دولة الاحتلال... «الدفاع عن النفس».. والقانون الدولي

دولة الاحتلال... «الدفاع عن النفس».. والقانون الدولي

مندوب روسيا في الأمم المتحدة، في إحدى الجلسات العديدة التي عقدها مجلس الأمن خلال الأسابيع الماضية حول العدوان «الإسرائيلي» على غزة، وردّاً على تكرار المحاججة الغربية لدعمها غير المشروط لوحشية الكيان الصهيوني القائمة على أساس حق «إسرائيل» في الدفاع عن النفس، قال المندوب الروسي: «ليس من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها لأنها دولة احتلال».

يكشف هذا التصريح أساساً مهماً ضمن القانون الدولي، يتعمد الغرب التغافل عنه وإهماله في إطار التعامل مع القضية الفلسطينية، وفيما يلي لمحة مختصرة حول الخلفية القانونية لهذا الأساس والاستنتاجات القائمة عليه.

غزة خاضعة للاحتلال «الإسرائيلي»

يعرف القانون الدولي «الاحتلال» بممارسة دولة ما سيطرة غير مقبول بها على أراضٍ لا تملك حق السيادة عليها، حيث ورد تعريف للاحتلال في اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، والمعروفة باسم «لائحة لاهاي لعام 1907»، حيث تعرّف المادة 42 الاحتلال كما يلي: «تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو. ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها».
كما ينظم القانون الدولي أيضاً حدود وضوابط ممارسات السلطات المحتلة، والتي تؤطرها قانونياً مجموعة من الأحكام في لائحة لاهاي لعام 1907 واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977.
علاوة على ذلك، تنص المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على أن هذه الاتفاقيات تسري على أي أرض يتم احتلالها أثناء عمليات عدائية دولية، وكذلك تسري حتى في الحالات التي لا يواجه فيها احتلال أرض دولة ما أي مقاومة مسلحة، حيث ورد في المادة الثانية المشتركة: «تنطبق الاتفاقية أيضاً في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة». بكلام آخر، حين يرقى الواقع إلى مستوى الاحتلال، يتوجب تطبيق قانون الاحتلال، سواء كان الاحتلال «شرعياً أم لا»، حتى إن حظي الاحتلال– على سبيل المثال– بموافقة مجلس الأمن.
وفق القانون الدولي، تُعتبر غزة خاضعة للاحتلال «الإسرائيلي»، الأمر الذي أكدته عدة جهات دولية بما فيها الأمم المتحدة، حيث ورد في «تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة– بما فيها القدس الشرقية– وإسرائيل» رقم A/HCR/50/21 المؤرخ 9 أيار 2022، في الفقرة 16: «الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية وغزة، والجولان السوري المحتل تخضع حالياً لاحتلال حربي من جانب إسرائيل، وهو احتلال ينطبق عليه القانون الدولي الإنساني. وعلى الرغم من ادعاء إسرائيل أنها انسحبت من غزة عام 2005، تحيط اللجنة علماً بمواقف مجلس الأمن والجمعية العامة، وبالإعلان المؤرخ 17 كانون الأول/ديسمبر 2014 الذي اعتمده مؤتمر الأطراف المتعاقدة السامية في اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب (اتفاقية جنيف الرابعة)، وبالتقييم الذي أجرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وبمواقف لجان التحقيق السابقة، إلى جانب عدم وجود استنتاجات ذات حجة تبين عكس ذلك، ومفادها أن إسرائيل لا تزال تحتل الأرض بحكم السيطرة التي تمارسها، في جملة الأمور، على مجالها الجوي ومياهها الإقليمية، والمعابر البرية على الحدود، وعلى توفير الهياكل الأساسية المدنية، بما في ذلك المياه والكهرباء، وعلى الوظائف الحكومية الرئيسية، مثل: إدارة سجل السكان الفلسطينيين». وأضاف التقرير في الفقرة 22: «دولة فلسطين تشمل الضفة الغربية... وكل القدس الشرقية، وقطاع غزة. وترى اللجنة كذلك أن إسرائيل لا تزال تحتل جميع هذه الأراضي احتلالاً حربياً، ومن ثم فهي الجهة الرئيسية المسؤولة داخل هذه الأراضي، إلى جانب الجولان السوري المحتل».
تطرق التقرير المذكور آنفاً إلى قرار مجلس الأمن 242 (1967)، والذي دعا... إلى انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من (الأراضي التي احتلتها في الصراع الأخير)، ... وعلى الرغم من ذلك، لم تضع إسرائيل حداً للاحتلال، بحيث يتسنى للشعب الفلسطيني التمتع بحقه في تقرير مصيره. وقد وصف المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 الوضع بأنه احتلال إلى الأبد، مشدداً على أن القانون الدولي يشترط بوضوح أن يكون الاحتلال الإسرائيلي مؤقتاً.
كما ورد في تقرير اللجنة رقم A/77/328 المؤرخ 14 أيلول 2022، في الفقرة 75: «تخلص اللجنة إلى أن هناك أسباباً معقولة للاستنتاج بأن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية بات الآن غير قانوني بموجب القانون الدولي، بسبب ديمومته والإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لضم أجزاء من الأرض بحكم الواقع، وبحكم القانون».

