه لتوسيع المستوطنات، «إلى إنشاء مناطق محظورة «مطهّرة» تحظر تواجد الفلسطينيين في محيط المستوطنات والطرق الرئيسية المؤدية إليها» وقال: إنه «يجب على إسرائيل إنشاء مناطق أمنية مطهّرة حول المجتمعات اليهودية والطرق ومنع العرب من دخولها، بما في ذلك لغرض قطف الزيتون». وخلال الحرب كان لسموتريش عدة تصريحات دعا فيها لتهجير الفلسطينيين، حيث قال في منتصف تشرين الثاني الماضي: «إنني أرحب بمبادرة النقل الطوعي لعرب غزة إلى بلدان في جميع أنحاء العالم»، وأضاف: «إن المنطقة الصغيرة من قطاع غزة، التي لا تملك أي موارد طبيعية أو مصادر دخل مستقلة، ليست لديها فرصة لوجود مستقل واقتصادي ودبلوماسي في مثل هذه الكثافة العالية على المدى الطويل... لذلك، فإن الحل الوحيد لإنهاء معاناة وآلام اليهود والعرب على حد سواء هو أن تقبل الدول في جميع أنحاء العالم التي تريد حقاً ما هو جيد للاجئين أن تقبلهم إلى جانب الدّعم والمساعدات الاقتصادية من المجتمع الدولي، بما في ذلك دولة إسرائيل».
وزير الأمن القومي في الكيان، إيتمار ين غفير، هو الآخر معروف بالعنصرية الشديدة والتحريض ضد الفلسطينيين، وكان وما زال لديه الكثير من التصريحات ذات الطابع التحريضي ضد الفلسطينيين منذ بدء العدوان على غزة. في تشرين الثاني الماضي وخلال مقابلة له، قال: «عندما يقولون يجب القضاء على حماس، فهذا يعني أيضاً القضاء على كل من يغني ومن يدعم ومن يوزع الحلوى، كل هؤلاء إرهابيون... يجب القضاء عليهم كلهم». كما قال في بداية هذا العام: إن الحرب «هي فرصة للتركيز على تشجيع هجرة سكان غزة... يجب علينا أن ندفع باتجاه حل يشجّع هجرة سكان غزة»، وأضاف: «لا يمكننا الانسحاب من أي منطقة نتواجد فيها في قطاع غزة. أنا لا أستبعد الاستيطان اليهودي هناك فحسب، بل أعتقد أنه أمر مهم أيضاً».
وكان لوزير التراث في حكومة الكيان، عميحاي إلياهو، حصة كبيرة من التصريحات ذات الطابع التحريضي، حيث قال في بداية تشرين الثاني الماضي: «إن أحد الخيارات المتاحة أمام إسرائيل في الحرب ضد حماس قد يكون إسقاط قنبلة نووية على قطاع غزة»، وكان ذلك في سياق مقابلة إذاعية، عندما سأله مذيع «أنت تأمل أن نسقط صباح الغد ما يساوي نوع من القنبلة النووية على كل غزة، ونسويها بالأرض، ونقضي على كل من هناك»، وكان رده «هذا أحد الخيارات».
كما أنه اعترض آنذاك على السماح بإدخال أي مساعدات إنسانية إلى غزة، حيث قال: «لم نكن لنسلم المساعدات الإنسانية للنازيين... لا يوجد شيء اسمه مدنيون غير متورطين في غزة». كما أنه أيد استعادة القطاع وإعادة بناء المستوطنات فيه، وعند سؤاله عن مصير السكان الفلسطينيين، قال: «يمكنهم الذهاب إلى أيرلندا أو الصحاري، يجب على الوحوش في غزة أن يجدوا الحل بأنفسهم». ونسب إليه القول بأن «كل من يلوّح بالعلم الفلسطيني أو علم حماس لا ينبغي أن يستمر في العيش على وجه الأرض».
ولاحقاً، في بداية هذا العام، قال إلياهو في مقابلة أخرى أنه يجب على «إسرائيل أن تجد طرقاً أكثر إيلاماً من الموت لسكان غزة، لهزيمتهم وتحطيم معنوياتهم، كما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان».
ودعا عضو «الكنيست»، تسفي سوكوت، في بداية هذا العام «إلى احتلال قطاع غزة وضمه إلى إسرائيل وهدم كافة المنازل فيه»، ودعا في فيديو نشره على حسابه على «تويتر» وهو يتكلم في اجتماع إلى «احتلال وضم وتدمير كل المنازل وبناء مستوطنات واسعة وكبيرة، وإعطاء الأراضي التي نحتلها لجنودنا».
وكذلك عضو «الكنيست»، أميت حاليفي، قال في تشرين الثاني الماضي: «يجب أن يكون هناك هدفان لتحقيق هذا النصر، الأول: ألا تكون هناك أرض للمسلمين في أرض إسرائيل… وبعد أن نجعلها أرض إسرائيل، يجب ترك غزة كنصب تذكاري مثل سدوم».
