حول جريمة قتل 11 مدنياً في السويداء.. بينهم طفلتان...

حول جريمة قتل 11 مدنياً في السويداء.. بينهم طفلتان...

لم تصدر حتى اللحظة تصريحات رسمية أردنية حول جريمة القصف بالطيران التي راح ضحيتها 11 مدنياً، بينهم أطفال ونساء يوم الخميس الماضي 18/01/2024، على منزلٍ في قرية عرمان ضمن محافظة السويداء جنوب سورية. والأدهى من ذلك، أنه لم تصدر أيضاً أي تصريحات رسمية سورية تدين الجريمة... فما هو السياق وما هي الأهداف؟

ليست المرة الأولى

عملية القصف هذه- التي تُجمع مصادر عديدة على أنّ الأردن تقف وراءها- ليست الأولى، وإنْ كانت الأكثر فداحة وإجراماً من نوعها حتى الآن.
ضحايا القصف الأخير، معظمهم من عائلة واحدة، بينهم طفلتان لم تتجاوزا الخامسة، والأسماء التي تم توثيقها هي: نزيه صالح الحلبي، إقبال حسين الحلبي، روزا الحلبي (80 عاماً)، تركي صالح الحلبي، فاتن سعيد أبو شاهين، الطفلتان فرح وديما تركي الحلبي. عمر سلمان طلب، ووالدته عطا زين الدين، وعمته اتحاد جادو طلب.
خلال الأشهر القليلة الماضية، تم تسجيل ما لا يقل عن ثلاث عمليات قصف في الجنوب السوري بحجة مكافحة تهريب المخدرات، بعضها اعترفت القوات المسلحة الأردنية بأنها هي المسؤولة عنها. الهدف المعلن كان القضاء على تجار مخدرات يشاركون بتصنيعها أو بتهريبها إلى الأردن، وعبره نحو الخليج العربي ودول أخرى حول العالم، وخاصة مادة الكبتاغون.

الذريعة والحلول الحقيقية

من حيث المبدأ، فإنّ عمليات القصف التي تقوم بها الأردن، ووفقاً للقانون الدولي، هي اعتداءٌ على سورية وعلى الشعب السوري، أياً تكن الحجة التي يتم تغليف الاعتداء بها.
ومن حيث الذريعة، فإنّ عمليات القصف هذه، إذا افترضنا أنها تستهدف فعلاً تجار المخدرات ومهربيه ومصنعيه (والواقع يقول غير ذلك تماماً، وخاصة أنّ الضحايا الأساسيين هم من الأطفال والنساء)، فإنّها لن تحقق الهدف المعلن.
تحقيق هدف التخلص من خطر المخدرات بالنسبة للأردن، يمكن أن يتم بأداتين فقط لا غير، الأولى: أداة إسعافية طارئة، والثانية: جذرية تحل المشكلة بشكل مستدام.
أما الأولى، فهي أن تنشئ الأردن منطقة آمنة في أراضيها، ولتكن 30 كم ولتكن 100 كم إنْ شاءت. هذا الأمر (عملياً) سيكون أيسر لها وأوفر، وسيكون ضمن معايير القانون الدولي، وسيكون بعيداً عن المغامرات الحمقاء داخل الأراضي السورية التي لن تضر الشعب السوري وحده، بل ستجر الأردن إلى مزيد من التوترات والمشكلات، فوق تلك التي يعانيها أصلاً.
عملية تهريب المخدرات، وكما هو معروف لكل متابع للظاهرة في أي مكان من العالم، لا يمكن أن تتم من طرف واحد من حدود دولة ما... بل تحتاج إلى متعاونين وشبكات ضمن الدولة الهدف، وتحتاج إلى شبكات أوسع ضمن «دول العبور». والأردن، وفقاً لما تقوله هي نفسها، هي بالدرجة الأولى دولة عبور للمخدرات التي يجري إنتاجها وتهريبها من سورية.
ولذا، فإنّ القضاء على شبكات المخدرات ضمن الطرف الأردني، كفيل وحده بقطع الصلة وحل المسألة، أو على الأقل حل الجزء الأعظم منها.
أما الحل المستدام الجذري للمسألة، فهو أن تساهم الأردن مساهمة فعالة في الدفع نحو الحل السياسي في سورية، وهذا يتطلب أن تكف عن التماهي مع المخططات الغربية وخاصة الأمريكية و«الإسرائيلية» تجاه سورية والسوريين. يكفي أن نذكر بأنّ السلطات الأردنية لعبت دوراً محورياً (إعلامياً على الأقل)، في الترويج لبضائع غربية من نوع «الناتو العربي»، «خط الغاز العربي»، و«خطوة مقابل خطوة». وعليها بالمقابل أنْ تساعد بالدفع باتجاه الحل الحقيقي للأزمة السورية عبر القرار 2254، وبالتعاون مع الدول والجهات التي تسعى فعلاً باتجاه الحل، لا تلك التي تسعى باتجاه التقسيم والخراب في مجمل المنطقة، والتي يأتي على رأسها الأمريكي والبريطاني والصهيوني.