1148-7

من لديه حق الدفاع عن النفس في القانون الدولي؟

تنص المادة 51 من الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة على حق الدفاع عن النفس، وتقول المادة: «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء «الأمم المتحدة» وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس– بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق– من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي، أو إعادته إلى نصابه».
وفق هذا النص، يتم تفعيل «حق الدفاع عن النفس» في حال كان هناك اعتداء مسلح على أحد أعضاء الأمم المتحدة، أي بكلام آخر عند وجود عدوان مسلح، والذي عرفته لجنة القانون الدولي عام 1951 بأنه «كل استخدام للقوة أو التهديد بها من قبل دولة أو حكومة ضد دولة أخرى... وذلك في غير حالات الدفاع الشرعي الفردي أو الجماعي».
كما عرّفت الجمعية العامة للأمم المتحدة العدوان في قرارها رقم 29/3314 الصادر في 14 كانون الأول 1974، حيث نصت المادة 1 من القرار على أن «العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى، أو سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي»، وأضاف القرار في المادة 3: «تنطبق صفة العمل العدواني على أي من الأعمال التالية، سواء بإعلان حرب أو بدونه... (أ) قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري، ولو كان مؤقتاً، ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة».
كما يضيف القرار في المادة 7 منه: «ليس في هذا التعريف عامة، ولا في المادة ٣ خاصة، ما يمكن أن يمس على أي نحو بما هو مستقى من الميثاق، من حق في تقرير المصير والحرية والاستقلال للشعوب المحرومة من هذا الحق بالقوة، والمشار إليها في إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، ولا سيما الشعوب الخاضعة لنظم استعمارية، أو عنصرية، أو لأشكال أخرى من السيطرة الأجنبية، أو بحق هذه الشعوب في الكفاح من أجل ذلك الهدف، وفي التماس الدعم وتلقيه».

استنتاجات

وفق كل ما ورد أعلاه، يمكن استنتاج التالي:
أولاً: الهجوم الذي قامت به حماس في 7 تشرين الأول 2023، ليس عدواناً بالمعنى الدولي يوجب تطبيق المبادئ والقوانين الدولية عليه فيما يتعلق بالحروب بين دولتين، وذلك لأنه كان من قبل مجموعة وليس دولة أو حكومة دولة، ويمكن اعتبار تصنيف بعض الدول لحماس أو الجناح العسكري منها (إرهاباً)، اعترافاً ضمنياً أنها بالمعنى القانوني لا تمثل الدولة الفلسطينية أو حكومتها.
ثانياً: «إسرائيل» كدولة احتلال وبموجب احتلالها الحربي والدائم وغير القانوني للأرض الفلسطينية، بما فيها غزة، ينطبق عليها تعريف العدوان، ما يجعلها الجانب المعتدي وفي حالة دائمة من العدوان على الدولة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
ثالثاً: وفقاً لكل ما سبق، ليس فقط ليس لـ «إسرائيل» حق الدفاع عن النفس لعدم توفر الشروط اللازمة لتفعيل هذا الحق، كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، ولكن الشعب الفلسطيني– أفراداً وجماعةً– هو الذي لديه حق الدفاع عن النفس، وبشكل دائم، طالما «إسرائيل» قائمة ومعرفة كدولة احتلال، كما هو الحال.
يمكن هنا أيضاً التنويه إلى أن المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، صرحت وشرحت في سلسلة من التغريدات على حسابها على منصة X (تويتر سابقاً) أنه «بموجب القانون الدولي، لا يمكن وصف تصرفات إسرائيل في غزة بأنها دفاع عن النفس».

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1148
آخر تعديل على الجمعة, 05 كانون2/يناير 2024 21:13