«الأسرى» و«الرهائن» في إطار الحرب الإعلامية والقانون الدولي
منذ يوم السبت، 7 تشرين الأول، يوم انطلاق عملية طوفان الأقصى، تم التركيز وبشكل متزايد على «الإسرائيليين» الذين بحوزة المقاومة في غزة، والذين اختلفت تسميتهم باختلاف الجهات الإعلامية والسياسية التي تغطي الحدث.
وبرزت هذه النقطة بشكل أكبر عند تغطية الإعلام أيام الهدنة القليلة التي شهدت الإفراج عن بعض أولئك، مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين لدى الاحتلال. تحديداً، في الإعلام الغربي، تمت تسمية أولئك الذين لدى المقاومة بـ «الرهائن» بينما سمى هذا الإعلام نفسه، الأسرى الفلسطينيين «محتجزين» أو «معتقلين». في الوقت ذاته، تستخدم المقاومة مصطلح «الأسرى» عند التطرق إلى أولئك الذين في حوزتها. هذا التفاوت والاختلاف في التسميات ليس عبثياً، وله تداعياته القانونية والسياسية، على الأقل وفقاً للقانون الدولي.
كلمة واحدة... تختصر الحكاية!
قبل الحديث عن المعنى القانوني لهذه المصطلحات، ينبغي الانتباه إلى الانطباع الذي تتركه هذه المصطلحات لدى الجمهور العادي عند سماعها بشكل متكرر. حيث تروي كلمة «رهائن»، ورغم أنها كلمة واحدة، قصة كاملة فيها طرفان أحدهما «بريء» والآخر «مجرم»- «مختطف»، أحدهما «مدني» والآخر «مسلح»، أحدهما «مسالم» والآخر «إرهابي»... وهذه الكلمة ذاتها، تستحضر في ذهن متلقيها عدداً كبيراً من الأمثلة الإجرامية، سواء منها تلك التي في الواقع، أو حتى في أفلام هوليود التي تستهويها حبكات الخطف والإجرام.
المصطلح الثاني، «المعتقل»، يروي قصة مختلفة؛ فالاعتقال فعلٌ تقوم به جهة رسمية- دولة، ويمكن لهذا الاعتقال أن يكون «قانونياً» أو «غير قانوني»، ولكنّ هنالك احتمالاً أن يكون قانونياً؛ وعليه فإنّ هذا «المعتقل»، يمكن له أن يكون «مجرماً»، «مخرباً»، «إرهابياً»... إلخ.
عمليات التلاعب بوعي الجماهير عبر المصطلحات ليست أمراً جديداً؛ وقد كان المفكر والمناضل الشيوعي الإيطالي المعروف أنطونيو غرامشي قد أعطى توصيفاً عميقاً لهذا النوع بالذات من عمليات التلاعب، حين قال ما معناه: «العدو ليس بحاجة لإقناع الجماهير بروايته، ما يحتاجه فقط هو أن يقوم بصياغة المصطلحات التي تفكر من خلالها الجماهير، وستصل وحدها إلى النتيجة التي يريدها».
لا يقف قاموس التأطير الإعلامي الصهيوني والغربي عند التفريق بين «رهائن» و«معتقلين»؛ بل ويمتد إلى طيف واسع جداً من التعبيرات المدروسة بعناية، والتي-كما في مثال: رهائن- معتقلين- تعيد سرد الوقائع بصورة محددة متحيزة بالكامل للصهيوني وضد الفلسطيني، وتحت غطاءٍ هشٍ من «الموضوعية الإعلامية» المفترضة.
لعل أبرز، وأوقح مثال على ذلك، هو التعبيرات المستخدمة في توصيف أعمار «الرهائن» و«المعتقلين» في الرواية الغربية؛ فأولئك الذين تحت سن 18 بين «الرهائن»، هم «أطفال»، وأما حين الحديث عن الأسرى الفلسطينيين من الأطفال، فهم «معتقلون دون سن الثامنة عشرة»!
في السياق نفسه، من المهم أيضاً التذكير بأنه وفقاً لسدنة القانون الدولي الحاليين التابعين للغرب، فإن ما يحصل في غزة تتم تسميته بـ«النزاع بين إسرائيل وحماس»، ويتم تصنيفه بـ «نزاع مسلح ليس له طابع دولي». وليس من الصعب فهم الرواية التي توّلدها هذه التسميات، والتي تغيّب موضوع الاحتلال والمقاومة، وتحول القضية إلى «نزاعٍ مسلح»، وأخطر من ذلك أنه بين «دولة» و«جماعة»...
مدخل للجانب القانوني
بطبيعة الحال، فإنّ تحليل الجانب الإعلامي- السياسي لهذه التسميات والمصطلحات، هو حقلٌ واسعٌ لا يمكن حصره في مقال، وما أوردناه أعلاه هو مجرد إشارة سريعة لهذا الحقل المعرفي المهم، والذي يشكل جزءاً شديد الأهمية في سياق الصراع.
