مرة أخرى... إعادة طرح السؤال حول الوجود الأمريكي في سورية
قدم عضو مجلس النواب الأمريكي، «مات غيتز»، في 21 شباط الماضي مشروع قرار في مجلس النواب بموجب قانون صلاحيات الحرب الأمريكي لعام 1973. ينص مشروع القرار المقتضب على أن «الكونغرس يوجه الرئيس لسحب القوات المسلحة الأمريكية من سورية في موعد أقصاه 15 يوماً من تاريخ اعتماد هذا القرار». وقدم غيتز لاحقاً في 1 آذار الجاري نسخة معدلة من مشروع القرار، والتي تم فيها تعديل المدة من 15 يوماً إلى 180 يوماً. ما زال مقترح القرار في مراحله الأولى، حيث تم تقديمه في مجلس النواب، وأحيل إلى لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، ولم يتم بعد التصويت عليه.
ومن الجدير بالذكر أنه بموجب قانون صلاحيات الحرب الأمريكي، يجب على مجلس النواب التصويت على مقترح القرار الذي قدمه غيتز في غضون 18 يوماً بعد تقديمه. ومن المتوقع أن يتم التصويت في مجلس النواب على مقترح القرار هذا خلال الأسبوع القادم. ولكن في خضّم كل ما يحصل اليوم، لماذا عاد موضوع الوجود الأمريكي في سورية إلى النقاش؟
لمحة سريعة عن «مات غيتز»
ربما من المفيد التنويه إلى أن «مات غيتز» هو نائبٌ عن الحزب الجمهوري عن ولاية فلوريدا منذ كانون الثاني 2017. وبينما يعرّف غيتز نفسه بأنه «شعبوي ليبرتاري»، إلا أن المعلقين السياسيين في أمريكا يصفونه بأنه من اليمين المتطرف. كما يُعتبر غيتز من التيار «الترامبي» ضمن الحزب الجمهوري، وكان من بين 60 نائباً أمريكياً صوتوا في تشرين الأول 2019 ضد مقترح قرار في مجلس النواب الأمريكي بعنوان «معارضة قرار إنهاء بعض المساعي الأمريكية لمنع العمليات العسكرية التركية ضد القوات الكردية السورية في شمال شرق سورية» والذي كان ضمناً قراراً بإدانة قرار ترامب الانسحاب من سورية، من الجدير بالذكر أنه بالرغم من أن مجلس النواب وافق على القرار، ولكن لم يتم تمريره من قبل مجلس الشيوخ.
ما الذي يقوله الإعلام الأمريكي حول الموضوع؟
بدايةً، غيتز نشر على موقعه الرسمي بياناً صحفياً في 22 شباط حول المقترح الذي قدمه، وقال فيه: إنه قدم المقترح «في أعقاب بيان صحفي صدر في 17 شباط من القيادة المركزية الأمريكية، أعلنت فيه إصابة أربعة جنود أمريكيين خلال غارة بطائرة هليكوبتر مشتركة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سورية، مما أسفر في النهاية عن مقتل أحد كبار قادة داعش». وأضاف، أن «دستور الولايات المتحدة يمنح الكونغرس وحده سلطة إعلان الحرب». حول ذلك، قال غيتز: «لم يصرح الكونغرس مطلقاً باستخدام القوة العسكرية في سورية. الولايات المتحدة حالياً ليست في حرب مع سورية أو ضدها، فلماذا نقوم بعمليات عسكرية خطيرة هناك؟ يجب على الرئيس بايدن إزالة جميع القوات المسلحة الأمريكية من سورية. أمريكا أولاً تعني في الواقع وضع شعب بلدنا أولاً– وليس مصالح المجمع الصناعي العسكري».
وحول بايدن، قال غيتز في البيان: إن «المخاوف المتزايدة تستمر في الإشارة إلى أن الرئيس بايدن نفسه ليس لديه فهم معرفي للصراع السوري»، مشيراً إلى أن بايدن قال في مقابلة في آب 2022: إنه «ليس لدينا جيش في سورية للتأكد من أننا سنكون محميين»، بالرغم من أنه آنذاك «كان لدى الولايات المتحدة ما يقدر بنحو 900 جندي في سورية».
