إلى ماذا يستند من يثقون بالأمريكان؟!
زار مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة يوم السبت الماضي الشمال الشرقي السوري في زيارة قصيرة مرّ خلالها على جنوده هناك، ومن غير الواضح بعد إنْ كان قد أجرى لقاءات أخرى خلال وجوده، كما أنّه ليس من الواضح بعد ما هي أهداف هذه الزيارة التي لم يتم الإعلان عنها سابقاً.
وهذه الزيارة يمكنها أن تشابه زيارات سابقة، وإنْ بمستويات عسكرية أقل، ويمكنها ألا تشابهها من حيث النتائج. بكلامٍ آخر، فإنّ الاستنتاج أنّ هدف الزيارة هو التأكيد على أنّ الوجود العسكري الأمريكي مستمر هو محض تبصير وضرب مندل، لأنّ الأمريكان حين غادروا أفغانستان دون إعلام أحد على الإطلاق، قاموا قبل مغادرتهم بزيارات بهذا المستوى أيضاً إلى أفغانستان.
أي أنّ احتمالي بقاء أو انسحاب الأمريكان من سورية هما دائماً احتمالان متساويان، لأنّ الأمريكان لن يشاوروا أحداً حين يتخذون القرار، ولن تكون لديهم مشكلة في أن تدهس طائراتهم هم أجساد من سبق أن تعاون معهم.
ما ينبغي أن يخضع لتفكير جدي، هو المواقف المتصلبة التي يطلقها بعض المتشددين في الشمال الشرقي السوري، وضمن الإدارة الذاتية، وبعض أطراف مسد خلال الفترة القليلة الماضية، وخاصة اتجاه التسوية السورية التركية، وأيضاً اتجاه مسار أستانا ككل، وضمناً وعلناً ضد الطرف الروسي، بمقابل المديح المستمر الذي يصل حد التزلف للطرف الأمريكي ولدوره.
ألا ينبغي أن يتم سؤال هؤلاء بشكل واضح: ما هو مصدر ثقتكم بالأمريكان؟ هل سبق للأمريكان أن وفوا بوعودهم مع أيٍّ من حلفائهم في أي بقعة من العالم؟ ابتداءً من القوى السياسية الكردية عبر أكثر من 70 عاماً من الخيانات الأمريكية، ومروراً بما فعلوه في أفغانستان، والآن في أوكرانيا ومع «حلفائهم» الأوروبيين، وغير ذلك من الأمثلة التي لا تنتهي...
هل يمكن أنْ يفسر لنا وللناس وللقوى السياسية، أولئك الذين يتمسكون بحبال الوهم الأمريكي، لماذا يصرون على مواقف متشددة تضعهم وتضع المنطقة بأسرها تحت الخطر، ويصمون آذانهم بشكل كامل عن اعتراضات الناس والقوى القريبة منهم بل والمتحالفة معهم؟ إلى الحد الذي يتنصلون فيه من مواثيق قطعوها على أنفسهم لهذه القوى؟
الأكيد، هو أنّ القوى العاقلة الوطنية موجودة ولها وزنها، وهي تسعى بكل قوتها للدفع باتجاه حلٍ حقيقي على أساس القرار 2254 وبالاستفادة من ثلاثي أستانا، ودون تعويلٍ أعمى على الأمريكان، ودون انجرار وراء وعود بعض الدول العربية المتخندقة مع الأمريكي والصهيوني.
النضالات الكبرى، والتضحيات الكبرى، والدماء الوفيرة التي سفكت في الحرب ضد داعش، ينبغي ألا تضيع سدىً بسبب قصر نظر المتشددين، وينبغي ألا يبقى الباب مفتوحاً للاستثمار الأمريكي، ولاستثمار المتشددين من كل الأطراف في الحالة في الشمال الشرقي السوري، وهذا يتطلب حواراً هادئاً وجدياً بين القوى الوطنية الديمقراطية السورية، ويتطلب قدراً من التواضع والاحترام، يغيبان أحياناً بسبب الأوهام التي تنفخ بعض الرؤوس...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1112