بالعودة للجانب القانوني، الذي هو المحتوى الأساسي لهذه المادة، يجب التنويه أنه للقيام بتحليل شامل (من وجهة نظر قانونية) لهذه المصطلحات، وبما أن احتجاز الفلسطينيين لم يبدأ في 7 تشرين الأول، بل سبق ذلك بعقود طويلة وبشكل مستمر، فإن ««إسرائيل» كدولة احتلال وبموجب احتلالها الحربي والدائم وغير القانوني للأرض الفلسطينية، بما فيها غزة، ينطبق عليها تعريف العدوان، ما يجعلها الجانب المعتدي وفي حالة دائمة من العدوان على الدولة الفلسطينية والشعب الفلسطيني».
يمكن العودة في هذا السياق إلى مادة لمركز دراسات قاسيون بعنوان «دولة الاحتلال... «الدفاع عن النفس».. والقانون الدولي» لتحليل قانوني أوسع حول هذا الجانب من الموضوع.
المادة 2 المشتركة في اتفاقيات جنيف، تنص بين أمور أخرى على أنه: «علاوة على الأحكام التي تسري في وقت السلم، تنطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب. تنطبق الاتفاقية أيضاً في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة».
القانون الدولي ذو الصلة
حول تعريف «الرهائن»، تنص الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن على ما يلي: «أي شخص يقبض على شخص آخر (يشار إلية فيما يلي بكلمة «رهينة») أو يحتجزه ويهدد بقتله أو إيذائه أو استمرار احتجازه من أجل إكراه طرف ثالث، سواء كان دولة أو منظمة دولية حكومية، أو شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً، أو مجموعة من الأشخاص، على القيام أو الامتناع عن القيام بفعل معين كشرط صريح أو ضمني للإفراج عن الرهينة، يرتكب جريمة أخذ الرهائن بالمعنى الوارد في هذه الاتفاقية». كما أنه وفق المادة 8 من ميثاق روما الأساسي، وهو الأساس القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، فإن «أخذ الرهائن» يُعتبر جريمة حرب.
وتتطرق اتفاقيات جنيف إلى الموضوع، حيث إن أخذ الرهائن محظور وفق المادة 3 المشتركة، والتي تنص بين أمور أخرى على التالي:
في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية:
1) الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.
ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن:
(أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب،
(ب) أخذ الرهائن،
(ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطّة بالكرامة،
(د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.
أما «الأسير»، فتعرفه المادة 4 من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، كالتالي:
أسرى الحرب بالمعنى المقصود في هذه الاتفاقية هم الأشخاص الذين ينتمون إلى إحدى الفئات التالية، ويقعون في قبضة العدو:
1) أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والميليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات المسلحة.
2) أفراد الميليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً، على أن تتوفر الشروط التالية في هذه الميليشيات أو الوحدات المتطوعة بما فيها حركات المقاومة المنظمة المذكورة:
أ- أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه.
ب- أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد.
ج- أن تحمل الأسلحة جهراً.
د- أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.
3) أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة.
4) الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منهم... شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها.
وبينما لا يُعتبر أخذ أسرى الحرب بحد ذاته جريمة حرب، بعكس أخذ الرهائن، إلا أنه وفق القانون الإنساني الدولي يجب معاملة جميع الأشخاص المحتجزين في زمن الحرب، بما في ذلك الأسرى، معاملة إنسانية، ولذلك فإن المعاملة غير الإنسانية للأسير يمكن أن ترقى إلى مستوى جريمة حرب.
من المفيد أيضاً تعريف «الأهداف العسكرية»، حيث عرفتها المادة 52 من الملحق / البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف لعام 1977 بالتالي: «تنحصر الأهداف العسكرية فيما يتعلق بالأعيان على تلك التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها». ووفق المادة 51 من ذات الملحق، «يتمتع الأشخاص المدنيون بالحماية... ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية».
ما هو التصنيف القانوني لـ «الإسرائيليين» المحتجزين لدى المقاومة؟
بداية، فيما يتعلق بالمحتجزين «الإسرائيليين» لدى المقاومة من جنود جيش الاحتلال، فوفق القانون الدولي هم أسرى حرب وتنطبق عليهم قواعد الحرب ذات الصلة بوضعهم القانوني وطريقة معاملتهم.
أما بالنسبة للمستوطنين، فالموضوع مختلف قليلاً. أولاً: من المعروف أن المستوطنات، وبالأخص مثل تلك الواقعة في غلاف غزة، لها أدوار عسكرية، ما يجعلها وفق المادة 52 المذكورة أعلاه أهدافاً عسكرية، حيث يتم استخدامها كنقاط ارتكاز للعمليات العسكرية ويتم فيها تجميع الأسلحة والمعدات العسكرية والآليات العسكرية، والكثير من العمليات العسكرية التي تستهدف غزة خلال العدوان الحالي وسابقاً تنطلق من هذه المستوطنات. وكذلك فيما يتعلق بالمستوطنين أنفسهم، حيث يعمل الكثير منهم في مراكز ذات طابع أمني وتبعية عسكرية ضمن المستوطنات، كما أنه معروف أن معظم المستوطنين يحملون السلاح.