ودعا عدد من مسؤولي الكيان إلى تكرار النكبة، ومنهم الصحفي والسياسي ينون ماغال وأعضاء «الكنيست» نسيم فاتوري وآرييل كالنير، والذي قال في تغريدة له يوم انطلاق عملية «طوفان الأقصى»، قال: «الآن هناك هدف واحد: النكبة! نكبة ستطغى على نكبة 48. نكبة غزة ونكبة لكل من يجرؤ على الانضمام! نكبتهم، لأن البديل واضح، كما كان الأمر في عام 1948».
شخصيات «إسرائيلية» ويهودية أخرى
الناشط السياسي والكاتب «الإسرائيلي»، موشي فيجلين، والذي سبق وكان عضواً في «الكنيست»، هو الآخر من دعاة تدمير غزة وتهجير أهلها وإعادة الاستيطان إليها، حيث قال في مقابلة في تشرين الأول الماضي: «هناك حل واحد وهو تدمير غزة بالكامل قبل غزوها. أعني دماراً مثل ما حدث في دريسدن وهيروشيما، بدون أسلحة نووية»، وفي مقابلة أخرى قال: إنه يجب «إبادة غزة الآن».
ودبلوماسي «إسرائيلي» سابق، درود إيدار، والذي كان سفير الكيان في إيطاليا، قال في مقابلة مع قناة إيطالية في تشرين الأول الماضي: «بالنسبة لنا، هناك هدف: تدمير غزة، وتدمير الشر المطلق»، وأضاف: إن «تل أبيب ليست مهتمة بالمناقشات العقلانية بشأن الفلسطينيين». كما وصف الفلسطينيين بـ «الحيوانات» وأن «أي شخص يؤذي يهودياً يجب أن يموت».
الكاتب «الإسرائيلي»، يوري كورليانتشيك، كتب في تغريدة له في 19 تشرين الأول: «إذا سحقت إسرائيل جميع أعدائها بلا رحمة، فسوف يكون هناك سلام مع المزيد من الدول العربية. وإذا أظهرت إسرائيل رحمة في غير محلها، فلن تكون هناك نهاية للهجمات الجديدة. هذا هو قانون الشرق الأوسط. العرب يحترمون القوة والشرف وليس الجبن».
محامية يهودية في أمريكا وتكتب في عدة صحف، تقول في تغريدة في 20 تشرين الأول، رداً على عضوة مجلس النواب الأمريكي، إلهان عمر، والتي كانت تدعو إلى وقف الحرب ووقف إطلاق النار: ««التضامن والمحبة» لم يهزما داعش أو النازيين؛ الدمار الشامل قام بذلك».
ومنذ بداية العدوان على غزة، كان لمراسل القناة 13 «الإسرائيلية» الكثير من التعليقات التحريضية. في تغريدة له في 18 كانون الثاني الماضي، يظهر فيها تفجير جامعة الإسراء في غزة، يقول معلقاً بتهكمّ واضح: «لن تكون هناك دروس اليوم... تفجير مبنى جامعة الإسراء في جنوب مدينة غزة»، وفي تغريدة أخرى في 20 كانون الأول الماضي، يظهر فيها قصف شديد يطال حي الشجاعية في غزة، يقول: «تم محو الشجاعية». ووفق وكالة «وفا» الفلسطينية، كان له أيضاً تصريحات تحريضية في الأيام الأولى من العدوان على غزة، حيث قال: «يجب محو غزة... هذا أمان نعيش على خرابهم، مستقبلنا لن يكون متوقفاً على ما تقوله الأمم، بل على ما يفعله اليهود».
كما ظهر عدد كبير من المقاطع المصورة لجنود الاحتلال يقومون بأعمال عنصرية ويتكلمون بوضوح أنهم يستهدفون المدنيين وينكلون بهم في غزة أو يرقصون وهم يفجرون المباني السكنية. وفي مقطع نشرته «سي إن إن» الأمريكية في كانون الثاني الماضي، يظهر جنود «إسرائيليون» وهم يحملون بنادقهم وخلفهم هيكل مبنى في غزة، ويقولون: «نحن هنا نضيف الضوء بعد السبت الأسود، الضوء الذي كان يتمتع به شعب إسرائيل... نحن نحتل ونرحّل ونستوطن. نحتل ونرحّل ونستوطن. هل سمعت ذلك بيبي؟ نحتل ونرحّل ونستوطن».
مراجع أخرى حول الخطاب العنصري والتحريضي ضد الفلسطينيين
ما ورد أعلاه هو فقط عيّنة صغيرة وأمثلة قليلة عن خطاب الكراهية في الكيان وخلال الفترة الماضية فقط، والتي تمثل تصعيداً لخطاب كان موجود سابقاً، ولا يمكن حصر كافة التصريحات ذات الطابع العنصري والتحريضي بحق الفلسطينيين في مادة واحدة، حتى تلك الصادرة عن المسؤولين في الكيان، ناهيك عن تلك الصادرة عن شخصيات أخرى وعامة الناس في الكيان، ولكن يمكن أخذ فكرة أوسع حول الموضوع من المراجع التالية:
تقارير رصد التحريض والعنصرية في الإعلام «الإسرائيلي»، صادرة عن وكالة «وفا».
تقرير نشره المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، في 26 شباط 2024، بعنوان «مؤشّر العنصريّة والتّحريض: مركز حملة يرصد 10 مليون مضمون عنف وكراهية باللغة العبرية في العام 2023».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1166