افتتاحية قاسيون 1155: آمالٌ واقعية على بوابة السنة الجديدة
ينقضي عام 2023 بكل ما حمله للسواد الأعظم من البشر، ولشعوب منطقتنا خاصةً، من آلامٍ ودماءٍ ودمار. ولكنه، وبقدر عمق الآلام التي حملها، ثبّت وكرّس الآمال الواقعية ببناء عالمٍ جديد؛ عالمٍ تتقهقر فيه سطوة المركز الغربي، الأمريكي- الصهيوني، ومعه سلطة رأس المال المالي العالمي الإجرامي، ونظام الاستعمار الحديث، وفروعه التابعة في مختلف بقاع العالم.
قانون تسارع التاريخ، الذي اكتشفه ماركس مبكراً، يفعل فعله بأكثر الصور وضوحاً في عصرنا الراهن؛ فالميل العام لتطور الأحداث على المستوى العالمي، الذي بات ملموساً مع بداية المعركة في أوكرانيا 2022، لم يتثبت في 2023 بشكلٍ لا رجعة فيه وحسب، بل وانتقل إلى طورٍ جديد أوسع مدىً وأكبر سرعةً مما سبق.
- تهاوت كل أوهام كسر التحالف الصيني الروسي، الذي بات مركزاً أساسياً لمجمل التحالفات العالمية والإقليمية الجديدة، وبات نواةً صلبة أساسية في بناء المنظومة الدولية الجديدة.
- تجاوز تحالف بريكس مجموعة السبع الغربية في الحصة من الناتج العالمي، وهذا قبل توسعه ليضم ست دولٍ إقليمية جديدة، شكّل انضمامها نقلةّ نوعيةً باتجاه إعادة رسم الخارطة العالمية وفقاً للتوازنات الجديدة.
- تم تحرير مساحة إضافية مهمة في إفريقيا من السطوة الغربية، بشكليها الاستعماريين القديم والحديث.
- تم دفن «اتفاقات أبراهام» التي كان غرضها الفعلي، ليس فقط حماية الكيان الصهيوني الواقع في ظل أزمة وجودية فحسب، بل وأيضاً وضع الأساس لدمارٍ شاملٍ في منطقتنا، محمول على تغذية الفوالق الطائفية، وخاصة بين السعودية وإيران.
- لم تدفن اتفاقات أبراهام فحسب، بل وبات مصير اتفاقيات كامب ديفيد ووادي عربة على جدول الأعمال بعد أربعة عقودٍ من العنجهية والبلطجة الصهيونية في منطقتنا، وحتى في عدد غير قليل من الدول الإفريقية.
- تلقت واشنطن ومعها الكيان الصهيوني ضربة قاسية في 7 أكتوبر، وما تزال تتلقى الضربات حتى اللحظة، وليس أمامها من مخرجٍ سوى الفوضى الشاملة التي تشمل منطقتنا بأكملها، وخاصة مصر ثم السعودية. واحتمالات تحقيق هذه الفوضى الشاملة، تتقلص يوماً وراء يوم، ومع كل ضربة جديدة يتلقاها الصهيوني. 7 أكتوبر لم تكن ضربة عسكرية فحسب، بل وسياسية وإعلامية واقتصادية، وبكلمة؛ فقد كانت وما تزال ضربةً استراتيجية ستفتح الباب لحل القضية الفلسطينية حلاً شاملاً في الأفق المنظور، ولإنهاء آخر نظام فصلٍ عنصري على وجه الأرض، مرةً وإلى الأبد.
- الأنظمة المعادية لمصالح شعوبها، والتي تشكل امتداداً لنظام الاستعمار الحديث، هي الأخرى تفقد قدراتها على المناورة واللعب على الحبال، وتضيق بها السبل أكثر فأكثر، وتقترب أكثر من لحظة إعادة تكوينها جذرياً، بما يتناسب مع النظام الدولي الجديد قيد الولادة، وبما يتناسب مع مصالح الشعوب.
في سورية، تستمر المأساة وتتعمق على كل الصعد. ولعل أحد أهم مؤشرات هذه المأساة، هو الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة السورية، والذي وصل مطلع عام 2023 إلى 2.5 مليونين ونصف ليرة سورية شهرياً، وبلغ الآن مع نهاية العام 7.5 سبعة ملايين ونصف، دون أي زيادة مؤثرة في الأجور؛ ما يعني أنّ الوضع المعيشي اليوم أسوأ بثلاث مراتٍ مما كان عليه في بداية العام.
هذا الوضع سيستمر في التدهور، وبسرعات أكبر، طالما الحل السياسي غائب؛ لأنّ أولئك الذين يتحكمون في مسارات الأوضاع الداخلية، قد أثبتوا بما يكفي من الأدلة انحيازهم التام لمصلحة النخب الناهبة، وضد مصالح الشعب السوري، بل وأثبتوا أيضاً: أنّ لا مشكلة لديهم في تحييد دور سورية ووظيفتها التاريخية في الإطار الإقليمي، طالما يصب ذلك في مصالحهم الضيقة.
إنّ الوضع في سورية، ورغم مأساويته، إلا أنه هو الآخر، وكما الوضع العالمي بمجمله، سائر باتجاه تغييرات جذرية تفرضها الوقائع الجديدة، وضمناً فإنّ تحييد الغرب وألاعيبه التي من طراز «خطوة مقابل خطوة»، سيكون المهمة الأساسية في 2024، والأداة الأساسية ستكون مواصلة السير ضمن مسار أستانا بالتنسيق والتعاون مع دول عربية أساسية ومع الصين، ووصولاً إلى التطبيق الكامل للقرار 2254 وعبر التسوية السورية التركية، كخطوة مهمة لكسر العقوبات الغربية والحصار والابتزاز الغربي...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1155