السياق الحقيقي

القول: إنّ هذه الغارات والهجمات، هدفها محاربة الإتجار بالمخدرات، هو ذريعةٌ لا تمت للأهداف الحقيقية بصلة، لا بالمعنى النظري ولا بالتطبيق العملي. فكما أشرنا سابقاً، عملية إنهاء تهريب المخدرات من سورية إلى الأردن لا يمكن أن تتم دون القضاء على شبكات التهريب في الأردن نفسها بالدرجة الأولى، وكذلك فمن ناحية التطبيق العملي، يظهر جلياً أنّ «أثمن» الأهداف التي تمكنت الأردن من الوصول إليها بضرباتها، هو تاجر من الدرجة الثالثة أو الرابعة حتى، بمقابل أنها تورطت بجريمة موصوفة قانونياً وإنسانياً، تتضمن قتلاً للأطفال والنساء، ولمدنيين من الرجال لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بموضوع المخدرات، ولعل سوء أحوالهم المعيشية أحد أبرز أوراق براءتهم من الاتهام، ناهيك عن معرفة أهل بلدهم بهم وبنظافة كفهم وسيرتهم.
ما يكشف السياق الحقيقي أكثر، هو تصريحات أدلى بها بعض المتحدثين غير الرسميين على الإعلام الأردني، والذين طالبوا الجيش الأردني بدخول الأراضي السورية لإنشاء منطقة عازلة بعمق 30 كم، وبذريعة حماية الأردن من المخدرات.
إذا تركنا جانباً الذرائع المتعلقة بـ«الحرب على المخدرات»، والتي يجري استخدامها هذه الأيام غربياً بالطريقة نفسها التي استخدمت بها «الحرب على الإرهاب»، فإنّ السياق الفعلي هو المخطط الغربي المسمى «خطوة مقابل خطوة».
هذا المخطط، والذي ليس مصادفة أنّ الأردن كانت بين المروجين له إعلامياً، هو استكمال للشعار الذي رفعه الغربيون، بدءاً بالبريطانيين، منذ 2016، والقائل بأن المطلوب هو «تغيير سلوك النظام». ليس المطلوب حلاً سياسياً في سورية يوحدها ويخرج القوات الأجنبية منها، ويأخذها نحو الاستقرار. بل المطلوب هو «تغيير سلوك النظام»، والذي سبق أن عالجت قاسيون معناه في عدة مقالات سابقة.
وإذاً، جوهر المسألة هو تكريس حالة تقسيم الأمر الواقع وتعميقها، مقابل ترسيم مناطق النفوذ القائمة والقائمين عليها، وتأمين مخرج لهم من التغيير السياسي. أي الوصول بسورية إلى حالة تفتيت نهائي بالتوازي مع إزاحتها بشكل نهائي عن تموضعها التاريخي المعادي للكيان الصهيوني... هذا هو جوهر المسألة.
هل سيتمكن أصحاب هذا المشروع من المضي فيه إلى النهاية؟ موازين القوى تقول: لا، وإرادة الشعب السوري تقول: لا. يبقى أنّ الفاصل الزمني بين اللعب بهذه المشاريع وبين الوصول إلى الحل الحقيقي عبر تطبيق كامل للقرار 2254، وللأسف، يمكن أن يحمل معه مزيداً من الآلام والدماء في مناطق مختلفة من سورية... وهذا الأمر، كما كل أمور الأزمة السورية، يعيد التأكيد على أنّ الوقت السوري من دم، وأنّ البدء الفوري بعملية التغيير الجذري الشامل هو حبل النجاة الوحيد للسوريين ولسورية، ولدول الجوار التي تريد فعلاً حفظ أمنها، عدا الكيان الصهيوني الذي يمثل استقرار سورية بالنسبة له خطراً سيفعل كل ما في وسعه ضد تحقيقه...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1158