قناة «فوكس نيوز» والتي تعد من أهم الجهات الإعلامية المعبّرة عن وجهة نظر المحافظين في أمريكا، وتنحاز بوضوح للجمهوريين وضد الديمقراطيين، كما أنها تنحاز لـ «إسرائيل» وتعادي القضية الفلسطينية والعرب والمسلمين بشكل علني، وكانت وما زالت من الجهات الإعلامية المؤيدة لترامب وتياره، استضافت غيتز ونشرت مقالاً حول الموضوع في 22 شباط. وورد في المقال كلام غيتز الذي ورد في البيان الصحفي المذكور آنفاً بالإضافة إلى التركيز على أن مقترح القرار يهدف إلى «إجبار أعضاء الكونغرس على التصويت بشكل رسمي فيما يتعلق بما إذا كانوا يعتقدون أنه يجب علينا مواصلة حرب أوباما في سورية. بدأ الرئيس أوباما مشاركتنا في الحرب... وما زلنا نجد أنفسنا الآن في خضم حرب أهلية سوريّة مع روسيا وتركيا وإيران، وكلهم موجودون في منطقة ضيقة للغاية». وأضاف: «علينا أن نسأل أنفسنا: «هل نريد حقاً الاستمرار في سياسة عهد أوباما في الانخراط في حرب أهلية سوريّة؟» لا أعتقد أنه ينبغي علينا ذلك». وقال: إن «هذا القرار سيختبر من هو الملتزم حقاً بما أعتقد أنه سياسة «أمريكا أولاً» الخارجية، ومن لا يزال يؤمن بمغامرات الشرق الأوسط».
من الجدير بالذكر، أن هذا الموضوع لم يحظ بتغطية إعلامية كبيرة، وبالأخص من الجهات الإعلامية والإخبارية الرئيسية في أمريكا، عدا «فوكس نيوز»، حيث لم يتم ذكر الموضوع أبداً في الجهات الإعلامية التي تُعتبر أميل إلى الحزب الديمقراطي، مثل: «سي إن إن» و«إم إس إن بي سي». حتى الصحف الأساسية في أمريكا لم تذكر الموضوع، واقتصر الكلام حول الموضوع على جهات صغيرة تكاد لا تكون معروفة وتوجهها محافظ.
من المهم ذكر أن ما حظي بتغطية إعلامية واسعة النطاق في الإعلام الأمريكي والغربي، كانت زيارة مفاجئة وغير معلنة قام بها رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية مايك ميلي يوم السبت 4 آذار خلال تواجده في المنطقة، وبالتحديد في زيارة إلى الكيان. وحسب «رويترز»، ظهر ميلي دون إعلان مسبق في قاعدة أمريكية في شمال شرقي سورية، والتقى مع جنود أمريكان هناك، ورداً على سؤال صحفيين له عما إذا كان يعتقد أن نشر ما يقرب من 900 جندي أمريكي في سورية يستحق المخاطرة، ربط ميلي المهمة بأمن أمريكا وحلفائها، وقال: «إذا كنت تعتقد أن هذا مهم، فعندئذ الجواب هو نعم».
رداً على هذه الزيارة، نشر غيتز على حسابه الرسمي على «تويتر» تغريدة قال فيها: «سافر الجنرال مارك ميلي إلى سورية لتبرير استمرار تورط أمريكا في حرب أهلية في الشرق الأوسط. لا يمكن بناء ديمقراطيات جيفرسونيان من الرمال والدم والميليشيات العربية وحدها. سورية مستنقع من برميل بارود. ليس لدى أمريكا مصلحة واضحة في الاستمرار في تمويل معركة، حيث تتغير التحالفات بشكل أسرع من رمال الصحراء... إذا كان الجنرال ميلي يريد هذه الحرب بشدة، فعليه أن يشرح ما الذي نقاتل من أجله؟ ولماذا تستحق الأموال والدم الأمريكي؟».
ماذا يعني كل هذا؟
وجود اتجاهين مختلفين– على الأقل ظاهرياً وإعلامياً– في الولايات المتحدة حول الوجود الأمريكي العسكري في سورية ليس بالجديد، وهو الأمر الذي سلطت الضوء عليه قاسيون سابقاً، ومنها مادة نُشرت في تشرين الثاني 2022. كانت إحدى النقاط التي ذكرتها المادة، هي أنه بالرغم من أن الاتجاهين بديا كأنهما متناقضان إلا أنه «ينبغي الانتباه إلى أنّ ما يتفقان عليه... هو أن مسألة الوصول إلى حلٍ سياسي وتغيير في سورية ليست فقط خارج قائمة الأولويات، بل هي وبشكل شبه معلن ضمن قائمة المحظورات التي تضر بالأمن القومي الأمريكي... إذ يجمع الشخصان/ التياران على ضرورة بقاء يد «إسرائيل» طليقة في تخريبها للمنطقة بأسرها، وسورية خاصة، ويجمعان على ضرورة إبقاء شكل من تقسيم الأمر الواقع في سورية، وهذه أهداف لا يمكن تحقيقها إذا انتقلت سورية نحو حل سياسي شامل على أساس القرار 2254».