كما أن للمستوطنين دوراً متزايداً في العنف في إطار وحماية «قوات الأمن الإسرائيلية»، حيث تطرقت عدة تقارير سابقة حول الوضع في فلسطين المحتلة إلى عنف المستوطنين. على سبيل المثال: ورد في «الملاحظات الختامية بشأن التقرير الدوري الخامس لإسرائيل» رقم CCPR/C/ISR/CO/5 المؤرخ 5 أيار 2022، في الفقرة 24: «اللجنة... لا تزال تشعر بالقلق بشأن الآتي: (أ) حدوث زيادة كبيرة في عدد حوادث عنف المستوطنين في السنوات الأخيرة وحدّتها؛ (ب) تورط قوات الأمن الإسرائيلية في هذا العنف».
كل هذا يجرد المستوطنين من «الصفة المدنية» بسبب مشاركتهم بحكم الأمر الواقع في الأعمال العسكرية، ما يجعل المستوطنين الذين احتجزتهم المقاومة «أسرى حرب» وليسوا «رهائن».
ما هو التصنيف القانوني للفلسطينيين المحتجزين لدى الاحتلال؟
أما فيما يتعلق بالفلسطينيين المحتجزين لدى الاحتلال، والذين يعود احتجازهم إلى سنوات وفي بعض الحالات إلى عقود، فإنه من المعروف أن معظمهم يقعون تحت مسمى «الاحتجاز الإداري»، والذي تطرقت إليه الكثير من التقارير الصادرة عن جهات دولية ومنظمات حقوقية. على سبيل المثال: ورد في «الملاحظات الختامية بشأن التقرير الدوري الخامس لإسرائيل» رقم CCPR/C/ISR/CO/5 المؤرخ 5 أيار 2022، في الفقرة 34: «يساور اللجنة القلق إزاء انتشار ممارسة اعتقال الفلسطينيين، بمن فيهم الصحفيون والمدافعون عن حقوق الإنسان والأطفال واحتجازهم تعسفاً... الأمر الذي ينتهك القانون الدولي الإنساني والعهد. ويساورها بالغ القلق إزاء استمرار ممارسة الاحتجاز الإداري للفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، دون تهمة أو محاكمة ومن دون التمتع بالضمانات القانونية الأساسية... وتلاحظ بقلق استخدام الأدلة السرية في إجراءات الاحتجاز الإداري وموافقة المحاكم العسكرية على أوامر الاحتجاز الإداري وتجديدها إياها دوماً».
وفق كل ما سبق والقوانين ذات الصلة، فإن المحتجزين من الفلسطينيين، بالأخص أولئك الذين تم احتجازهم تحت ما يسمى بـ «الاحتجاز الإداري» ينطبق عليهم تماماً تعريف «الرهينة» وأن ما تقوم به «إسرائيل» من احتجاز للفلسطينيين هو جريمة حرب بكل المعايير.
خلاصة
لم نتطرق في هذه المادة لجانبٍ مهمٍ ضمن هذه المسألة نفسها، وهو سلوك كلٍ من الاحتلال من جهة والمقاومة من الجهة المقابلة اتجاه المحتجزين لدى كلٍ منهما. وهذا وحده حقلٌ واسعٌ يُظهر فرقاً هائلاً في العقليات والأخلاقيات لدى كل من الطرفين؛ فالاحتلال الصهيوني يكاد يكون من أكثر الجهات توحشاً عبر التاريخ في تعاملها مع الأسرى لديها، وهذا مثبت بتقارير دولية متعددة. بالمقابل، فإنّ الأخلاقيات العالية التي أظهرتها المقاومة في التعامل مع الأسرى الذين بين يديها، هي تعبير مكثف عن مدى أخلاقية وأحقية القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
بالعودة إلى الجانب القانوني، فإننا إذا أردنا الاحتكام إلى القانون الدولي كما هو فعلاً في النصوص، إذاً لوصلنا إلى نتيجة معاكسة تماماً لما يتبناه الإعلام الغربي، وحتى جزء من الإعلام العربي وضمناً الإعلام المناصر للمقاومة الفلسطينية.
فالمحتجزون لدى المقاومة هم وفقاً لمنطوق القانون الدولي «أسرى حرب»، وأما المحتجزون لدى الكيان الصهيوني من الفلسطينيين، فهم «رهائن»، وهذا التعبير أقرب إلى التوصيف الفعلي لسلوك الاحتلال الصهيوني، الذي يعمل بوصفه عصابةً إجرامية، لا تختطف الفلسطينيين فحسب، بل وتختطف كامل منطقة الشرق الأوسط لحساب الأمريكي وهيمنته على هذه المنطقة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1154