افتتاحية قاسيون 1130: كيف سيبدو العالم بعد بريكس 2023؟
تتواصل التحضيرات لقمة مفصلية لبريكس طال الحديث عنها وطال انتظارها؛ قمة جوهانسبرغ-جنوب إفريقيا، في آب 2023.
بريكس بدولها الخمس، وقبل أي عمليات انضمام جديدة، تشكل 42% من سكان العالم، و31.5% من الناتج الإجمالي العالمي، و26.7 من مساحة الأراضي في العالم.
الأعضاء الجدد المحتملون تضمهما قائمتان، واحدة قصيرة يحتمل انضمام أعضائها قريباً، وأخرى طويلة لن يتم انضمامها في القريب العاجل. في القائمة القصيرة، الأبرز: هي إيران والسعودية وتركيا، وبين من تضمهم القائمة الطويلة، مصر والجزائر والأرجنتين.
ورغم الأهمية الكبرى لعمليات الانضمام المحتملة، وما سيترتب عليها من إعادة ترتيب لمجمل النظام العالمي، إلا أنّ موضوع عملة بريكس يتربع على رأس الأولويات من حيث تأثيراته الكبرى على مستقبل العالم بأسره.
إنّ الأداة الأساسية في الهيمنة الغربية والأمريكية بشكل خاص على العالم بأسره، وفي استعباده ونهبه، هي الدولار كعملة عالمية، سواء كوسيلة للدفع، أو كاحتياطي، أو كوسيط اكتناز، وكوسيط استثمار، وعيب الدولار الأكبر ليس فقط في كونه يصدر عن دولة واحدة ويفرض على العالم بأسره، بل وأيضاً في كونه يصدر دون أي أساس مادي اقتصادي، لا ذهب ولا غيره (إسهام الولايات المتحدة في الناتج العالمي انخفض في 2022 إلى 15.5%).
عملة بريكس الجديدة المقترحة، ستقوم على أساس مادي صلب، هو الناتج المحلي الإجمالي للدول المشاركة في منظومتها، وعلى الذهب أيضاً كأحد دعاماتها المادية، وستكون لهذا السبب عملة تضمن تبادلاً متكافئاً بين دول هذه المنظومة، وتوفر لكل دول العالم الأخرى إمكانية التبادل المتكافئ.
بطبيعة الحال، فإنّ مجرد ظهور عملة بريكس لن يعني اختفاء الدولار الفوري، ولكنه سيعني بالتأكيد تراجعاً إضافياً وحاداً في دوره على المستوى العالمي. يقدر الخبراء أنه خلال سنتين إلى خمس سنوات كحد أقصى من تاريخ ظهور عملة بريكس، فإنّ الحصة التي يحتلها الدولار اليوم من السوق العالمية، ستتراجع إلى النصف... وهو الأمر الذي ستترتب عليه تبعات كبرى في كل أنحاء العالم:
أولاً: في الداخل الأمريكي، يشكل ريع الدولار ما يقرب 16 ترليون دولار من الناتج الإجمالي السنوي للولايات المتحدة، مقابل 7 ترليون إنتاج حقيقي. وإذا فقد الدولار نصف ما يحتله ضمن السوق العالمية، فهذا يعني أنّ الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي سينخفض بحدود 8 ترليون دولار... من الصعب تخيل ما يمكن أن يؤدي إليه تراجع بهذا الحجم، ولكنّ حده الأدنى هو ارتفاع حدة التناقضات الداخلية، وانخفاض القدرة على تمويل النشاط العسكري والسياسي الخارجي، وحده الأعلى هو الحرب الأهلية داخل أمريكا، وربما وصولاً إلى التفكك بين الولايات الغنية من جهة والفقيرة من جهة أخرى، وبين هذين الحدين هنالك احتمال انكفاءٍ إضافي مع محاولات ترتيب الوضع الداخلي، ومحاولات إشعال مزيد من بؤر التوتر حول العالم.
ثانياً: في أوروبا، سيتراجع دور اليورو وتأثيره أيضاً، ولكن ربما سيكون التأثير الأكبر هو بتضافر تفاقم الأزمات الاقتصادية الداخلية، والمساعي الأمريكية لدفع أوروبا للقتال حتى آخر أوروبي ضد روسيا بهدف تحطيم كل منهما، وعبر شكل جديد من الفاشية في أوروبا، لن يكون نظاماً واحداً مركزياً على الطريقة النازية، بل عدة أنظمة فاشية تقمع شعوبها وتقتتل فيما بينها، لتصب الدماء والأموال في خزينة دراكولا الأمريكي.
ثالثاً: سيتواصل صعود دور الصين حول العالم، ليس اقتصادياً فحسب، بل وسياسياً أيضاً. وسيتحول مثال التسوية السعودية الإيرانية بوساطة صينية إلى المثال الأول ضمن عدة أمثلة أخرى ستليه، بما فيها أمثلة أخرى ضمن منطقتنا نفسها، كما سيستمر تحالفها الاستراتيجي مع روسيا بالتعمق والتوسع.
رابعاً: في روسيا سيشتد الصراع الداخلي أكثر فأكثر، وستصبح عملية الاستدارة ضد الرأسمالية نفسها، في إطار الصراع مع الإمبريالية، وكما تنبأ لينين، أكثر راهنية وأكثر إلحاحاً... هذه الاستدارة التي بدت احتمالاً في السنوات الماضية، باتت الآن طريقاً إجبارياً تزداد مؤشرات المضي فيه، وحتى النهاية، مع كل مطلع شمس... وسيسمح لروسيا بلعب دورها الذي خسرته مع انهيار الاتحاد السوفييتي بتقديم نموذج على المستوى العالمي.
خامساً: الأزمات الإقليمية حول العالم، ومع دور أكبر لروسيا والصين، ستتجه نحو الحلحلة ونحو تكريس الاستقرار على أساس تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وإنْ من طرفٍ واحد، بما في ذلك في فلسطين وفي سورية.
هذه كلها هي الاتجاهات العامة التي يعدنا بها عالم ما بعد قمة بريكس 2023، وبطبيعة الحال فإنّ الوصول إلى منتهاها لن يتم بطريق مستقيم، بل عبر تعرجات وإعاقات لا بد منها، ولكنّ الضوء في نهاية النفق العالمي بات واضحاً وبيّناً... والسير نحوه بات أكثر انتظاماً وأكثر سرعة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1130