في الجوهر، هذا الاتجاه والاتفاق الضمني حول سورية والحل السياسي لم يتغير في السياسات الأمريكية ولن يتغير ولا يوجد اختلاف عليه أو انقسام حوله. وهذا يتفق مع ما خلصت إليه قاسيون سابقاً فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية اتجاه سورية، بغض النظر أي من الحزبين يقيم في البيت الأبيض، أو لديه الأغلبية في الكونغرس. وما هو مهم لقراءة أية معطيات حول ما يقال عن سورية من قبل أية جهة في أمريكا، هو ما ورد في مادة سابقة في قاسيون في شباط 2021، بعد أن استلمت إدارة بايدن الحكم: ««عدم وجود سياسة واضحة»، يعني شيئاَ واحداً فقط، هو استمرار السياسة السابقة التي كان معمولاً بها أثناء مرحلة ترامب. أي: الاستمرار بسياسة «الجمود هو الاستقرار» وسياسة «المستنقع»... أولئك الذين يرسمون السياسات التفصيلية الخاصة بسورية ضمن مؤسسة السلطة الأمريكية، لم يتغيروا فعلياً بتغير الإدارة، بل وقسم كبير من منفذي تلك السياسات لم يتغير هو الآخر، وهؤلاء وأولئك هم صناع السياسات أنفسهم، الذين كانوا منذ وقت أوباما مسؤولين عن الملف السوري، ويملكون اتجاهه الهدف الإستراتيجي نفسه: محاولة استخدام سورية نفسها كصاعق تفجير للمنطقة بأكملها كحد أعلى، وصولاً إلى داخل دول الخصوم الدوليين الصاعدين، أو كمستنقع تغرق فيه تلك القوى كحد أدنى... بين تفسيرات ما يجري وصفه بأنه غموض في السياسة الأمريكية اتجاه سورية، أنها سياسة «غامضة» بشكل مقصود لتكون قابلة للتكيف مع احتمالات تغيير كبيرة في حال جرى الوصول إلى توافقات دولية... وهو احتمال لا يمكن نفيه، ولكن بالتأكيد لا يجوز التعويل على تغيير أمريكي وانتظاره».
لذلك فإن مشروع القانون الذي قدمه غيتز– سواء تم إقراره أم لم يتم ذلك– يصب غالباً في محاولة استخدام التواجد الأمريكي العسكري في سورية ضمن العمل الجاري، والذي بدأ يتكثف في مرحلة التحضير للانتخابات الأمريكية القادمة في تشرين الثاني 2024، وليس فقط في سياق السباق الجمهوري- الديمقراطي، بل أيضاً ضمن الحزب الجمهوري نفسه، الذي بات فيه عدد من التيارات، أبرزها تيار ترامب الذي يحاول العمل على إعادته إلى البيت الأبيض.
أما فيما يتعلق بالتواجد الأمريكي في سورية، فبالتأكيد هناك ضغوط متزايدة تجعل منه أداة سهلة الاستخدام في هذا النوع من الصراعات الداخلية، ولكن الخروج الأمريكي من سورية ومن المنطقة لم يعد قراراً أمريكياً– بغض النظر عما إذا تم اتخاذ قرار كهذا من قبل الكونغرس أو الرئيس الأمريكي وتنفيذه– بل هو ضرورة وواقع، العمل جارٍ على تنفيذه بحكم التغييرات الجارية في التوازن الدولي، والتجليات المختلفة لذلك على المستوى الدولي والإقليمي وفي كافة الملفات، بما فيها المرتبطة بسورية، وأبرز مثال على ذلك: هو التسوية السورية- التركية الجاري العمل عليها، وضمن الجهود المبذولة نحو التطبيق الكامل للقرار 2254، الأمر الذي كانت وما زالت واشنطن تحاول إعاقته بكافة الوسائل والأدوات المتاحة لها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1112